مي الريحاني تتحدث في "مركز الحوار العربي"

مركز الحوار العربي

مي الريحاني تتحدث في "مركز الحوار العربي"

عن كتابها الجديد: "ثقافات بلا حدود"

يوم 3-12-2014، أقام "مركز الحوار العربي" في منطقة العاصمة الأميركية ندوة تحدثت فيها السيدة مي الريحاني عن كتابها الجديد: "ثقافات بلا حدود".

والسيدة مي الريحاني هي كاتبة وشاعرة من مواليد لبنان، وناشطة في مؤسسات التنمية الدولية، وهي ابنة شقيق الأديب المعروف أمين الريحاني.

وقد تحدثت السيدة مي في بداية الندوة، فقالت:

كتاب "ثقافات بلا حدود" هو سيرة ذاتية. يتناول الكتاب أربعة مواضيع: 1) الحقبة الذهبية من تاريخ لبنان الحديث، 2) الأثر الواسع النطاق لتعليم الفتيات، 3) تمكين المرأة، و4) القواسم المشتركة بين الثقافات المختلفة.

لماذا قررت العمل على هذا الكتاب؟ سؤال طرحه علي الكثيرون، أصدقاء، زملاء مهنيون، مذيعون إعلاميون، الخ. جوابي هو بكل بساطة إني ترعرعت في لبنان، وعشت فيه أجمل طفولة ومراهقة. ربيت على أمور اعتقدت أنها من المسلمات، ذهبت الى المدرسة أسوة بأخوتي الصبيان، واصلت دراساتي العليا في الجامعة، أسوة بأخوتي الصبيان. كان والداي يستقبلان في المنزل أصدقاء من الوسط الأدبي والثقافي، كون والدي كان صاحب دار نشر، من هنا كانت صدمتي كبيرة لما كبرت وعرفت أن الناس ليسوا جميعهم من الكتاب أو الشعراء أو الأدباء. إلا أني فهمت أن الكتابة والشعر موهبة من عنده تعالى. لكن ما فهمته أيضًا هو أن ذهابي الى المدرسة ليس موهبة من عنده تعالى، لا بل تطبيقًا لإرادته تعالى، واحترامًا لحقوقي الانسانية البديهية التي منحني إياها تعالى.

وتبين لي كذلك أن نشر الأفكار والكتابة والتحاور ومعارضة الرئيس أو الحكومة، ليست من المسلمات، وأن الانفتاح على الآخر وفهمه يؤتي ثمارًا أطيب بكثير من التقوقع والحكم المسبق على ذلك الآخر.

فقررت أن أفي ولو جزءًا مما حصلت عليه – تقدمة، هبة - من غير أن أطلبها، بمساعدة المحرومين من هذا الحق، والذين لا يعرفون أن لهم الحق في مثل هذه الحقوق. والسبب الآخر الذي دفعني لنشر كتابي هو رغبتي في أن أتشاطر ما خبرته، وما توصلت اليه قناعاتي، مع غيري ممن يهتمون بهذه الموضوعات، بدل أن أكتفي به جزءًا من ذكرياتي الغنية.

شاءت الأقدار أن أعمل، وبشكل مكثف، في عدد كبير من البلدان-- أكثر من 40 بلداً، وأن أزور أكثر من 70 بلداً.

بطبيعة عملي تعاونت وتناقشت وتفاوضت مع وزراء تربية وتعليم، وصحة، وشؤون اجتماعية وغيرها. وزرت عددا لا يحصى من المجتمعات الريفية والحضرية في تلك الدول، مشيت مع أبنائها في شوارعهم، في أسواقهم، لامست وجوه أطفالها.. المحرومين منهم وغير المحرومين. الأمر الذي فتح أمامي نافذة واسعة لفهم الشعوب وثقافاتها بشكل أعمق وأقرب. والأهم، أني لمست أهمية القيم والأهداف المشتركة بين تلك الثقافات المتعددة. وتبيّن لي أن ما يجمع بين الثقافات والحضارات أكثر وأهم بكثير من الفروقات التي تبدو للعيان. وتأكد لي أنه كلما تعمقت الشعوب بهذه القواسم المشتركة، واعترفت بها واحترمتها، كلما اقتربت من المواطنية العالمية. وتأكد لي أنه بالإقرار بأن الثقافات متداخلة ومتجانسة، لا حدود لها.. وبتقبلها، نساهم بتبديد احتمال نشوب الحروب وبتعزيز فرص السلام، وبالتالي الازدهار والرخاء. وهو ما خصّصت له قسما كبيرا في كتابي، يستعرض تعدد الثقافات ويضفي نوراً على نقاط التقائها وتقاطعها، وتميّزها عن بعضها البعض.

ومع قناعتي بأهمية هذه المواضيع، وتسليط الضوء عليها، إلا أنه كان علي اختيار واحد منها والتوسع به، وهو القوة المحوّلة الفاعلة لتعليم الفتاة، والذي بات الشغل الشاغل لحكومات الدول الكبرى والجهات المانحة على أنه حجر الزاوية لبناء التنمية البشرية.

