داعية العراق الشيخ محمود غريب.. فارس ترجل

صهيب الفلاحي

بعد حوالي سبعين سنة وثنتين وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوم قضى معظمها في الدعوة الى الله متجولا ومتنقلا بين بلاد المسلمين ينشر دين الله ويبلغ دعوته ترجل فارس الدعوة خريج الازهر وداعية العراق وخطيب مصر واستاذ صلالة الشيخ محمود محمد غريب رحمه الله .

اجريت معه – رحمه الله – لقاء في شهر أيلول من العام 2009 حدثني فيه عن حياته ودعوته ووجه نصائح في ثنايا كلامه الى شباب الامة .

وانا استذكر هذا الكلام الان أجده ما زال ثريا مرشدا لقارئه وكأنه يتكلم معنا اليوم.

بداية طريق الدعوة

يقول رحمه الله : "حياتي في الدعوة بدأت في 17-3-1957 وكنت طالبا بالثانية اعدادي بمعهد الزقازيق الديني ، وحصلت بفضل الله على اولوية الازهر الشريف للخطابة في 24-4-1966 على مستوى المعاهد الازهرية والبحوث الاسلامية وعلى شباب 73 دولة اسلامية يدرسون في مصر" .

تتلمذ الشيخ محمود غريب رحمه الله على يد أئمة عظماء من علماء مصر كان ابرزهم الامام محمد ابو زهرة والامام محمد الغزالي والاستاذ عبد العال احمد عبد العال وغيرهم .

وعندما يذكر الشيخ رحمه الله اساتذته يقف متواضعا ويقول "ولم استطع ان اعطي تلاميذي ما اعطاه لي اساتذتي".

الشيخ محمود غريب والامام الغزالي

كما ذكرنا ان أحد أهم اساتذة الشيخ محمود غريب هو الشيخ محمد الغزالي (المتوفى في عام 1996) وكانت بينهما علاقة مميزة وكأفضل ما تكون علاقة المربي بشيخه.

وعند مقارنتهرحمه الله بين الشيخ عبد الحميد كشك والامام محمد الغزالي يعبرعن الاول بأنه " كالعطر الذي يملا المكان" وعن الثاني " كالمسك الذي يبقى في المكان طويلا" ثم يقول :"الشيخ عبد الحميد كشك داعية حاول الكثير ان يسد فراغه فلم يستطع ، لون لم يتكرر ، اما الامام محمد الغزالي كان ينحت من الطير وينفخ فيه فيصبح طائرا بإذن الله ، هذا فيما يكتبه ويقوله".

ثم ان الامام الغزالي هو من رشح الشيخ محمود غريب للعمل والدعوة في العراق يقول الشيخ رحمه الله : "ثم الاستاذ الامام محمد الغزالي الذي رشحني للعمل في العراق واصر في اختياري لهذا العمل الكبير -رضي الله عنه- وقصة هذا الامر بينه وبين الرجل الكريم الحاج عبد الوهاب محمود جاسم البنية حفظه الله".

الشيخ محمود غريب والعراق

بعد ترشيح الشيخ محمود غريب للعمل والدعوة في العراق ، يقول الشيخ رحمه الله : "يعلم الله اني رأيت العراق وجامع بنية - كما هو- في المنام وقال لي لماذا تخاف؟ انت هنا ستخدم 12 الف مسلم ، فسألته : هل يوجد في العراق مطاعم (فول مدمس وفلافل) قال لي : يوجد (كبّة) . عرضت الرؤيا على احد شيوخي فقال : فول وفلافل و12 الف مسلم سافر يا محمود ، فهي رحلة واسعة في الدعوة ضيقة في الدنيا ، ولكن اقسم بالله انها كانت دنيا ودين - والحمد لله-".

دخل الشيخ محمود غريب رحمه الله بغداد في 24-4-1974 وبعد شهر تقريبا وتحديدا في 29-5-1974 تم افتتاح جامع البنية في منطقة العلاوي ببغداد وكان هذا المسجد هو منطلق دعوة الشيخ محمود غريب في كل العراق ، فكان المسجد ينبض شبابا (من الذكور والاناث) .

وابتدأ الشيخ رحمه الله بدروس القران الكريم ، ويعلل الشيخ ذلك بقوله : " لان القرآن يجمع كل الطوئف في العراق" وقد افرد لذلك درس يوم الاثنين وكان يوما يضج بالشباب المتلهفين لسماع تفسير القران الكريم باللهجة المصرية .

اما درس الخميس فكان خاص بالنساء ، يذكره الشيخ رحمه الله بقوله : "سلام على تلميذات القران لقد بدأ بخمس من الاخوات ويوم خرجت كان جامع بنية وحده يسع الف امرأة".

وفي ملاطفة يذكرها الشيخ رحمه الله وفيها قوة تأثيره في النساء يقول رحمه الله : "لقد ارسل لي المرحوم الشيخ عبد الرحمن السنجري ان النساء في مسجده غلبن الرجال (بالموصل) فقلت له اكتب لافتة على مسجدك (للنساء فقط) ونحن نسميك بالامام النَسائي".

وكان رحمه الله يهتم كثيرا بهذا الجانب ويؤكد على :"ضرورة وجود النساء في المسجد ، فمن يربي اولادنا على العمل الاسلامي الحركي اذا لم تربيه امه المؤمنة الفاهمة لدينها".

الشيخ محمود غريب واحتلال العراق

الدمار الذي حل بالعراق جراء الاحتلال الامريكي له قد آلم الشيخ محمود غريب رحمه الله فقال في ذلك مبينا حجم الكارثة التي حلت : "امريكا تعرف من تصطاد وماذا تفعل بصيدها ، ان العراق رأس النعامة، ان النعامة تصل الى ستين كيلو من اللحم ، ورأسها نصف كيلو ، ولكن رأسها يتبصر العدو على بعد طويل ، فتحذّر الحيوانات ، فهي انذار مبكر ، فجاء الثعلب واشترى رأس النعامة من الكلاب ، أخذ رأس النعامة وترك لهم الجسد الكبير ينعمون به فاصبحت الغابة بدون (جهاز انذار)"

كلمات الى الشباب

كان يؤمن الشيخ محمود غريب رحمه الله ان الدعوة والعلم هما السبيل والطريق الصحيح لمن يتصدر الدعوة الى الله يقول رحمه الله : "كنت اؤمن ان الدعوة لا بد ان تكون على علم ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))"

وكان يرشد الشباب الى ان يجتهدوا في عمل المعروف وان يعملوا الخير ، يقول رحمه الله : "الله سبحانه امرنا ان نأمر بالمعروف ولم يبين لنا ما هو المعروف وان نعمل الخير ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولم يبين لنا الخير ، تركنا لنجتهد فالله يريد عقولا تعمل لتتسع الدعوة لكل ما يستجد من مشاكل الامم ذات الحضارات التي تدخل في الاسلام".

رحم الله الشيخ محمود غريب وأسكنه فسيح جناته من الانبياء والصديقين والشهداء ، ورزق أهله ومحبوه وطلابه الصبر والسلوان .