ملف المعارضة السورية مع دانا جلال

ملف المعارضة السورية مع دانا جلال

استمراراً للاستطلاع الذي اجريناه  في أوساط  المثقفين لاستبيان ارائهم حول المعارضة السورية ننشر اليوم رد  الاستاذ دانا جلال

دانا جلال لسوبارو (المعارضة السورية هي معارضة الجوار والحوار ، جاورت خندق السلطة ولم تقاطعها ، جعلت من الحوار معها نهاية المطاف ...هي معارضة لا تمتلك الشجاعة كي تخرج من وهم فوضى تحديد أولوياتها ...النظام بالنسبة لها صديق لدود يمكن محاورته أو عدو حميم يمكن تفكيكه داخلياً .

لا يوجد  تعريف واضح للمعارضة السياسية  هناك تصنيفات كثيرة للمعارضة في اي خانة تضع المعارضة السورية ؟

بداية احيي جهدكم المعرفي من خلال نشاطكم الإعلامي المميز في  فضاء الكتروني لا يمكن محاصرته بأسوار القمع السلطوي . بتقديري إن المعارضة وبالذات السياسية منها تمثل صورة السلطة ضمن صيرورة تاريخية لتطور اجتماعي سياسي في مجتمع معين، فعلى سبيل المثال إن المعارضة في المجتمعات الديمقراطية نراها تعمل ضمن مشترك ديمقراطي جمعي على صعيد النظرية والممارسة العملية رغم اختلاف البنى الاجتماعية والمصالح الطبقية التي تمثلها وتعبر عن مصالحها أحزاب اليسار واليمين والوسط . المعارضة السورية إذ  تعيش أزمة تاريخية ناتجة عن أزمة السلطة في تعاملها مع الشعب وقواه السياسية لم تتمكن من أن تخرج من خيمة السلطة بل وان بعضها خرجت من معطفها. بتقديري إن المعارضة السورية حتى اليسارية منها مازالت أسيرة الخطاب السياسي في عصر الحرب الباردة ، فاليسار السوري يراهن فكريا وسياسيا على دور البرجوازية الصغيرة وأحزابها ، المعارضة وفي غالبيتها تخندقت مع السلطة بحجة الصراع ضد الامبريالية العالمية والمشروع الغربي والكيان الصهيوني، المعارضة السورية وبالأخص العربية منها مازالت أسيرة خطاب السلطة بالتعامل مع  الأشكال الجنينية للديمقراطية وحق الشعوب بتقرير مصيرها وإلا كيف نفسر تصريح شوفيني لأحد تيارات الحركة الشيوعية السورية بتوصيف انتفاضة قامشلو في آذار من عام 2004 بأنها مؤامرة صهيونية أميركية ضد الشعب السوري. إن كان لابد من وصف لحالة المعارضة السورية ووضعها في خندق ، فيمكننا القول إنها معارضة ( الجوار والحوار ) أي بمعنى إنها جاورت خندق السلطة ولم تقاطعها وجعلت من الحوار معها نهاية المطاف ، إنها معارضة لا تمتلك الشجاعة كي تخرج من وهم فوضى تحديد الأولويات والمهام وأعداء رئيسيين وثانويين لم يحددوها بشكل ديمقراطي ومن منطلقاتها ، اقنعوا أنفسهم بان النظام  لا يمثل إلا الصديق اللدود الذي يمكن محاورته أو العدو الحميم الذي يمكن تفكيكه من الداخل .المعارضة السورية وبشكل أدق غالبيتها مازالت أسيرة  الخطاب السياسي للسلطة وفي أفضل الأحوال تعمل في أطراف خطابها  .

برأيك هل عموم الشعب السوري مستاءَ من النظام القائم  و بعيد نسبياً عن المعارضة  و قد تسال عموم الشعب يجب بكلمة واحدة أين هي المعارضة  ؟ إن كان كذلك ما سبب الشرخ الحاصل بين الجماهير و المعارضة و ما هي الطريقة المثلى لكسب الجماهير  ؟

تجسيد الديمقراطية كنظام ومؤسسات وإعطاءها البعد الاجتماعي واحترام حقوق الإنسان والقوميات يمثل المحددات الرئيسية للموقف من السلطة.النظام السوري وحسب التقارير الدولية ينافس أنظمة القمع على التسلسلات الثلاثة الأولى على الصعيد العالمي. هنالك حالة استياء ولكنها لم تتحول إلى حالة سخط شعبي نتيجة لظروف موضوعية وذاتية . المشهد السوري تكرار تاريخي لما حدث في روسيا القيصرية قبيل ثورة أكتوبر من عام 1917 ، كانت إشكالية روسية في الثورة تجاوزها البلاشفة . سوريا تعيش ملهاة التكرار التاريخي حيث الجماهير أكثر ثورية من أحزاب المعارضة والأحزاب أكثر ثورية من اللجان المركزية واللجان المركزية أكثر ثورية من المكاتب السياسية وقادة الأحزاب .هل تتجاوز المعارضة السورية تكرار الحدث التاريخي .؟ إن الشرخ الحاصل بين الجماهير والمعارضة ناتج عن تداخل المؤثر الذاتي والموضوعي، الداخلي والخارجي مع تشويه ومضاعفة للدور السلبي لتلك المؤثرات من قبل العامل الذاتي .

