"الأدب والثورة" في مرآة الدكتور صابر عبد الدايم

أبو الحسن الجمّال

"الأدب والثورة"

في مرآة الدكتور صابر عبد الدايم

أبو الحسن الجمّال

 لعب الأدب دوراً هاماً فى تاريخ مصر عبر العصور، وهو مرآة الشعوب وينهض إذا تمسك الأديب بأدوات الأدب وكان موهوباً حقيقياً مناضلاً، لا يسهل شراؤه، ولا يزور الحقائق ولا يتلون بتلون الظروف، والأديب الحقيقي هو الذى يدافع عن المبادىء والحريات، ويحافظ على موروثه الثقافي والحضاري .. لا يتحداه ولا يسير ضد التيار.

 (رابطة أدباء الشام) التقت الدكتور صابر عبد الدايم، أستاذ الأدب والنقد، وعميد كلية اللغة العربية فى جامعة الأزهر بالزقازيق، وفوق كل هذا هو شاعر مجيد، أشاد به الأدباء فى مصر والعالم الإسلامى وهو ضيفاً مستمراً للعديد من المؤتمرات الأدبية فى مصر والدول العربية، وعضو بالعديد من الهيئات الثقافية، تحدث فى حواره هذا عن تأثير الأدب فى الحياة الفكرية والسياسية وإرهاصاته الأولى التى أدت إلى اندلاع الثورة، وأرشدنا إلى الطرق المثلي والأدوات التى يتسلح بها الأديب ثم عرج للحديث عن دور الهيئات الثقافية وتأثيرها، ودور الإعلام فى إبراز دورها وأهميتها.

*هل الأدب فى مصر أثر فى الحياة الفكرية والسياسية فى العصر الحديث؟

 - إن الأدب بكل فنونه "الشعر والرواية والقصة والمسرح ... وغيرها " ، يعد ترجماناً جمالياً وفنياً لكل ما تموج به الحياة من تيارات فكرية وسياسية واجتماعية ودينية ... وهذه التيارات دائماً ما تكون متصادمة ولكنها ليست هادمة، والأزهر الشريف منبع الثورات، ورائد النهضة الأدبية والثقافية منذ إنشائه بفضل جهود علمائه الكبار المخلصين، والإبداع الأدبى أثر فى إثراء الحياة الفكرية والسياسية فى مصر فى العصر الحديث، وخاصة فى القرن العشرين والعقد الأول من هذا القرن، وكتابات العقاد وطه حسين، والمازني، ومحمد حسين هيكل، والرافعي، كان لها الأثر العميق فى تغيير خريطة المجتمع المصري، وفى تفتح آفاق الفكر المصري على معالم الحضارة الحديثة فى الغرب مع الوعي بأصول الحضارة العربية الإسلامية، وقد لعبت كتابات مشاهير الأدباء فى الشعر والنثر فى لإثراء الوعي وكانوا هؤلاء يعدون منارات أضاءت أفاق الحياة وأثرت فى الوجدان المصري، وكشفت لجماهير الأمة وطوائفها مثالب النظم الفاسدة وتراكمات الحكام المستبدين.

* ما هي السبل المتاحة للنهوض بالأدب حاضراً ومستقبلاً وخاصة بعد ثورة 25يناير؟

 - إن الأدب العربي ليس صناعة آلية يدوية ولكنه يتشكل عبر مقدمات متداخلة : نفسية وثقافية واجتماعية، وهو استشراف ونبوءات وروىء، تطرح ولا تجزم، تقترح ولا تحدد ، تستنفر الهمم، وتحفز الطاقات... والنص الأدبى الفائق الذى – من معالم نهضته وسموقه – أنه لا يظل أسير المعنى الأحادي، ولا الدلالة الضيقة، وإنما تتعدد أبعاده بتعدد قرائه، والنهوض بالأدب فى مرحلة التحول الثوري والديمقراطي لا يكون باستنساخ النماذج القديمة ، ولا محاكاة الوسائل والتقنيات التقليدية التى ألفها للقارىء العادي، ولكن لابد من التجديد والابتكار والتفوق ... لأن الاكتشافات العلمية ، ومصادر المعرفة تطورت ، وثورة 25 يناير اندلعت براكينها من حقول التقدم العلمى ، ومن فضاءات التواصل غير المرئية "الفيس بوك" وعلى الأدباء المبدعين أن بواكير هذا التطور المذهل فى مجال العلم، ومن الآليات والوسائل التى تنهض بالإبداع الأدبى فى مرحلة التحول الثوري :

 أولاً: اهتمام الإعلام والقنوات الفضائية بالأدباء والمبدعين من جميع التيارات، لأن أجهزة الإعلام المرئية تهتم بالبرامج السياسية والتصادمية فقط ، أما البرامج الثقافية فيها ضئيلة، وغير عميقة، وغير متطورة ، لأن مقدمي البرامج بعضهم غير مؤهل لذلك ،

 ثانياً : إعادة النظر فى تضاريس الخريطة الثقافية، وهيئات وزارة الثقافة، ودور النشر الحكومية والخاصة، وكذلك قصور الثقافة والمناهج التعليمية ...كل هذه المؤسسات عليها أن تعيد للثقافة بهاءها وجمالها وأن تعيد القراء إلى واحات الإبداع ومنابع الفكر والحضارة .

