حوار مع الكاتب والصحفي يوسف يعلوج

ياسين سليماني

[email protected]

الأسئلة:

لا أخفي على قارئ اليوم الأدبي أنه من بين عشرات الحوارات التي سجّلتها شخصيا مع عدد كبير من القامات الثقافية في الوطن العربي، لم أحسّ-على أهمية التجارب الأخرى-بمثل ما أحسست به وأنا أجري هذا الحوار مع صديقي يوسف بعلوج، الصحفي في أكثر من وسيلة إعلامية جزائرية، مشاعر كثيرة تتضارب في نفسك وأنت تلتقي بهذا المبدع الجميل، ثقافة نادرا ما تجدها في كتّاب شباب، ووعي بالراهن، وقدرة على تحويل اليومي والبسيط إلى كتابة مدهشة، أصدر الكاتب مؤلفه الأول "على جبينها ثورة وكتاب" عن دار فيسيرا للنشر بالعاصمة حول الأحداث الكبرى التي شهدتها تونس الخضراء ، وهو الكتاب  الذي كان سببا مباشرا في إجراء هذا الحوار، خاصة مع حلول الذكرى الثانية على التحوّلات العميقة في البلد الشقيق.

1.    بعد عامين من اشتعال المنطقة بهذا الحراك السياسي في تونس خاصة، كيف تنظر كصحفي شاب، إلى ما يجري حاليا على الميدان، وهل نجحت الانتفاضات في اعتقادك في تحقيق مطالبها؟ وإذا قلنا أنها لم تنجح، فما الذي ينقصها لنقول أنها ناجحة بالشكل المطلوب؟

من الصعب إعطاء تقييمات في الفترة الحالية للحراك في بعض البلدان العربية، أي تقييم في الوقت الحالي بعيدا عن فكرة إسقاط أنظمة ديكتاتورية لن يكون في صالح الشعوب التي تحركت لتجد نفسها مطالبة بمواصلة الحراك من أجل ترسيخ مطالبها التي ثارت من أجلها. الأمر الذي ينقص الثورات هو المواصلة في رفع سقف المطالب تفاديا لأية انتكاسة وهذه النقطة تحديدا مرتبطة بعامل الوقت. تكفيك شجرة لصنع ملايين أعواد الثقاب ويكفيك عود ثقاب واحد لتحرق غابات بأكملها. وهذا الأمر ينطبق على البلدان العربية التي تعرضت لتخريب ممنهج من أنظمة ديكتاتورية على مدار عقود، وبالتالي ليس من العدل أن نتوقع نتائج آنية لحراك شعوبها.

2.    من خلال لقاءاتك مع مُحاوَريك وهم نخبة المجتمع التونسي من مثقفين وسياسيين، أيّ الآراء وجدتَ أنّ الواقع أثبتها اليوم بعد عامين من انطلاق الثورة؟

ليس هناك رأي واقعي وصائب وآخر خاطئ، الجميع ينظّر للوضع من منطلقات ذاتية تُجّمل خياراته، وبالتالي التوقعات بالنسبة لي على الأقل ليست أكثر من مجرد تمنيات إذا لم تصدر عن طرف محايد. كل من حاورتهم لديهم ميولات فكرية أو سياسية معينة، وقد حاولت أن أجمع طيفا منوعا حتى أضمن وجهات نظر مختلفة. النهضاويون توقعوا انتصارا للتيار الإسلامي، هذا لا يعني أنهم استندوا إلى استطلاعات رأي دقيقة، كانت لديهم طموحات اشتغلوا على تحقيقها وصدقت هذه الطموحات.

3.    ميزة كتابك الجميل "على جبينها ثورة وكتاب" أنه كان تأريخا للحظة مفصلية في التاريخ العربي المعاصر ما دام هذا الحراك الذي يشهده العالم العربي قد بدأ أولا في تونس، كيف كان الإعداد لهذا الكتاب وهل كان من البداية مشروع كتاب أم حوارات متفرقة جرى تجميعها ووصلها ببعضها البعض بما أنها تتحدث عن موضوع واحد كبير هو الثورة التونسية.؟

فكرة الكتاب جاءت بالتدريج، أذكر أنني كنت أحضر لمشاريع طبع متعلقة بالشعر والمسرح والرواية، ولم أكن أفكر في كتاب من هذا النوع، خاصة وأنني تخليت عن فكرة طبع كتاب الكتروني سابق هو تجميع لمقالات تشمل أنماطا مختلفة في الكتابة.

اشتغلت على الكتاب من منظور أدبي-صحفي، في البداية كان الروبورتاج المطول الذي كتبته عن رحلتي إلى تونس، وقد كتبته بما يشبه لغة أدب الرحلة. نشرت هذا الروبورتاج في الملحق الأدبي لجريدة اليوم في حلقتين. وانتهى الأمر بالنسبة لي حينها. لكني سافرت إلى تونس لاحقا في مغامرة لاكتشاف أجواء ما بعد الثورة، كانت رحلة سياحية استكشافية في المقام الأول، وإذا بها تتحول إلى رحلة صحفية بامتياز انتهت بالصيغة النهائية للكتاب.

