النائبة عزة الجرف عضو الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور المصري

النائبة عزة الجرف

عضو الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور المصري

بدر محمد بدر

[email protected]

·    فقهاء القانون أقروا بأن الدستور الجديد من أفضل دساتير العالم

·        لأول مرة في تاريخ مصر تشارك المرأة في كتابة دستور بلدها

·        التناول الإعلامي للدستور في أغلبه كان مشوها ومضللا للمواطن

·        المرأة المصرية سوف تشارك في البرلمان القادم بنسبة عالية

خاضت السيدة عزة محمد الجرف (47 عاما) العمل العام في مرحلة مبكرة من حياتها، وتتلمذت على يد الداعية الكبيرة زينب الغزالي رحمها الله، ورشحها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بمصر، على قوائمه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2011) عن دائرة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، وفازت بالمقعد ضمن أربع نساء فقط للحزب على مستوى الجمهورية، وتم اختيارها من المجمع الانتخابي لأعضاء الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور، كعضو احتياطي ثم أصلي بعد ذلك، وشاركت في كل مراحل إعداد الدستور الجديد.

التقينا بعضو البرلمان العربي النائبة عزة الجرف وسألتها عن كيفية صناعة الدستور الجديد في مصر بعد الثورة، وما هو الدور الذي قامت به المرأة في ذلك، ولماذا تثير الجمعيات النسوية في مصر ضجة حول عدد من مواده، وهل تم تهميش حقوق المرأة كما يردد هؤلاء، وهل هناك ما يخالف الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد؟، وغيرها من الأسئلة، فكان هذا الحوار:

·        كيف تم اختيارك لعضوية الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور المصري، وهل هناك سيدات أخريات في الجمعية؟

ـ بداية أرحب بكم وبالسادة القراء والقارئات، وأقول إن الاستفتاء العام الذي وافق عليه الشعب المصري في مارس 2011 عقب الثورة مباشرة نص على تشكيل جمعية تأسيسية من مائة عضو أصلي و50 عضوا احتياطيا لكتابة مشروع الدستور، يتم اختيارهم بواسطة أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، وقامت هيئات وأحزاب ونقابات بترشيح من يمثلها في كتابة الدستور، واجتمع الأعضاء واختاروا من بين هؤلاء العدد المطلوب، وكانت هناك أكثر من سيدة من بين أعضاء التأسيسية، ومن أكثر من تيار سياسي.

 

من أفضل الدساتير

 

·        كيف تنظرين إلى الدستور المصري بشكل عام؟

ـ الدستور المصري الجديد دستور متوازن, وهو من أفضل دساتير العالم, وخصوصا في باب الحقوق والحريات, لأن أعضاء الجمعية التأسيسية كان أمامهم كل دساتير مصر السابقة, ودراسة مهمة لمعظم دساتير العالم, وبالتالي خرج هذا الدستور كأفضل ما يمكن.

وأقول إن فقهاء القانون الدستوري الموجودين في الجمعية التأسيسية أقروا بأن هذا الدستور يعد من أفضل دساتير العالم، وبالتالي هو خطوة وركيزة في البناء المؤسسي للدولة، في هذه المرحلة التي نعيشها, ورغم ذلك نستطيع أن نضيف إليه أو نحذف منه في المستقبل إذا كانت هناك مصلحة من المصالح أو مادة من المواد تحتاج إلى التعديل، لأنه في النهاية جهد بشري.

·        إلى أي مدي يحقق الدستور الجديد طموحات المصريين بعد الثورة؟

ـ أعتقد أن دستور مصر بعد الثورة يؤسس لحقوق وحريات كثيرة وغير مسبوقة, وعلى رأسها الحق في الكرامة الإنسانية، ليس فقط للمواطن المصري، ولكن أيضا لكل من يزور مصر من الأشقاء أو السياح أو غيرهم، هذه المادة وضعناها في صدر باب الحقوق والحريات، لأن كرامتنا الإنسانية كانت مستباحة في العهد البائد، ولهذا قلنا إن من أهم إنجازات ثورة 25 يناير هو الحفاظ على الكرامة الإنسانية للمواطن، وبالتالي وضعناه في الصدارة، حتى يحصل المواطن المصري على كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بكرامة إنسانية.

·        ما هي أهم المواد التي تحدثت عن حقوق ومسئولية المرأة؟

ـ هناك المادة (10) في باب المقومات الاساسية, هذه المادة تتحدث عن أهم دور للمرأة في المجتمع وهو تكوين وبناء الأسرة, وتتبنى الدولة رعاية الأسرة المصرية الأصيلة، بالنكهة الوطنية والقيم الإنسانية الموجودة بداخلها، وهذه الأسرة الناتجة عن زواج شرعي موثق بين رجل وامرأة، قوامها الدين والأخلاق والوطنية.

