مقابلة مع الشاعر أحمد محمد الصديق

مقابلة مع الشاعر أحمد محمد الصديق

كيف تكون شاعراً؟

حاوره: حسن علي دبا

في شفا عمرو بفلسطين كان المولد، وعبر حدودها ولبنان كان الرحيل إبان النكبة ليمكث خلف القضبان هنيهة ثم يسيح في أرض الله.. على ضفاف الخليج وفي الدوحة نصب الخيمة، وبدأ الدرس، وإلى السودان شد رحاله يكمل درسه لشريعة دينه، ونصف الدين!

علم في سماء الأدب العربي، ورائد في الأدب الإسلامي: أحمد محمد الصديق دينه وطنه الهم الجاثم فوق الكلمات الشعرية يفرد بالتصوير الفني أشعاراً جمة تنعي بعد الأهل عن الإسلام وتبكي ضلالة شعبه، ويزرف دمعاً وتسيل دموع لفراق الأرض الحبلى بالأحلام الوردية، وما بعد فراق الوطن يحل شتات الموطن فالخيمة سوداء حزينة.

وهنا.. هنا في الخيمة السوداء.. خيمتنا الحزينة.

طرحت على الأسمال أكباد ممزقة طعينة وتكومت في كل زاوية كآلام دفينه

أوصال إخوتي الصغار

يتضورون من الطوى.. يتقلبون على انتظار

والليل يعصف

يستبد

ولا يقر له قرار!

المجتمع التقيته أتعرف تأليف القصيدة عنده كيف يكون الإبداع، الوزن القافية، التجربة الشعورية هل هي أدوات الصنعة عند الشاعر هل تكفي لولادته؟

- قال الشاعر أحمد محمد الصديق:

يوحي أبو هلال العسكري في كتابه "الصناعتين" من أراد أن يعمل شعراً فيقول له: إذا أردت أن تعمل شعراً فأحضر المعاني التي تريد نظمها إلى فكرك وأحضرها إلى قلبك واطلب لها وزناً يأتي فيه إيرادها وقافية يحتملها فمن المعاني ما تتمكن من نظمه في قافية ولا تتمكن منه في أخرى أو تكون هذه أقرب طريقة وأيسر كلفة منه في تلك.. ثم يقول فإذا عملت قصيدة فهذبها ونقحها بإلغاء ما غثى من أبياتها ورث ورذل، والاقتصار على ما حسن وفهم بإبدال حرف منها بآخر أجود منه حتى تستوي أجزاؤها وتتضارع موازينها وإعدادها.

وبهذه النصائح في تأليف القصيدة يصيب الناقد كبد الحقيقة، حيث أن الإنسان تعرض له موضوعات شتى، فإن كان الموضوع موضوع جد، فيه تعبئة لمواجهة شيء من التحديات فإنه يحتاج إلى وزن قوي وإلى كلمات ذات تأثير وإلى جو عام يتخلل القصيدة ويتناسب مع الهدف ومع الغاية التي يريدها ويسعى إليها الشاعر في تعبئة وإثارة الشعور والانفعال والوصول بالمستمع إلى الهدف الذي يريده الشاعر حتى يضع القارئ أو المستمع على الطريق الذي يرسمه الشاعر له، فإذا نجح الشاعر في هذا يكون الشعر قد أدى رسالته، وإذا لم يستطع يكون هناك خلل، هذا الخلل إما أن يكون في مقدار انفعال الشاعر بالموضوع أو في التجربة الشعورية يكون فيها نقص أو يكون الوزن أو القافية غير متناسبة مع الموضوع أو يكون انتقاؤه للكلمات غير موفق وليست لها الظلال والإيحاءات المطلوبة.

أو يتناول الموضوع والمعاني بطريقة مباشرة تكاد القصيدة تخلو من التصوير والتعبير الفني الجميل فهذه كلها تضعف من مستوى القصيدة العام، ولا تؤدي دورها أو الغرض منها.

هل يمكن لشاعرنا أن يوضح للناشئين من الشعراء ومحبي الشعر كيف يكون الشعر أو الأدب تعبيراً جميلاً؟

الصديق: سوف أضرب لكم مثلاً: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الإنسان خلق حاجاته إلى الغذاء المادي، فهو يحتاج إلى مواد كثيرة إلى النشويات والدهنيات وإلى مادة الحديد والفيتامينات وإلى مواد كثيرة.. وكان في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه المواد مبعثرة في الطبيعة متناثرة هنا وهناك، ويقول للإنسان تناول حاجتك منها كما شئت، ولكن الله سبحانه وتعالى وهو المدبر الحكيم والخالق العظيم الجميل الذي يحب الجمال خلق فاكهة طيبة ذات رائحة وطعم وله وشكل مقبول يغري الإنسان بتناوله ويتلذذ في طعمه ويحدد فيه المذاق المستساغ الطيب، فهي إذن تعبير جميل من الله سبحانه وتعالى عن حاجة الإنسان إلى هذه المواد الغذائية التي لا يستغنى عنها.

فالأدب تعبير جميل عن فكرة ما عن تجربة شعورية، فلابد أن يكون القالب الذي تعرض به الفكرة أو تعرض فيه هذه التجربة الشعورية قالباً أدبياً جميلاً تنتقي فيه الألفاظ التي لها ظلال، ولها إيماءات وينتقي الوزن المناسب والقافية المناسبة للمعنى المراد.

المجتمع: كيف يمكن للقصيدة أن تستفرغ أعماق الشاعر؟

الصديق: يكون هناك التناغم بين أقوافي واختيار الأوزان والمقاطع التي تتناسب مع موجات الشعور في مدها وفي انكسارها كالمد والجزر، فيكون هنا مقطع قصير عبارة قصيرة وهناك عبارة أطول وهنالك عبارة أقصر، فأقصر هنا كلمة واحدة ينتهي بها المقطع، فالقصيدة في حاجة إلى أن تستوعب هذه التجربة الشعورية بطريقة معينة تصل بالقارئ أو المستمع إلى الهدف المنشود وتستفرغ ما يجيش في أعماق نفس الشاعر من المشاعر.