4.    ميزة أخرى لاحظتها في كتابك وهي أنه "طهي على نار هادئة" إن صح التعبير، فأحسسنا أنك أعطيته وقتا كافيا لينضج ويخرج بالشكل المطلوب، هذا على خلاف عدد هائل من الكتب التي حاولت التأريخ للمرحلة نفسها لكنها سقطت في فخ الاستهلاكية والسرعة، فلم تكن ذات قيمة حقيقية حتى كأنها ساندويتش، كيف تتعامل مع أعمالك؟ وكيف توازن بين العمل الصحفي المضبوط بمواعيد وسرعة، وبين كتابة عمل يستحق القراءة ولا تظهر عليه أعراض العجلة والتسرع؟

ربما ما خدمني أنني لم أسع إلى تأليف كتاب عن الثورة. الفكرة لم تكن مطروحة أصلا لأن العمل كان موجها للنشر صحفيا. بالنسبة لي تشكلت نسبة كبيرة من مادة الكتاب خارج فكرة الطبع، أنا لم أمارس ضغطا على نفسي في فترة الكتابة، وربما سيفاجئك الأمر إن قلت لك أن مدير النشر السابق لدار فيسيرا عبد الرزاق بوكبة، ومعه الناشر توفيق ومان هما من ضغط علي من أجل تسليم المادة قبل فترة كافية من صالون الكتاب، وحيث أنني وجدت أن المادة المتوفرة لدي لم تكن كافية من الناحية الكمية للطبع، رفضت أن أسلمها قبل أن أقوم برحلة إضافية إلى تونس، وهذا ما حدث... العمل استمر لفترة قاربت العام. أنا شخص غير متسرع في مسألة الطبع... بالنسبة للعمل الصحفي، لم أكن مضغوطا حينها بدوام لأني كنت أشتغل بصيغة التعاقد والعمل لفترات مغلقة مما جعلني حرا في ضبط أموري، وهو الأمر الذي لم يصبح متاحا لي بعد فترة قليلة من طرحي للكتاب أين بدأت الاشتغال لوسائل إعلامية مكتوبة ومرئية بنظام الدوام الكامل، الأمر الذي أثر بشكل فظيع على مزاج الكاتب لدي.

أعود إلى الكتاب... بعد أن تقرر طبعه، أعدت الاشتغال على المادة التي سبق وأنجزتها في قالب صحفي في محاولة لإعطائها صلاحية زمنية أبعد من مجرد مادة تكون موجهة للاستهلاك الصحفي الآني، وهذا الأمر لم يكن سهلا.

5.    بدأت التدوين كما جاء في غلاف كتابك منذ عام 2006، هل لهذا دور في اختيارك للثورة التونسية لتكون موضوعا لهذا الكتاب؟ خاصة أنّ هذه الثورة ومثيلاتها مدينة لشباب المدونات في توحيد صفوفها وجمع كلمتهم تحت رايتها؟

أن تبدأ التدوين في فترة مخاض عسير واجهه عربيا، وأن تكون فكرتك عن التدوين تتلخص في كونه وسيلة فعلية لنقل آراء المواطن بعيدا عن الماكياج الإعلامي، أمران ساهما في تحديد خياراتي فيما بعد. بالنسبة لاختياري للثورة التونسية دون غيرها، فأسباب عديدة اجتمعت لتشكل هذا القرار "النسبي" على اعتبار أن فكرة الكتاب جاءت متأخرة. أهمها أن تونس كان لها فضل السبق، كذلك لا أستطيع الكذب على نفسي والإدعاء أني أعرف بقية البلدان دون أن أزورها.

6.    تهتم بالشعر أيضا، وشعر الومضة أكثر، رغم أنك برزت كصحفي أكثر، ما المساحة التي يشغلها الشعر في حياتك وتفكيرك؟

لا أدري... مساحة الشعر من طبيعة الشعر في حد ذاته، سريالية ولا تعترف بالحدود... لا أدري كم يشغل الشعر من حيز في حياتي وتفكيري، وكم يشغل من حياة الآخرين. الوضع ركيك ولا يسمح لك بأن تعيش الشعر. في نفس الركاكة والرداءة العامة هناك لحظات شعرية فارقة. أنا لا أعتبر نفسي شاعرا بالمعنى الكمي للشعر... اعتقادي الخاص أنني مشروع كاتب تورط في تجربة شعرية... حتى ما كتبته لا أدري ما إذا كان شعرا أم لا... هناك من وصفه بالشعر، وهناك من وصفني بعد كتابته بالشاعر. أنا مجموعة ورشات كتابة منفتحة على أنماط متعددة، كتبت ما يشبه المسرح، وما يشبه القصة، وما يشبه الشعر... ولدي مشروع يشبه الرواية... فكرة الشبه تحررني!