وهناك مادة تتحدث عن دور الدولة ومسئوليتها في تحقيق خدمات الأمومة والطفولة للأم بالمجان، ودعم دور الأم داخل المجتمع, ومادة أخرى تتحدث عن المرأة العاملة، وكيفية التوازن بين بيتها وبين عملها العام، ثم لأول مرة يتحدث الدستور عن مسئولية الدولة عن المرأة المُعيلة والأرملة والمطلقة, وبالتالي كانت المرأة حاضرة بالفعل في كل مواد الدستور، ولا يمكن حصرها في مادة أو مادتين.

أين حقوق المرأة؟

 

·        لماذا هذه الضجة التى تقودها بعض الجمعيات النسوية عن إهدار حقوق المرأة في الدستور؟

ـ أولا هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها المرأة في كتابة الدستور في تاريخ مصر، ولأول مرة أيضا يكون عندنا دستور يشارك الشعب كله بكل أطيافه في كتابته، والمواد التي تم الاتفاق عليها وإقرارها هي نتيجة وخلاصة من آراء ومقترحات الشعب المصري كله، ومنهم نساء وشبات ورجال، وجمعيات ونقابات ومراكز أبحاث كثيرة، من خلال لجان الاستماع التي أقامتها الجمعية التأسيسية.

·        بعض وسائل الإعلام، وليس الجمعيات النسوية فقط، أكدت أن الدستور تجاهل حقوق المرأة، فما مدى صحة ذلك؟

ـ هذا للأسف عكس الحقيقة تماما، ونحن رأينا وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة تساهم بقوة في تضليل المواطن، واستضافت هذه الوسائل أشخاصا تحدثوا عن مواد غير موجودة أصلا في الدستور, وفي النهاية أصبح الدستور في يد الجميع، والمرأة حاضرة بوضوح في كل بنوده.

صحيح كانت هناك بعض الجمعيات النسائية، وبعض الناشطات من العلمانيات، كن يطالبن بالإلتزام بنصوص المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولكن نحن كمجتمع مصري مسلم لا نقبل بأية اتفاقيات تتعارض مع الشريعة الإسلامية، كما تقول المادة (2) من الدستور الجديد، ومن حق المواطن المصري أن يحتكم إلى شريعته الغراء في أموره الخاصة والعامة.

وأقول إن هذا الدستور يعد من أفضل دساتير مصر فيما يتعلق بحقوق كل مواطن مصري، سواء كان رجلا او امرأة، وسواء كان مسلما أو مسيحيا.

·        ما هي أوجه تميز هذا الدستور من وجهة نظرك؟

ـ لأول مرة يكون عندنا في الدستور مادة خاصة للمسيحيين، لم تكن موجودة من قبل، وهي المادة رقم (3)، ولأول مرة ينص الدستور على حرية تداول المعلومات والبيانات، وينص على حق المواطن في السكن المناسب، وكذلك حق معاش الضمان الاجتماعي لغير العاملين في الحكومة والقطاع الخاص، وهم الفلاحون وعمال اليومية, ولأول مرة يكون عندنا التوظيف الحكومي على أساس الكفاءة والجدارة، ومن يخالف ذلك يعاقب بالقانون، وبالفعل الدستور الجديد وثيقة محترمة، تليق بالمواطن المصري بعد ثورة 25 يناير.

 

المشروع الغربي

 

·        ما هدف الجمعيات النسوية من رفض النص على جملة: "بما لا يخالف الشريعة الاسلامية"؟

ـ الجمعيات النسوية ترى أن فقرة "بما لا يخالف أحكام الشريعة الاسلامية هذه تمثل إعاقة لمشروعهم الغربي، الذي تريد الأمم المتحدة تطبيقه في بلادنا, رغم أن نص هذه المادة كان موجودا في كل دساتير مصر السابقة!, وهذه المادة كانت مطروحة منذ بداية عمل اللجنة حتى قبل النهاية, وكانت تتحدث عن أن "تلتزم الدولة بترسيخ مبادىء المساواة بين المرأة والرجل في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما لا يخالف الشريعة الإسلامية"،وتم إلغاء المادة كلها.

