مع الدكتور عدلي الهواري ناشر ومحرر مجلة عود الند الثقافية

مع الدكتور عدلي الهواري

ناشر ومحرر مجلة عود الند الثقافية

أشواق مليباري/ السعودية

د. عدلي الهواري ناشر مجلة "عود الند" الثقافية الشهرية، التي بدأت الصدور في حزيران/يونيو 2006(oudnad.net)، وحصلت على رقم تصنيف دولي (ISSN 1756-4212) من المكتبة البريطانية عام 2007. حصل على الدكتوراه من جامعة وستمنستر في عام 2012 ، وموضوع رسالته يدور حول توافق الديمقراطية مع الإسلام. ومارس التدريس في جامعته كمحاضر زائر. قبل التفرغ للدراسة و"عود الند" عمل في الإعلام، وهو يعيش في لندن منذ أواسط الثمانينيات. الكاتبة أشواق مليباري/ السعودية، (بتنسيق مع كاتبات وكتاب في المجلة)، وجهت إليه مجموعة من الأسئلة (حول قضايا تشغلهم يودون التعرف عليها بشكل أفضل).

س: كيف واءمت بين التحضير لأعداد المجلة ودراستك؟

ج: أصدرت "عود الند" بعد التحرر من العمل الوظيفي في الإعلام. وجاء إصدارها أثناء فترة انتظار الالتحاق بجامعة لكي أحصل على درجة الدكتوراه. التحقت بجامعة وستمنستر في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2006، إي بعد أربعة شهور من صدور "عود الند". التوفيق بين الدراسة وإصدار المجلة كان صعبا جدا، واضطررت بعد ثلاث سنوات من الصدور المنتظم إلى وقف الصدور، ولكن التوقف كان لفترة قصيرة. وعادت "عود الند" للصدور المنتظم نتيجة وجود محبين لها لم يقبلوا قرار توقفها، وعندما استأنفت إصدارها وازنت بشكل أفضل بين إصدار "عود الند" وإكمال بحثي الأكاديمي.

س: رسالة الدكتوراه التي قدمتها كانت حول الديمقراطية والإسلام. ما هي الدراسات التي سبقت هذه الرسالة وكان لها الأثر في توجهاتك؟ ولماذا بالتحديد الديمقراطية والإسلام؟

ج: لم تكن لي دراسات سابقة في موضوع بحثي، بل معايشة من خلال كوني ابن الثقافة العربية الإسلامية، ومتابعة من خلال عملي في الإعلام. موضوع الإسلام والديموقراطية كان وقت اختياره موضوع الساعة (ولا يزال). عند تقديم طلب الدراسة في جامعة وستمنستر في لندن اقترحت أن اجري بحثا عن توافق الديموقراطية مع الإسلام، وقبل طلبي على هذا الأساس.

س: يرى البعض أن الديمقراطية ضرب من المستحيل والحديث عنها لن يجدي مادامت الدول التي تدّعي الديمقراطية لا تمارسها. أو هي كما قيل: أذنُ الجرَّة في يدِ "الفاخوري" أو صانع الخزف يضعها حيثما شاء؟ فلنفتش عن مصطلح آخر أكثر تحديدا وله قابلية التطبيق، فما رأيك؟

ج: الديموقراطية ليست حلا سحريا، واعتبار تطبيقها أمرا مستحيلا وجهة نظر صحيحة إذا نظرنا إليها بالمعنى الحرفي، وهو أن يحكم الشعب كله نفسه بنفسه.وفقا للتطبيق الشائع للديموقراطية في العصر الحديث، الشعب ينتخب من يدير شؤون الحكم. لا أحد يملك الديموقراطية. هي فكرة وتطبق في تفاصيلها بشكل مختلف من بلد لآخر، ولكن الجوهر واحد، أي أن الشعب ينتخب الذين يديرون شؤونه، ويحاسبهم من خلال مؤسسات تمثله، وانتخابات دورية. المسألة ليست مسألة مصطلح. المهم هو كيف يمارس الحكم.