7.    ولمن تحب أن تقرأ في هذا المجال؟ وكقارئ عموما؟

سيدهشك قولي إني لم أعد أقرأ الشعر كثيرا... الرواية تستحوذ على نصيب وافر من قراءاتي واهتمامي... أصبح نصيب الشعر فيما أقتنيه من الكتب ضئيل بالمقارنة بالرواية... لا أدري ربما الجو العام لا يشجع كما سبق وقلت على تذوق الشعر... أفضل الإجابة على هذا السؤال في وقت لاحق. على العموم أنا أرافع للنص لا لكاتبه، هناك كُتاب عبثت بي نصوصهم، فلما حاولت أن أستزيد منها في مطبوعات أخرى صدمت ببشاعة تجاربهم الأخرى، لهذا لا يمكن أن أقول إنه لدي كاتب مفضل... لكن إن كنت مضطرا للإجابة فسأقول إنه لحد الساعة لم أتعثر بكتاب سيء لأنيس منصور. بابا أنيس هو الأفضل بالنسبة لي.

8.    لو سألتك عن أقرب المقاطع الشعرية القصيرة التي كتبتها، ماذا تختار؟

أنا الآن أضحك... تذكرت إجابة سمير قسيمي حينما سُئل عن رواياته وقال إنه يكرهها جميعها لدرجة أنه يشرع في كتابه الجديد كلما ينهي نصا روائيا... ليتني كنت أكره ما أكتب مثلما يفعل هو... النص المفضل لي هو نص لم أكتبه بعد عنوانه "حوحو يشكر روحو"!

9.    في حديث مقتضب معك قبل فترة قصيرة، قلت أنّ لديك العديد من المشاريع الإبداعية، هل يمكن أن تطلعنا عليها؟

نعم ...مشاريع... ربما بت أتحفظ على كلمة مشاريع... كلمة مشروع مبتذلة سياسيا واجتماعيا، وحاليا أصبحت مبتذلة أدبيا وثقافيا... ماذا يمكنني أن أقول: لدي مشاريع في المسرح أفسد تأخر المسرح الوطني لمدة عامين في إنتاج إحداها في برود رغبتي في إتمامها، لدي مشاريع في كتابة السيناريو لم أتممها لأنها تحتاج إلى وقت طويل وتفرغ. لدي "مُشيريعات" شعرية وروائية وقصصية... أنا مقاول "أدبي" بالمقاييس الجزائرية للمقاولات المتأخرة التي لا يلومها أحد على تأخرها.

10.                      أسألك الآن عن شخصك، عن يوسف الإنسان، كيف تقسم وقتك، فيمَ تمضي أهم ساعات يومك؟ ما هي هواياتك؟

أنا فاشل جدا في مسألة تقسيم الوقت، لا أتحدث عن التخطيط، بإمكاني أن أنجز مخططا لحياتي يوما بيوم، لكن التنفيذ مستحيل في جزائر "الروطار"... أمضي يومي كأي شاب في التسكع في حواري الفيسبوك، حينما يكون لدي عمل أشتغل بجد، وهذه النقطة بالذات "نقدر نشكر روحي فيها وضميري مرتاح"... عدا ذلك أقرأ حينما يتوفر المزاج والوقت اللازمين لقراءة متأنية... أحرص على لقاء أصدقائي، وأمارس النميمة الثقافية، يعجبني بعض الأصدقاء الذين لا يزالون محافظين على ماء الوجه، لقاء هؤلاء يؤكد لي أني لست نشازا في وسط ثقافي موبوء بالنفاق، لهذا أحرص على أن يكون خطابي المعلن هو نفس خطاب جلسات النميمة أصدق الجلسات الثقافية على الإطلاق، ويبقى الشيء الثابت في حياتي المتغيرة باستمرار هو ارتباط أذني بالسماعات، أنا أستمع للموسيقى في كل مكان، وهو أمر قد يزعج بعض أصدقائي خاصة في وسائل النقل... بعضهم لا يعرف أن دردشتي معهم في القطار أو الحافلة تسبب لي دوارا في الرأس، لهذا أنا لا أقرأ في وسائل النقل، ولو كنت أفعل لكنت أقرأ بمعدل كتاب في اليوم، أنظر الآن إلى حياتي وأتذكر كل الوقت الذي ضيعته في انتظار وسائل النقل والتنقل، وأقول: "ستكون حياتي رائعة حينما أمتلك سيارة" لكن متى وكيف؟ لا أدري لكن أظن أن هذا التاريخ سيسبق بعشرين سنة على الأقل تاريخ امتلاكي لبيت، بعد كل هذا الكلام لك أن تتخيل كيف هي حياتي.

11.                      كلمة أخيرة لقراء الصحيفة، رسالة شاب لعام 2013، سؤال كنت تتوقع أن أسأله ولم أفعل، فكرة سقطت من كلامي سهوا تريد أن تتداركها. 

لا أدري، أكره هذا السؤال تحديدا... كلمة أخيرة سؤال تطرحه عادة الجرائد الصفراء على فنانين من الدرجة السابعة كنوع من استجداء الشكر، لهذا ليس لدي شيء لأضيفه... ربما سأضيف شكرا لك... وشكرا للجريدة... شكرا للمطبعة التي تطبع الجريدة،  شكرا لموزع الجريدة... شكرا لقارئ الجريدة... الخ