وأعتقد أن التخوف الموجود كان زائفا ومصنوعا، والتناول الإعلامي للدستور في أغلبه كان مشوها ومضللا للمواطن, وبالرغم من هذا أرى أن المواطن المصري بعد الثورة، الذي نزل وبحث عن الدستور وقرأه واستمع للجمعية التأسيسية وهي تصوت عليه مادة.. مادة، والذي أتى إلى الجمعية ليقدم إلينا كل ما يراه من مقترحات, قال كلمته في النهاية، وعلى الجميع الالتزام برأي الشعب.

·        ما هي المادة التي تمنيت وجودها في الدستور؟

ـ كنت أتمنى إقرار المادة التي تتحدث عن المرأة، لكن مع الأسف رفضها التيار العلماني، ونصها "تلتزم الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية"، وكانت إضافة كبيرة، لكننا ركزنا جهودنا على مادة أخرى مهمة، وهي تتناول المرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة بالحماية والعناية الخاصة من الدولة.

·        لماذا كل هذا الاختلاف إذن حول الدستور الجديد؟

ـ إذا كان القرآن الكريم نفسه، وهو المنزل من عند الله سبحانه وتعالى، وهو الدستور الإلهي المقدس، لم يجتمع عليه كل الناس، فمن الطبيعي أن يختلف الناس على الدستور الجديد وهو منتج بشري، ومن الإنصاف أن أشير إلى أن كل المقترحات التى وصلت للجمعية التأسيسية استفدنا منها، وباب الحقوق والحريات الذي يقال إنه قلب الدستور، تمت كتابته وتحديثه أكثر من 6 مرات, وبالتالي أستطيع القول بأن الدستور الصادر هو أفضل ما رأيناه الآن.

وفيما بعد يمكن، في أي مرحلة من المراحل، أن نغير أو نعدل أو نضيف كمصريين, فمصر عملت دساتير عدة منذ عام 1923حتى 1971, فما المانع من أن يكون الدستور الجديد هو حلقة من حلقات الاستقرار، لأنه سيكون بعده مجلس الشعب، وبالتالي نخرج من حالة السيولة والمرحلة الانتقالية بكل ما فيها من قلق، إلى حالة من الاستقرار لبناء مؤسسات الدولة، حتى يكتمل البناء ونستطيع أن نرى الحقوق والحريات والواجبات على الأرض، لأنها سوف تظل مجرد كلام على الورق، ما لم يكن هناك مجلس شعب يحيل ذلك إلى قوانين تطبق.

·        إلى أي مدى وافق الدستور الجديد على المواثيق والاتفاقيات الدولية في مجال المرأة والطفل؟

ـ أحب أن أؤكد أن الجمعية التأسيسية أعدت دستورا للمواطن المصري، وكل حق من الحقوق، وكل اتفاقية تتفق مع منظومة القيم والأخلاق ومبادىء الشريعة الإسلامية أهلا وسهلا بها, لكن كل ما يتعارض مع شريعتنا وقيمنا وأخلاقنا فنحن غير ملتزمين به.

تجربة المرأة في البرلمان

 

·        تجربة المرأة في الفترة القصيرة التى كنت فيها عضوا بمجلس الشعب الأخير, هل كانت كافية كي يتم دراستها؟

ـ أعتقد أن تجربة مشاركة المرأة المصرية في العمل السياسي بعد ثورة 25 يناير، سواء في انتخابات مجلس الشعب أو الشورى أو إصرارها على الإدلاء بصوتها بكثافة، أعتقد أنها تجربة ثرية، أعطت المرأة المصرية خبرة جيدة, فنحن لم نمارس الديمقراطية حقا في العهود السابقة, وبالتالي وجدت المرأة الفرصة لكي تخطو خطوات واسعة إلى الأمام في العمل السياسي والمجتمعي نتيجة لمناخ الحرية الموجود الآن، ولم يكن موجودا من قبل, ورغم أنها تجربة وليدة لكنها في تقديري قوية، أتت بثمار طيبة للمجتمع المصري.

وأعتقد أن المرأة سوف تشارك في البرلمان القادم بنسبة عالية، لأن حركتها في الشارع وفي الأعمال الجماهيرية أصبحت دائبة، وفي الاستفتاء الأخير الذي أقر الدستور الجديد كانت لجان النساء تتميز بوجود أعداد كبيرة، وحماسة عالية وصبر وجلد من المشاركات، وهذا دليل وعي ويقظة من المجتمع عموما والمرأة خصوصا.