لماذا تعليم الفتاة؟ ما أهمية أن تتعلم الفتاة، أسوة بالصبي أخيها. 

لن أبالغ في قول إن هذه المسألة وحدها تشكل الشرط الأساسي والضروري لتنوير البشرية وتقدمها. وقد تبين لي هذا مرة بعد أخرى، في أفغانستان، باكستان، اليمن، مصر، السودان، المغرب، مالي، ملاوي، السنغال، أوغندا، والكونغو، على سبيل المثال ولا الحصر، تبين لي أن تحوّل مجتمعات هذه البلدان الإيجابي رأى النور وخطا خطوة هائلة الى الأمام بفضل تطبيق برامج تعليم الفتاة.

هنا، أود أن أرفق حقيقة أثر تعليم الفتاة عالميًا، بالأرقام.

من المهم أن نذكر أن الاحصاءات الأخيرة تشير الى أن أكثر من 132 مليون صبي وفتاة  في العالم، رغم أهليتهم للالتحاق بالمدارس، هم خارج المدارس. وتشكل الفتيات منهم نسبة عالية.. غير مقبولة.

كما أن هناك فجوة صارخة في غالبية بلدان أفريقيا وآسيا، وبعضٍ من دول الشرق الأوسط، بين عدد الفتيات وعدد الصبيان في المدارس..

لماذا؟.. سؤال جدير، لا بل ملح لأن نطرحه على أنفسنا.

وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نبحث في العمق ونحاول فهم الأسباب المعقدة التي تكمن وراء عدم إرسال البنات الى المدارس أسوة بالصبيان، ونحاول معالجتها في سياق وإطار الثقافات التي عليها، في النهاية، أن تقبل وتطبق الحلول.

المشكلة كانت في السابق، على مستوى التعليم الابتدائي. ورغم أن العديد من الدول، وليس جميعها- أحرزت تقدمًا ملحوظًا على مستوى التعليم الابتدائي، تتواصل المشكلة، بعزم وعناد، على مستوى التعليم الثانوي.

على سبيل المثال، في العديد من دول جنوب الصحراء الأفريقية، تقدر نسبة الفتيات الملتحقات بالمدارس الثانوية بأقل من 35% من مجموع البنات المؤهلات للالتحاق بالمدارس.

وفي كافة هذه الدول نفسها، هناك أقل من فتاة من أصل خمس فتيات، ممن يتخرجن من المدرسة الثانوية.. ولا يزال هناك ملايين من الفتيات في كافة أرجاء العالم، ممن لا يصلن الى أبعد من المستوى الابتدائي من التعليم.

توصلت الأبحاث الى أن من العوامل الأساسية لعدم التحاق الفتيات بالمدارس تعود للأسباب التالية:

1.   الأسر الفقيرة تختار إرسال صبيانها الى المدرسة دون الفتيات، لأن العوز المادي لا يسمح بتحمل الإنفاق المدرسي لجميع الأولاد؛

2.   شح المياه الجارية ونقص الوقود في مناطق ريفية عدة في البلدان النامية، يتطلب من الفتاة العمل لجلب المياه والوقود.

3.   إعتبار، وعن قناعة، عمل الفتاة ضرورياً في المنزل وفي الحقل؛

4.   المسافة بين المنزل والمدرسة تشكل خطرا على أمن الفتاة وسلامتها؛

5.   كون الزواج المبكر معياراً طبيعياً في العديد من الثقافات؛

6.   البنى التحتية في المدارس غير مؤاتية للبنات (مثل عدم وجود المراحيض المنفصلة)؛

7.   قبول المعايير الاجتماعية بأن تترك الفتاة المدرسة عند سن البلوغ؛

8.   التفسير الخاطئ للدين؛ وسأعطي مثلاً واضحاً عن هذا الأمر قبل نهاية حديثي معكم.

9.   المجتمعات الأبوية التي تحدّد أدوار الذكور والإناث بأساليب تقليدية ومتشددة؛

10.          قلة النساء النموذجيات للاقتداء بهن.

إلا أننا حين نؤمّن التحاق الفتاة بالمدرسة، ونضمن تعليمها، نحصد عاملا هاماً للتغيير لا بل من أهم العوامل، وهذا ما يفسّر معارضة منظمة "بوكو حرام" والمنظمات الدينية المتطرفة الأخرى لمسألة تعليم الفتيات.

عندما تلتحق نسبة عالية من الفتيات بالمدارس، ويكملن المرحلة الثانوية، تتغير توقعاتهن.. وبالتالي تصرفاتهن.

بالنسبة لتعليم الفتاة حتى المستوى الثانوي بشكل خاص، هناك ما لا يقل عن عشر نتائج إيجابية يمكن ذكرها: 

1.   تنخفض نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن بسن الـ12، 13، أو 14 سنة. جاء في أحد تقارير البنك الدولي أن: ما يقدر بـ65 بالمئة من الفتيات بمستوى تعليمي ابتدائي، أو أقل، يتزوجن في سن مبكرة أشبه بالطفولة، أما الفتيات اللواتي يكملن المدرسة الثانوية فيتزوجن بسن 17 أو 18 أو 19.

