حوار أ.د. عبد الرحمن البر

جريدة الوطن البحرينية

مع جريدة الوطن البحرينية

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

- كيف تنظرون إلى الحركة الاحتجاجية في البحرين والتي تقودها قوى تمثل المعارضة (أغلبيتها الساحقة شيعية) وما صاحبها من أعمال عنف من قبل المتظاهرين تحدثت عنها التقارير الإعلامية؟ لاسيما وأن هناك قطاعا كبيرا من أبناء الشعب استنكروا هذا التحرك واعتبروه رغبة في القفز على السلطة وإملاء قواعد غير متوافق عليها وعبروا عن ذلك عبر فعاليات تجمع الوحدة الوطنية (يخص الطائفة السنية)

ج – يحرص الإخوان المسلمون دائما على الوقوف إلى جانب الشعوب في المطالبة بحقوقها في الحرية والعدالة والإصلاح بطريقة سلمية مشروعة بعيدة عن العنف والتخريب، بعيدا عن أية أبعاد طائفية تفتت الأمة وتفرق شملها، وبعيدا عن الارتباط بأية أجندات غير وطنية، ويدعو الإخوان دائما إلى أن تتم هذه التحركات على قاعدة توافق وطني بين كل مكونات الوطن، لأن استئثار طائفة أو فئة بعينها من شأنه أن يفجر البلاد وأن يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، وفي ذات الوقت فإن الإخوان يحرصون على دعوة كافة حكومات الدول العربية والإسلامية إلى أخذ زمام المبادرة في تحقيق العدالة والإصلاح، حتى لا تضطر شعوبها إلى الخروج عليها، وحتى لا تعطي ذريعة ومسوغا للمتربصين بالأمة ليدسوا أنوفهم في شؤونها الداخلية، وإذ يحرص الإخوان على رفض استعانة أية قوى وطنية في أية دولة عربية أو إسلامية بأية دولة أو قوة للضغط أو التدخل في شؤون الوطن؛ فإن الإخوان من جانبهم حريصون كل الحرص على عدم التدخل المباشر في أية نزاعات داخل أي دولة، ومن هذا المنطلق فإنني أرفض أن تستعين الطائفة الشيعية في البحرين بأية دولة أو قوة إقليمية أو دولية للتدخل في البحرين، وأرى أن الأوفق أن يتعاون الجميع في داخل البحرين لرفع المطالب المشروعة وتحقيق الإصلاح المنشود.

- ما رأيكم في ما عبر عنه وفد المعارضة الموجود في القاهرة حالياً، من تضامن بعض القوى السياسية والشخصيات المصرية ودعمها للاحتجاجات في البحرين باعتبارها ثورة؟ هل يعبرهذا عن حقيقة موقف الشعب المصري؟ أم أنها محاولة لخداع الرأي العام في كل من مصر ومملكة البحرين لإخفاء وتشويه الحقائق عن مزاعم سلمية (الثورة) البحرينية؟

ج – ربما يكون هناك من القوى السياسية المصرية من يقول بذلك، لكنني أتصور أن غالب القوى السياسية وغالبية الشعب المصري لا تنظر لما جرى في البحرين من احتجاجات على أنه ثورة، وإن كانت هذه الاحتجاجات تعبر عن وجود مظالم يحتاج الشعب البحريني إلى رفعها، وقطع الطريق أمام من يحاول استغلال أي منها لضرب استقرار البلاد وأمنها. 