·        هل يشهد البرلمان المقبل زيادة في أعداد النساء المترشحات، لدى التيارات السياسية عموما وحزب الحرية والعدالة خصوصا؟

ـ طبعا أتوقع ذلك، ليس فقط في حزب الحرية والعدالة، بل أيضا في الأحزاب السياسية الأخرى, وسوف تحرص كل الأحزاب على وجود المرأة في أماكن متقدمة في القائمة، وهذا بالتالي سوف يوفر للمرأة ثلاثة أشياء:

أولا: سوف يعطيها مقاعد أكثر في البرلمان القادم، زيادة عن حصتها في البرلمانات السابقة كلها.

ثانيا: سوف يعطيها حضورا أكثر في الشارع، لأنها أثبتت في مرحلة ما بعد الثورة وحتى الاستفتاء على الدستور الجديد، سواء بمشاركتها داخل الجمعية التأسيسية، أو مشاركتها بكثافة وإصرارها على أن تكون موجودة في الانتخابات والاستفتاء، وهو ما منحها خبرات أوسع، وبالتالي أرى أن القادم أفضل للمرأة.

·        هل تعتقدين أن ثقافة قبول مشاركة المرأة في العمل العام تحسنت في مصر بعد الثورة، أم مازالت كما هي؟

ـ من خلال حركتي ومشاركتي في العمل العام أعتقد أن المجتمع المصري تطور تطورا رائعا بعد الثورة في هذا الجانب, وأصبحت الثقافة السياسية تتميز بدرجة عالية جدا من الوعي، وكان هذا واضحا في المؤتمرات العامة والمؤتمرات النسائية، من خلال الاسئلة والمناقشات والمجادلات التي كنت أتلقاها بحفاوة وتجاوب من الجمهور العام، وأصبح لدى الغالبية القدرة على الفرز، بين الصادق وغير الصادق والحقيقي والمزيف.

ولولا هذا الوعي ما كنا شهدنا نتيجة الموافقة على الدستور، برغم الضغط الإعلامي على رجل الشارع البسيط، وفي انتخابات مجلسي الشعب والشورى قام هذا المواطن البسيط بعمل عزل، بدون قانون عزل، لفلول ورموز الحزب الوطني السابق, وفي الفترة القادمة سوف نشهد بإذن الله بلورة لكل هذا بصورة واضحة.

85 مليون محلل سياسي!

·        الشعب المصري الآن يتجادل ويتناقش، وكأن هناك 85 مليون خبير ومحلل سياسي! هل تعتقدين أن هذا مدعاة للقلق في المستقبل؟

ـ أعتقد أن هذا أمرا طبيعيا بعد مرحلة لم يكن أحد يستطيع فيها أن يعبر بحرية عما يريد, دون أن يتعرض لأذى أمني أو سياسي، وفجأة أصبح لدينا بعد ثورة يناير المناخ الواسع من الحرية والديمقراطية, وأصبح الناس يتحدثون ويحللون ويقترحون ويرفضون، وهذا في رأيي ظاهرة صحية، وسوف يأتي علينا وقت نهدأ فيه، ويستمع بعضنا للبعض الآخر، ونتواصل ونتحاور ونتجادل حول قضايا ومصلحة البلد.

وكل هذا الحراك المجتمعي أراه طبيعيا، وسوف يأتي عاجلا وقت العمل والعطاء والإنتاج، وهي مرحلة بداية انطلاق الجمهورية الثانية الحقيقية، ونأمل فيها أن نرفع معدلات الإنتاج ونبذل المزيد من الجهد والعمل، وتحضرني مقولة رائعة لفضيلة العالم الجليل الشيخ متولي الشعراوي، يقول فيها: "الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الباطل، ثم يهدأ قليلا ليبني النهضة"، نريد أن تترسخ الحرية والمسئولية عند كل أبناء الشعب المصري، والقادم أفضل بإذن الله.

·        هل لديك كلمة أخيرة؟

ـ أحيي كل المصريين الشرفاء، الذين قالوا "نعم" والذين قالوا "لا" في الاستفتاء على الدستور, فمن قال "نعم" قالها لمصلحة البلد من وجهة نظره، ومن قال "لا" يرى مصلحة البلد في "لا", وفي النهاية مادامت إرادة الشعب جاءت بأغلبية "نعم"، فلابد أن نعمل معا، ونتوافق على مصلحة الوطن, وأقول للأشقاء العرب عموما، إن الشعب المصري محب لكل الشعوب العربية والإسلامية، ومحب للخير لكل شعوب الدنيا، ومصر الجديدة .. مصر الحرة القوية سوف تكون دائما إضافة مهمة لصالح قوة وتقدم وأمن العرب والمسلمين جميعا.