* هل أدت المؤتمرات الأدبية دورها أم أنها تظاهرات إعلامية دعائية؟

- المؤتمرات الأدبية فى جوهرها تعد من آليات الحراك السياسي والطموح إلى تجميل المناخ الثقافي وإثراء آفاق الأدب وتجارب المبدعين، ومؤتمرات أدباء الأقاليم التى تقام منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، كانت فى مجملها تجمعات أدبية تتمخض عن توصيات هلامية شكلية، وثمارها بلا طعم ولا رائحة، ومن آثارها الإيجابية القليلة نشر أعمال الأدباء الجدد الشباب تنفيذاً لبعض التوصيات ، ولكن النشر يظل عديم الجدوى ..لن الكتب المطبوعة لا توزع، ولا تجد طريقها الصحيح لجماهير القراء فى كل محافظات مصر وقراها ومدارسها وجامعاتها وقد شاركت فى كثير من هذه المؤتمرات وطالبت مع كثير من الأدباء بتغيير اسم المؤتمر إلى "مؤتمر أدباء مصر" ، لأن كلمة الأقاليم توحي بأن هؤلاء الأدباء من الدرجة الثانية، ونأمل أن تستعيد هذه المؤتمرات وهجها وأن تواكب الثورة، وأن تكون مصر وحضارتها فى مقدمة اهتمامات المبدعين من كتاب القصة والرواية والمسرح والمقالات الإبداعية الرائدة ، وكثير من المؤتمرات الثقافية الرائدة لا تجد اهتماماً جاداً من الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومنها مؤتمرات مجمع اللغة العربية والمؤتمرات الدولية العلمية بالجامعات المصرية وجامعة الأزهر ومؤتمرات اتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة .

 * ما هي الأدوات التى يتسلح بها الأديب بها الأديب بجوار الموهبة التى منحها الله ؟

- إن الأديب له مقومات عديدة وحتى يكون إبداعه فائقاً متجدداً مؤثراً ..عليه أن يتسلح بأدوات تحميه وتمنح لأدبه تأشيرة الدخول إلى مدائن الإبداع الحقيقي المؤثر الجميل ، ومن هذه الأدوات : إتقان اللغة العربية وبعض اللغات الأجنبية ، وتنويع مصادر المعرفة والتفاعل مع قضايا المجتمع وحركته المائجة بالتقلبات الصراعات وتطور إيقاع الحياة المتنوع، والأدب –كما قال ابن خلدون- الأخذ من كل فن بطرف ، وكذلك قراءة الإبداع الأدبى الشعري والسردي لكبار المبدعين فى مصر والعالم العربي ، والإطلاع على نتاج الأدباء العالميين، والتحصن بالثقافة الإسلامية المستنيرة الناطقة بمعالم الحضارة العربية الناطقة بمعالم الحضارة العربية وحضارة الإسلام العالمية التى أضاءت العالم بالثقافة المضيئة بالمحبة والسلام والأمان ومقاومة الاستبداد والطغيان والبحث الدائم عن حرية الإنسان .

* هل للثورة إرهاصات عند الأدباء؟

- إن ثورة التحرير لم تندلع فجأة كالبركان ولكن كانت لها إرهاصات سياسية وأدبية واجتماعية تجلت فى كثير من الاحتجاجات والمظاهرات العمالية والطلابية والنقابية ، وكثير من الوجوه البارزة فى الثورة من جماعة الإخوان المسلمين ومن التيارات الإسلامية والسياسية الأخرى قاوموا كل مظاهر الفساد والظلم فى العصور السابقة وامتلأت بهم سجون مصر وتحملوا التعذيب بكل شجاعة وإباء فى سبيل دينهم ووطنهم مصر ..مهد الحضارة ، وواحة السلام ، والأدباء فى نتاجهم الشعرى والقصصى والروائى رصدوا وصوروا مظاهر الفساد والبطش والظلم والتخلف فى أدبهم ..ومنهم من حكم عليه بالسجن ومنعت كتبه من الصدور ومنهم من فرضت عليه العزلة الثقافية وقضى حياته فى سجن الإقصاء والإهمال، وظل بعيداً عن الأضواء، لأن فكره وإبداعه رافض لسياسة البطش والاستبداد والفساد ونهب ثروات مصر وإذلال شعبها ومن يتأمل ويقرأ الروايات المصرية فى الثلث قرن الأخير من القرن العشرين يدرك أنها كانت تشخص مثالب السياسة وفساد المجتمع وكلها إرهاصات تبشر بقيام الثورة وكذلك دواوين الشعر ...كل هذا قد نبض إبداعهم بإرهاصات الثورة وبشر باندلاع بركانها وطوفانها :

 فالنيل الطاهر ينفض ختثه

 والنهر الخالد فى دمه المائج بالثورة يغرق عسسه

 وشباب بلادى ..يكتشف تضاريس المجد ... يحطم أصنام القهر

 ويدفع ألوية التغيير

 يطلق من آفاق الليل شموساً ونجوماً

 تكتب بالضوء الأحمر إيقاع الشهداء ومنارات التحرير

 (شعر د.صابر عبد الدايم)