كيف تكسب المعارضة جماهيرها؟ على أحزاب المعارضة أن تجد ذاتها قبل أن تفكر بكسب الجماهير، عليها أن تكتشف خطابا سياسيا واضحا بعيدا عن أطراف خطاب السلطة، عليها بدمقرطة حياتها الحزبية . المواطن السوري لا يرى فرقا كبيرا بين قائد الضرورة والملهم التاريخي والحاكم بأمر الرب وحكم النسل والأزلي في السلطة لحين الموت مع قادة أحزاب المعارضة الذين ينافسون حكام منطقتنا في البقاء على قمة هرم الحزب. على أحزاب المعارضة أن تعمل ضمن حوار داخلي وحوار مع الجماهير قبل أن تفكر بالحوار مع السلطة.

تأليب الرأي العام العالمي ضد النظام أليس شرطاً أساسياً لتحقيق أهداف المعارضة إن كان كذالك ما يجب فعله كي تؤلب الرأي العام العالمي ؟

بتقديري إن طرح موضوعة التأثير في القرار الدولي لتحقيق أهداف المعارضة قضية حيوية لا تقل أهمية عن التأثير في الرأي العام العالمي .المشهد العراقي يكرر نفسه في سوريا، عملية المقارنة والمقاربة نتيجة لمقترب يصل حد التطابق بين الوضع السوري والعراقي له أكثر من مبرر.عن الموقف من العامل الخارجي يجب أن ننطلق من مقدمات ضرورية تتمثل بـــ:-

1-   حالة التجزئة والتقسيم لدول وأمم ، تسلط حكام وإنشاء أحلاف ، حالة الفقر وغياب الديمقراطية ناتجة وبشكل رئيسي عن سياسات استعمارية بعيد الحرب العالميتين في منطقتنا. على الغرب أن يصحح جريمة تاريخية بحق شعوبنا، إذن العامل الدولي كمؤثر ومتغير هو لتصحيح خطأ تاريخي، إنها قضية أخلاقية يجب أن نطرحها على الغرب وبالأخص نحن الكورد، صحيح هناك أجندات معولمة وبالذات مؤمركة ولكن أحيانا نشهد تطابقاً بين تلك الأجندات مع مصالح الجماهير والحالة العراقية نموذجا.

2-   الأنظمة القمعية ونتيجة لتغييب الديمقراطية وقمع المعارضة وإضعافها بل وإبعادها من المشهد السياسي يفرض تكرار المشهد الخارجي وتغليبه على العامل الداخلي، هناك حالات كان للمؤثر الخارجي دورا ايجابيا ، يوغسلافيا نموذجا.

3-   المتغيرات البنيوية التي نشهدها بفعل الثورة العلمية والتكنولوجية وظهور العولمة وان كانت بصيغة الأمركة غير الكثير من المفاهيم السياسية والقانونية والاقتصادية، تغير مفهوم الداخل والخارج، العامل الداخلي والخارجي، القوانين القومية وحدودها مع القوانين الدولية ومداها، على المعارضة السورية أن تمتلك الشجاعة وتعترف بتلك الحقائق ، عليها أن تتحرك صوب العامل الخارجي دون أن ترهن قرارها أو تعتمد عليها كشكل وحيد للنضال من اجل الديمقراطية، من غريب المشهد العراقي إن الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية كانا ضد التدخل الدولي في الشأن العراقي قبل إسقاط الفاشية في بغداد والآن  نرى رئيس حزب الدعوة نوري المالكي رئيسا للوزراء وللمرة الثانية في العراق.

أما التحرك من اجل كسب الرأي العام العالمي، هناك حقيقة يجب أن نعترف بها، الرأي العام الغربي مازال أسير الإعلام المؤدلج ، بل يمكن المجازفة والقول بأنه مُدجن إلى حد ما، فعلى سبيل المثال لا الحصر ففي السويد التي تمثل قمة الديمقراطيات الغربية، يخرج الكورد في مظاهرات ضخمة بل وحالات الإضراب عن الطعام ، الإعلام السويدي لا يسلط الضوء على تلك النشاطات ولكنها تبرز في صدر صفحاتها صور من لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين من  أنصار صدام حسين .

الرأي العام الغربي بشكل عام مازال أسير فكر ومصالح الطبقات الحاكمة في الغرب ، يجب أن نعترف بان العامل الدولي مازال يتعامل بشكل انتهازي مع جمهورية القمع والخوف السورية، وسيبقى انتهازيا لحين حل الصراع العربي الإسرائيلي، ليس من مصلحة الغرب أو إسرائيل وجود نظام ديمقراطي في سوريا، العامل الخارجي إن كان بالضد من عملية التغيير في سوريا آو اعتبار الأمر ليس مطروحا حاليا كمهمة ملحة لا يمنع قوى المعارضة السورية والكوردية من استثمار وجودها في الغرب، هناك حقيقة يجب أن نقرها وهي إن الغرب لا كقرار سياسي ولا كرأي عام يسمع لأحزاب متشظية ومشتته، دون توحيد الجهود و التركيز على قضايا مشتركة بين أحزاب المعارضة وعرضها بشكل حضاري في الغرب لا يمكن التأثير في الرأي العام العالمي.