س: في ظل التطورات الحاصلة على الساحة السياسية، لا يجوز للمثقف أن يقف على الحياد فيتجنب الكتابة وإبداء الرأي في القضايا السياسة. بينما تطرقت إلى بعض الموضوعات السياسية في بعض الافتتاحيات سابقا، واعتذرت عن نشر مثل هذه المقالات، ألا يكون ذلك منافيا للديمقراطية وحرية التعبير التي تحدثت عنها؟

ج: هناك خلط لعدة أمور في هذا السؤال. "عود الند" ليست مجلة معقمة، وهي تعي ما يدور من أحداث سياسية وغيرها. ويتم من حين لآخر التطرق إلى حدث سياسي مهم في الافتتاحية وغيرها.هذا لا يغير من طبيعة المجلة، فهي في المقام الأول مجلة ثقافية تتفادى الخوض في المواضيع السياسية والدينية لكثرة المنابر المهتمة بهذين الأمرين، وحتى لا تتحول إلى منبر للشتائم، ومن يتابع المجلات والمواقع التي تهتم أولا بالأمور السياسية يعرف جيدا ما أقصد. هناك مقالات سياسية وغير سياسية اعتذر لمن يرسلها عن عدم المقدرة على نشرها. حرية الرأي والتعبير ليست مطلقة، وإلا لما جاز لأحد الاعتراض على أفلام أو صور أو مقالات مسيئة أو عنصرية أو تحريضية. "عود الند" لا تصدر في فراغ قانوني، بل تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عما تنشر، ولذا قرار عدم النشر يوازن بين مجموعة من الأمور، ويتخذ القرار على هذا الأساس.

س: ما مدى تدخلك كمحرر في النصوص التي ترد المجلة؟ وما هي حدود هذا التدخل؟ وهل يشعر الكاتب بأثر التعديلات على نصه وفكرته؟

ج: لا أتدخل في النص إلا إذا كنت مقتنعا بأني سأخدم النص، أو سأحمي المجلة. إذا توفر الوقت أتيح الفرصة للكاتب/ة للقيام بالتعديل. إذا تدخلت في نص فإني أحرص على عدم فرض أسلوبي أو وجهة نظري، بل أحافظ على أكبر عدد ممكن من كلمات الكاتب/ة وأحرص على روح ما كتب. استطيع القول بثقة إن كل النصوص التي تأتي لـ "عود الند" تخرج بصورة أبهى من التي أتت بها.

س: من سياسات النشر في "عود الند" عدم نشر مقال منشور سابقا، وعدم نشره لاحقا دون الإشارة إلى المجلة، بعض الكتاب يرون ذلك احتكاراً، فما رأيك؟

ج: عندما أختار النشر في مجلة أو صحيفة فهذا يعني موافقتي على شروط النشر فيها. التجربة تدل على أن الكثيرين يرسلون مادة للنشر دون اطلاع على سياسة النشر، أو يسعون إلى حملي على تعديلها لتناسبهم. وثانيا، مكان النشر له حقوق مادية ومعنوية وقانونية. عندما ينشر كاتب كتابا يوقع عقدا مع دار النشر، وعادة يدفع الكاتب لدار النشر مقابل نشر الكتاب، وتعطيه دار النشر نسبة فقط من المبيعات، ويقبل الكاتب/ة بذلك. للناشر حقوق وعليه تكاليف أيضا. ينسى كثير من الكاتبات والكتاب ذلك. هناك أيضا مسألة الأمانة العلمية، فمثلما نوثق ما ننقل من كتاب ما عندما نقتطف منه، يجب أن نشير إلى مكان النشر الأصلي عندما تتم إعادة نشر. ليس في الأمر احتكار، بل تطبيق لمبادئ متعارف عليها في عالم النشر والصحافة والكتابة والمجال الأكاديمي. هذه الطريقة تحقق التميز، وتحافظ على الجودة، وتعطي كل ذي حق حقه.