- هل الشعوب مطالبة بالاستجابة لأي تحرك من قوى تدعو إلى الديمقراطية وهي معروفة باختلافها مع مبادئ الديمقراطية أيدلوجيا وعقيدة وممارسة (قبل الثورة المصرية كانت كل المظاهرات ترفع فيها صور القادة الإيرانيين والشعارات الطائفية)، ثبت في ما مضى من أحداث أنها تسعى لإقامة كيان على غرار النظام الإيراني؟ 

ج – أتصور أن الشعوب بلغت حالة متميزة من الوعي تمكنها من التمييز بين الحركات الطائفية التي تحاول استغلال الحريات والديمقراطيات لتحقيق مآرب خاصة لا تتفق مع مصالح الأمة العليا والتي ترفع رايات غير وطنية حينا وتخفيها حينا لخداع الشعوب، وبين الحركات الوطنية الصادقة التي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والتنمية والريادة والإصلاح عبر الاستخدام الصحيح والمخلص لآليات الديمقراطية، وهذا الوعي الشعبي كفيل بإحباط أية تحركات مشبوهة، وفي ذات الوقت فإن على الحكومات أن تدرك هذه الحالة من نمو الوعي، وتعمل على الاستفادة منها لمصلحة الأوطان، وتدفع بعجلة الإصلاح إلى الدوران نحو المستقبل الآمن المحقق لطموحات الشعوب. 

-(((بكلمات أخرى.. ماذا يفعل الإنسان المسلم حين يرى أنه بين خيارين إما أن يدعم نظماً فيها سلبيات كبيرة -وهذا موقف أهل السنة في البحرين بما فيهم السلفيون والإخوان- أو أن يوافق على اختطاف وتغيير هوية بلد بالكامل .. ومثال العراق ماثل أمامه؟.. البعض يرى أنها سذاجة أن يصدق أهل السنة في البحرين أن أنصار ولاية الفقيه في البحرين سيحكمون البلاد على أسس ديمقراطية ومدنية حديثة.. ما قول فضيلتكم؟)))

ج – ثمة خيار أفضل من الخيارين السابقين، وهو أن يتعاون الشعب كله في مطالبة الحكومة بالإصلاح وفق أجندة وطنية خالصة، وأن يضغط بشكل سلمي متحضر لإقناع الحكومة بالمصلحة العليا للأمة في قطع الطريق على أولئك الذين يتخذون من بعض الأخطاء شماعة لتأليب الجماهير أو إثارة الفرقة والنعرات أو الدعوة لتدخلات مرفوضة، فإذا كنا نرفض بمنتهى القوة نظام الولي الفقيه ونرى أنه يتنافى تماما مع ادعاء الديمقراطية؛ فإننا في ذات الوقت يجب أن نسعى بكل قوة لتلافي السلبيات القائمة، وأن ندعو بكل قوة لرفع أية مظالم واقعة ودفع أية مظالم متوقعة، وأن نسعى لتحقيق عقد اجتماعي عادل يحمي الوطن ويحقق آمال المواطنين.  

- هل توافقون الشعب البحريني والطائفة السنية تحديدا وحتى بعض الشيعة المعتدلين في الخارج مثل السيد علي الأمين في لبنان الذين اعتبروا أن نظام الحكم قائم على عقد اجتماعي بين مكونات الشعب ولا يجوز انفراد مكوّن دون آخر بالتغيير دون توافق، مع الإقرار بأن هناك أمورا تحتاج إلى إصلاحات؟

ج – أوافق تماما على هذا الطرح وهذا هو مضمون ما قلته في كل ماسبق، فالوطن ملك للأمة بكل مكوناتها، وليس لطائفة أن تفرض رأيها على باقي مكونات المشهد الوطني عبر الضغط والعنف والاستعانة بالخارج، لأن أية إصلاحات يجب أن تكون لمصلحة الوطن كله لا لمصلحة طائفة بعينها، ويجب أن ترتفع القوى الوطنية عن اللعب بورقة الطائفية التي ستحرق من يلعب بها قبل أن تحرق الوطن بأسره.

- ما رأيكم في وجود مخططات خارجية تستهدف دول الخليج إجمالاً وعروبتها وهويتها وعلاقة ذلك بما يحدث حاليا ، وما يصاحب ذلك من حملات إعلامية من القنوات الإيرانية مثل "العالم"، والقنوات العراقية، وقناة المنار..