بالرغم من تبني جميع الحركات المعارضة في سوريا الحل السلمي لتغيير النظام برأيك ما الفرق بين المعارضة الكوردية و المعارضة العربية   و برأيك  الحل الأمثل للقضية الكوردية بالفدرالية أم بالحكم الذاتي أم فقط حقوق المواطنة  ؟

نتيجة لمضاعفة القمع تجاه الكورد بإضافة القمع والصهر القومي بل وإنكار الوجود فان المشهد الكوردستاني في غرب كوردستان يختلف على صعيد الحركة الجماهيرية كمعارضة عفوية تنطلق منتظرة الشرارة التي ستحرق السهل ، هناك اختلاف في المزاج الجماهيري على صعيد الموقف الثوري من السلطة بين المناطق العربية والكوردية، أما على صعيد الأحزاب والقدرة على التأثير في الجماهير فلا أجد فرقا كبيرا بين الأحزاب العربية والكوردية لان المنظومة السياسية والتنظيمية لكلا الحالتين تعملان ضمن مجال بقاء السلطة والاكتفاء بشعارات مطلبيه آنية . رفع شعار إسقاط النظام من قبل بعض الأحزاب مع غياب الآليات لعملية التغيير لا يمثل إلا محاولة إقحام قسرية وغير منطقية مع واقع تلك الأحزاب . بالتأكيد هناك حالات مختلفة لأحزاب كوردية أو كوردستانية في غرب كوردستان ويمكن اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي محاولة جادة للخروج من المأزق الكوردي ، حزب الاتحاد الديمقراطي يملك خطابا جديدا ويمثل خطرا على السلطة ، وما الحلف الاستراتجي الجديد بين أنقرة ودمشق إلا محاولة لإجهاض هذا الخطاب المتقدم. الحل الأمثل للقضية الكوردية في أجزاء كوردستان هو الكونفيدرالية الديمقراطية بين شعوب منطقتنا، تداخل الجغرافية والمشترك التاريخي وانهيار الحدود القومية وظهور عالم جديد وان تمنياه بعيدا عن العولمة الأميركية، يجعل من طرح الكونفيدرالية الديمقراطية الحل الأمثل للقضية الكوردية  في أجزاء كوردستان، رفع شعار الكونفيدرالية لا يمنع شعبنا في أي جزء من أجزاء كوردستان وخاصة إن كانت الحركة الديمقراطية في مركزها الوطني ضعيفا من أن يطرح خيارات أخرى. أما عن  حالة تناثر مدن غرب كوردستان أو عدم تشكيلها لكتلة جغرافية كما أشار أليه أخي الكاتب والمناضل هوشنك اوسي لا يمنع  هذه الخصوصية الكورد بالمطالبة بأشكال يقررونها كحق مشروع مثل الحكم الذاتي والفيدرالية وما حالة برلين الشرقية والغربية قبل تهدم الجدار البرليني إلا  نموذج تاريخي على ذلك .

أي الخيارات هي المثلى للحل؟ بتقديري أن مستوى النضال وتطوره في غرب كوردستان ضمن نضال كوردستاني يشمل الأجزاء ومستوى تطور القوى الديمقراطية في الأجزاء التي تقتسم وتحتل كوردستان وموقف تلك القوى من القضية الكوردية مع ربطها بالوضع الإقليمي والعامل الدولي سيحدد أي الحلول هي المثلى، على الصعيد المستقبلي أجد في الكونفيدرالية الديمقراطية حلا  لا للكورد وحدهم بل ولشعوب منطقتنا ، مرحليا يمكن طرح شعار الحكم الذاتي الديمقراطي أو الإدارة الذاتية الديمقراطية وفي النتيجة النهائية مستوى تطور النضال القومي ضمن صراع ديمقراطي مشترك هو الذي يحدد مسار الأحداث والحلول المثلى .  

ما هي سبل تقوية المعارضة و ماذا تتوقع لمستقبل سوريا في الظرف الراهن ؟

عقد مؤتمر شامل للمعارضة بكافة توجهاتها مسالة مهمة، المشكلة في عدم وجود حزب أو شخصية محركة لهكذا توجه وفي ظل  عدم رغبة دولية لتجميع المعارضة كما كانت الحالة مع القضية العراقية فترة حكم النظام الفاشي في بغداد فان المشهد يبقى على حاله لحين تحول قضية التغيير في سوريا إلى قضية عالمية .

في ظل الوضع الحالي وللمدى المنظور لا يمكن الرهان على العامل الداخلي بتغيير المعادلة، أما عن غد سوريا فان المشهد التونسي هو الأقرب للتحقق ، أي غضب جماهيري يمتد ولا يتوقف ليزيح النظام ومن ثم يجعل من أحزاب المعارضة تركض خلف الجماهير وتعمل على اللحاق بالحدث التاريخي الذي أراه قريبا.