س: ما سر الامتناع عن نشر الشعر؟ ألا يكون السبب عدم هواك في الشعر؟

ج: عدم نشر الشعر لا علاقة لها بحبي أو كرهي له. عندما قررت إصدار "عود الند" التزمت بمراجعة النصوص وتنقيحها قبل نشرها. لا استطيع فعل ذلك مع الشعر. ثانيا، هناك الكثير من النصوص التي يطلق عليها وصف شعر، وهي "صف كلام" في كثير من الأحيان. هناك مجلات مختصة بالشعر فهل نقول إنها لا تهوى النثر؟ هناك دور نشر لا تنشر الشعر وأخرى تنشره. الاعتبارات في الحالتين لا علاقة لها بما يهواه الناشر.

س: أنت تحترم عقل المرأة، فما تقول في عواطفها؟

ج: أنا أحترم عقل المرأة والرجل على حد سواء. ليس لدي ما أقوله عن عواطف المرأة، فهذا السؤال أكبر من أن يجيب عليه أي رجل، ومن الخطأ اعتبار أن كل النساء يفكرن بشكل متطابق، وأن عواطفهن متطابقة.

س: في خضم ثورة النشر الإلكتروني، ما هو الدور الافتراضي التنويري الذي تتمنى أن تقوم به "عود الند"؟

ج: "عود الند" مجرد شمعة واحدة لا تستطيع وحدها أن تبدد الظلام، بل تنير ضمن دائرة معينة حولها. غايتي كانت ولا تزال المساعدة على الكتابة بصورة سليمة، وتوفير منبر راق للنشر دون معرفة مسبقة أو طمعا في مصلحة. هذا الدور بدأ عام 2006 ولا يزال مستمرا.

س: هل حققت "عود الند" أهدافها خلال الفترة الماضية خاصة فيما يتعلق بجيل الكتاب الشباب؟

ج: استهدفت الشباب والشابات عندما قررت إصدار "عود الند"، ولكن الشعار الذي كنت أضعه في ترويسة المجلة كان يقول: "للشباب والشابات من مختلف الأعمار". لم أتعامل مع الناس على أساس العمر. التفكير في الشباب والشابات كجمهور تستهدفه المجلة راجع إلى ملاحظة الضعف في الكتابة السليمة في أوساطهم، وهذا كان واضحا ومقلقا عند بدء ظهور الإنترنت وانتشار تأسيس المواقع الشخصية والمدونات والمنتديات.

س: ما هي رؤيتك للوضع الثقافي العام، وذلك من خلال الوضع التفاعلي على صفحات المجلة؟

ج: من الصعب أن أقيم وضعا عاما للثقافة، أما بالنسبة للتفاعل على صفحات "عود الند"، فقد أشرت إلى ذلك في تقرير كتبته في ختام ست سنوات من صدورها. القصص والخواطر يتم التفاعل معها بكتابة تعليق أكثر من المادة البحثية، ولكن الأخيرة تحقق عددا أكبر من الزيارات على المدى الطويل.

س: هل مؤشر عدد الزيارات التي قام بها القراء يصل إلى الحد الذي يجعلها ناجحة ثقافيا؟

ج: أشرت في الآونة الأخيرة إلى عدد الزيارات لسببين، أحدهما اطلاع كاتبات وكتاب المجلة على معلومات قد تكون مشجعة لهم. أيضا نشرت المعلومات عن الزيارات على أمل أن تكون مفيدة للباحثين في شؤون النشر الثقافي الإلكتروني. مقاييس النجاح مسألة نسبية، والمقياس المفضل قد يختلف من شخص لآخر. من مقاييس النجاح المهمة في نظري استمرار الصدور المنتظم، وجذب كاتبات وكتاب جدد دائما دون التضحية بمعايير الجودة أو سياسة النشر. وهناك زيادة في عدد الزيارات لموقع المجلة، معظمها يتم بعد عملية بحث في الإنترنت.

س:هناك اقتراح من أحد الكتاب يقضي بقيام إدارة التحرير بجرد وإحصاء المواد والمقالات المنشورة في المجالات المتعددة، أسوة بما تفعله بعض الدوريات العربية الأخرى كمجلة "العربي" على سبيل المثال.