ج – الحديث عن مخططات خارجية أو داخلية ليس من شأن أمثالي التحدث فيه، ولكنني وغيري نحذر منه، ولقد دعوت عقلاء الشيعة من قبل (إبان أزمة الدكتور القرضاوي مع الإعلام الشيعي) إلى عدم الانزلاق والوقوع في فخ الإثارة الطائفية التي يمكن أن تأكل الأخضر واليابس، وأن تدمر الوطن وتضيع مستقبله.

- كيف سيتعامل الإخوان في حال وصولهم إلى الحكم مع دول الخليج، وهل هناك حدود للعلاقة مع إيران؟

ج – الإخوان يسعون دائما إلى تحقيق التعاون بين الدول العربية والإسلامية، ولا ريب أن دول الخليج العربي دول شقيقة تربطها بمصر أقوي الصلات، وأرى أن إيران هي إحدى القوى الإقليمية المهمة، فضلا عن كونها دولة إسلامية، ولهذا يجب أن تتوثق صلات الدول العربية بها على أساس من التعاون المخلص، وعلى إيران أن تكف يدها عن التدخل في شؤون الدول العربية، وأن تعلن دائما وقوفها إلى جانب الشعوب العربية التواقة إلى الحرية، وأن ترفع غطاءها عن النظام السوري الذي يقتل شعبه.

- هل هناك مد شيعي في مصر أو المنطقة العربية، وعلى من تقع مسؤولية مواجهة ذلك في حال ثبوته؟

ج – لا أعتقد أن في مصر ما يمكن تسميته مدا شيعيا، فإن طبيعة الشعب المصري تأبى قبول هذا الفكر أصلا، ويوم أن تعرض الشعب المصري على مدى عشرات السنين للضغوط الشيعية على أيدي الدولة العبيدية التي سميت بالدولة الفاطمية فإن الشعب المصري ظل محتفظا بعقيدته الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، ولم تفلح كل محاولات التشييع، ولم يكد صلاح الدين الأيوبي يعلن نهاية الدولة العبيدية حتى ظهر أن الشعب بكامله لا يزال على عقيدته، وصار الأزهر أعظم جامعة عالمية تتبنى نشر مذهب أهل السنة والجماعة، بعد أن كان العبيديون بنوه ليكون معهدا شيعيا، هذا في مصر.

أما في الدول العربية الأخرى فربما يكون هناك محاولات للتمدد الشيعي، وينبغي أن توضع البرامج العلمية والتثقيفية للتصدي لذلك، ومتى عرض الحق بشكل واضح سليم فإن البدعة لا تجد فرصة للنمو أو الظهور على الإطلاق.   

- وما موقفكم من إنشاء أحزاب للشيعة المصريين ومن دعوتهم إلى التشيع في مصر؟

ج – الإعلان الدستوري الحالي يمنع إقامة الأحزاب على أساس طائفي أو ديني، وأعتقد أن الدستور الدائم إن شاء الله سيحرص على ذلك، وأعتقد أن مثل هذا الحزب لن يكون له أي قبول في الشارع المصري، ولن تقبل به أية قوى سياسية أو وطنية مصرية، وأنا أحذر الذين يدعون إلى التشيع في مصر بأن جهودهم ضائعة، وبأن طبيعة الشعب المصري ستقف حائلا أمامهم، وربما أدى هذا التصرف منهم إلى ردود أفعال سلبية تجاههم.  

- إذا كانت لديكم أية ملاحظات أو دعوات أو آراء في أمور أخرى تخص الشأن البحريني قيادة وشعبا فلا تبخلوا بها علينا؛ فأبناؤكم وإخوانكم أحوج ما يكونون للاستنارة بآرائكم على المستوى الشخصي والدعوي قبل أن تكون للنشر.

ج – أرى أن مقاربة قضايا الإصلاح والعدالة والحرية والوحدة الوطنية في البحرين وفي كل الدول الدول العربية يجب أن تكون بمنتهى العدل والحكمة، وتكون شاملة لجميع المواطنين، حتى لا تكون هناك أية ذريعة للشغب باسم حقوق الإنسان.