2.   يصبح للمرأة المتعلمة، لدى زواجها، رأيها وما تقوله في مجال الإنجاب والحمل، ما يتيح لها بالتالي أن تتحكم بصحتها الجنسية وتحديد عدد الأطفال. تشير الاحصاءات الى أنه في بعض المناطق الريفية في شمال نيجيريا، تشاد، النيجير، صوماليا، وأفغانستان، غالبًا ما يبلغ عدد حالات الحمل لدى المرأة الأمية، 8 الى 9 حالات. وهذا العدد لا شك يتراجع حين تكون المرأة متعلمة؛

3.   تتمتع الأمهات المتعلمات، في كافة أرجاء العالم، ولو بمستوى عملي وتحليلي من التعليم، بتربية أطفال أصحاء، وتنخفض نسبة وفيات الأطفال؛

4.   تتحكم الأمهات المتعلمات بعدد الحمل لديها، وتحمي نفسها من خطر الوفاة أثناء الولادة؛

5.   تتمتع المرأة المتعلمة بأهلية وحصانة أكبر للحصول على فرص إضافية، وغالباً ما تكون أكثر انخراطاً في نشاطات مجتمعها؛

6.   تتحمل المرأة المتعلمة مسؤولية أكبر في عملية تقرير مصالح أسرتها وبيتها؛

7.   في أغلب الأحيان، تُحرّر المرأة المتعلمة ذاتها من العمل التقليدي من غير أجر، وذلك من خلال البحث عن عمل يدر عليها المال؛

8.   تميل المرأة المتعلمة الى إنفاق مدخولها المالي على انتشال أسرتها من الفقر؛

9.   تتمتع المرأة ذات المستوى التعليمي الأعلى، بأهلية التحكم بمدخولها المادي؛

وأخيراً:

10.          تنجح الفتاة التي أكملت المستوى الثانوي من التعليم، بتحصين نفسها وتنخفض بالتالي احتمالات تعرضها للتعنيف والتمييز ضدها، داخل البيت وفي المجتمع.

وكما ذكرت سابقاً، ساعطي مثالاً عن كيفية سؤ تفسير الدين بالنسبة لتعليم الفتيات. فقد طلبت مني مؤسسة USAIDفي العام 1993 ان اذهب إلى مدينة بشوار الحدودية بين أفغانستان وباكستان لدراسة الأسباب الأساسية لعدم ارسال الفتيات إلى المدارس في أفغانستان. وكما تعلمون كانت العلاقات جيدة في سنة 1993 بين "المجاهدين الأفغان" والولايات المتحدة بسبب معارضة "المجاهدين" للوجود السوفياتي في بلدهم. وكانت الوكالة العالمية للأنماء مستعدة لتمويل مشاريع التربية والتعليم في أفغانستان، لكن بعد دراسات وتقارير تشرح الواقع على ماهيته لكي يمكن تحديد نقاط الضعف المطلوب معالجتها ووضع الحلول اللازمة لها. وقد كانت أبرز نقاط الضعف هي النسبة المنخفضة جداً لعدد الفتيات في المدارس. فالنسبة كانت سنة 1991 (2،7%)، وهذه كانت أكثر النسب انخفاضاً مقارنة مع أي بلد آخر تعاملت معه. وقد طلبت حينها الاجتماع مع ممثلي وزارة التربية الأفغانية، وبعد جدل طويل، وافق ممثلو الوزراة على الاجتماع معي، ثمّ بعد ثلاثة أيام من الاجتماعات، وبعد اعطائي اعذاراً غير مقنعة لنسبة انخفاض عدد الفتيات في المدارس كالتحجج بالخوف من القنابل التي قد تقع على المدارس، صارحني احد المسؤولين بالسبب الحقيقي وهو أن الملاّ يقول ان ديننا يمنع تعليم الفتيات!، مما جعلني أكتب على لوحة الحائط في مكان الأجتماعات حديثاً نبوياً شريفاً باللغة العربية يحضّ على طلب العلم للرجال والنساء.

في خاتمة حديثي، وللحديث صلة في ساعة المناقشة، أودّ مشاركتكم بفكرة تدور في خاطري: أتساءل دائماً: هل يا ترى لو تعمّقنا بدراسة "الآخر"، وبحثنا جدياً عن نقاط التلاقي لا الأفتراق معه، ولو اعتمدنا الحوار الدائم من أجل فهم "الآخر"، ولو بحثنا عن المشترك بين الثقافات المختلفة، اقول هذا ونحن اليوم في "مركز الحوار"، كم كانت ستكون فرص الوئام والتفاهم والتعارف كبيرة بين الشعوب، وكم كان العالم أقل تأزماً وأكثر سلاماً.