ج: هناك الكثير من الأفكار النيرة، ولكنها بحاجة لمن يطبقها. برنامج إدارة المحتوى المستخدم في "عود الند" منذ حزيران/يونيو 2011 يحسب عدد الموضوعات وعدد التعليقات، ويعرضها بطرق مختلفة عند فتح صفحة موضوع ما، كعرض مواضيع الكاتب/ة وموضوعات أخرى ذات صلة. منذ حزيران/ يونيو 20111، وحتى وقت الرد على هذه الأسئلة، نشر في "عود الند" 434 مادة و1847 تعليقا، وشارك في المجلة حوالي مئة وأربعين شخصا، هم الكاتبات والكتاب، والفنانات والفنانون التشكيليون، والأشخاص الذي أجريت معهم مقابلات. تصنيف كل ما نشر يحتاج إلى طاقم غير متوفر. يمكن استخدام خاصية البحث في المجلة للتنقيب عما هو منشور في أعدادها.

س: هناك اقتراح آخر بالسعي لإصدار نسخة ورقية عن المجلة مع الاحتفاظ بالنسخة الإلكترونية بالطبع.

ج: إصدار نسخة ورقية أمر لم يغب عن بالي يوما، ولكن النشر الورقي مكلف جدا، وسوف يعاني من المشكلات المعروفة عن النشر الورقي من توزيع ورقابة وخلافه. استمرار الصدور بصيغة إلكترونية هو الأمر الأفضل حاليا، والأجهزة الإلكترونية الصغيرة المحمولة أصبحت شائعة. مجلة "نيوزويك" الأميركية ستتوقف قريبا عن الصدور ورقيا، وهي ليست الأولى ولا الأخيرة. لذا إصدار نسخة ورقية مشروع مكلف، والتكنولوجيا تقلل من جدواه كمشروع.

س: ماذا تقدم من نصح للأقلام المبتدئة في "عود الند"؟ وهل هناك أساليب معينة يمكن اتباعها لتحفيز الكتاب معنويا؟

ج: أنصح المبتدئ أولا بأن يهتم باللغة العربية ويتقن قواعدها وإملائها. وانصح المبتدئ والمحترف بإتقان أحكام الطباعة واستخدام علامات الترقيم استخداما صحيحا، ومراجعة ما يكتب مرات وليس مرة، ويستحسن عرض ما يكتب على شخص آخر لإعطاء رأي فيه والإشارة إلى ما هو غامض أو يمكن التعبير عنه بشكل أفضل. مفتاح الكتابة الجيدة هو إعادة الكتابة، وليس الكتابة والنشر فورا. "عود الند" تشجع المبتدئين بأكثر من طريقة، منها مراجعة النص وتنقيحه عندما يكون بحاجة إلى ذلك، والكثير من المبتدئين والمحترفين نشروا مادتهم الأولى في "عود الند" دون الحاجة إلى الانتظار طويلا، ودون معرفة شخصية أو واسطة. لا نقسو على المبتدئين لأن الغاية تشجيعهم لا إحباطهم. ولكن عليهم أيضا العمل على تطوير الذات. نص المبتدئ قد يستهلك وقتا أكبر لتجهيزه للنشر من المادة التي يرسلها المتمكن. هذا تشجيع لا يستهان به.

س: ماذا حول مستقبل "عود الند" والمشاريع المتوقع تنفيذها للارتقاء بالمجلة شكلاً ومضموناً؟

ج: طالما ظلت "عود الند" محكومة بمواردها القليلة فهي لا تستطيع القيام بمشاريع كبرى. "عود الند" جميلة شكلا ومضمونا في وضعها الحالي، ولكني دائما أرحب بالأفكار والمقترحات، وكل تطوير ممكن أقدم عليه. ابتداء من العدد 77، بدأنا تنفيذ فكرة الاشتراك السنوي، وهي دليل على ثقة "عود الند" بجودتها، وتتيح الفرصة لمؤازرة المجلة.