علي الحاج حسين

ملف المعارضة السورية

بعض أقطاب المعارضة تقلد النظام بموقفهم من الأكراد

استمراراً للاستطلاع الذي اجريناه  في أوساط  المثقفين بغية  سبر آراء أكبر عدد ممكن من النخب الثقافية والسياسية والنشطاء لتبيان وجهات نظرهم حيال أهم القضايا وأكثرها حساسية في الشارع السوري

الاستاذ علي الحاج حسين قال كلمته  :

- المعارضة بشكلها الحالي مجرد هيكليات عائمة لا يعتد بها للوقوف بوجه العسكر المسلحين

- أهداف المعارضة السورية فلن تتحقق، ان لم يكن هناك سند أو دعم خارجي

- المعارضين في الخارج ليسوا جميعا طلاب قضية، وجلهم طلاب لجوء "تحسين أحوال" 

- نيل الكردي كامل حقوقه بما فيها حق تقرير المصير هو في صالح الجميع

- المعارضة السورية مفككة نتيجة تفشي أمراض النظام بأوساطها وفي مقدمتها "الأنا" والفوضى المزمنة

علي الحاج حسين لنشرة سوبارو بعض اقطاب المعارضة تقلد النظام بموقفهم من الأكراد

نشرة سوبارو : هناك عدة تسميات وأشكال للمعارضة، أي منها برأيك ينطبق على المعارضة السورية؟

ج: 

يمكننا توصيف أي حركة شعبية من خلال نشاطها وطريقة تناولها لأهدافها، ونظرا للحالة السورية الاستبدادية، حيث تتحكم ثلة قليلة بكامل البلد على شكل مزرعة خاصة، بينما الشعب بمجمله أسير تصرفاتهم، وهذا يفترض أن تأخذ المعارضة شكل الحركة الشعبية التحررية لتحقيق الاستقلال ومن ثم بناء مؤسسات الدولة. أما المعارضة السياسية التي نشاهد أمثلة عليها في التلفزة ونقرأ عنها في الإعلام فهي موجودة فقط في الدول التي تحكمها قوانين وليس عصابات، وعادة يكون فيها دور المعارضة منصبا على صياغة برامج انتخابية ومشاريع تنموية تجتذب الناخبين الذين لا يساقون لصناديق الاقتراع قسرا كالقطعان ليبصموا، بل ينتخبون برامجا وليس قادة ملهمين أو ورثة عظاميين.

من معضلات المعارضة السورية أنها تحاول الظهور كمعارضة سياسية صرف في وسط استبدادي لا يقيم وزنا لقواعد اللعبة السياسية ولا يعترف بها أصلا، لذا نجد أشلاء "معارضة" من عجائز الجبهة الوطنية التقدمية يبتهلون للحاكم متوجهين للحكم-الخصم يرجونه الرفق بحالهم وأسرهم وورثتهم، كما لا يتعدى دور ما يشبه المؤسسات المدنية والحقوقية تدبيج العرائض حيال النهش المنظم والتخريب المفرط للبلد، ويعاملون بمنتهى القسوة، وليس لديهم أية وسائل أو أدوات عملية تمكنهم من إرغام المستبد على التراجع قيد أنملة أو إجباره على تغيير بسيط في منحى سياسته البدائية. أما دعاة الإصلاح والتغيير فهم في القبور والسجون أو المنافي. من هنا أرى أن المعارضة السورية بمجملها عبارة عن رؤية وطنية مطلبية مشتركة للذود عن الحدود الدنيا من الحقوق البشرية، وما التلوينات السياسية التي نلاحظها هنا وهناك سوى ترميز ظاهري لا يجعلها مختلفة وإن بدت كما لو كانت متباينة، فاليساري والقومي والديني والأثني كلهم يطالبون - وإن بصيغ مختلفة - بتوفير الحد الأدنى من الحريات والحقوق البشرية، التي على أساسها يمكن لاحقا بناء هيكليات مؤسسية لممارسة حياة سياسية بشكل أوسع وأوفى. 

نشرة سوبارو : أغلبية الشعب السوري مستاءة من النظام ولا تنضم للمعارضة، فما سبل إشراك الناس واستقطاب الشارع للعملية السياسية المعارضة؟

ج2:

ما من شك أن الشعب غير راض عن الحاكم المستبد، وأمام المعارض خيارين: إما الصبر صامتا أو التمويت إن لم يهاجر، لأن المعارضة بشكلها الحالي مجرد هيكليات عائمة لا يعتد بها للوقوف بوجه العسكر المسلحين، بل التقرب منها مدعاة للبطش وليس مصدرا للحماية. كما خلقت السياسات البدائية الفظة حالات الفقر المزري والتجويع وبرزت نزعة حب البقاء، وصار هم معظم الناس توفير ما يسد الرمق، ورغم ما في سوريا من موارد زراعية تؤكد تقارير التنمية المتتالية وجود نسبة مهولة من السوريين تحت خط الفقر. أي أن أولويات المواطن السوري تدور حول حاجيات العيش الأساسية، لذلك لا يثق الحاكم بالمواطن، الذي بدوره يعتبر الحاكم عدوا لدودا له يسرقه وينهب أرزاقه، وإن لم يشق عصا الطاعة حتى الآن، لكنه قطعا لن يدافع عنه فيما لو حوصر قصره.

أما المعارضة السورية –كما أسلفت- في حالة تأسيس لكفاح "مدني" من أجل الاستقلال والبدء في التأسيس لدولة لخلق ساحة أو ميدان لممارسة اللعبة السياسية الديمقراطية. ولننظر للعراق الذي كان أيضا تحت سيطرة الطغمة البعثية المخابراتية إياها، يدار اليوم أقل ما يقال فيه بتوافق، ورغم تدخلات الجوار وما يحاول المعنيون ببقاء الحال ومن تشويه للحقائق، فالعراق قطع مع الدكتاتوريات الدموية متوجها نحو المحفل الديمقراطي وقد دفع العراقيون جميعا ثمن حريتهم وإن كان باهظا.

أما أهداف المعارضة السورية فلن تتحقق، لم يكن هناك سند أو دعم خارجي، والقطع مع شراذم "الوطنجيين" التي تلوك علكة النظام بعدم الاستقواء بأحد عليه كما لو كان للمستبد حرمة الوطن نفسه، وما لم نتحرر من عقلية القطيع المطيع سنبقى عرضة للتحكم والاستغلال البدائي. 

نشرة سوبارو : إن كان توظيف الضغوط الدولية والرأي العام العالمي من أساسيات النشاط المعارض، فما الذي فعلته المعارضة لهذا الغرض؟

ج : لا شك دور المعارضة الساعية للاستقلال بالبلد عن المحتل الداخلي هو كشف ورصد مجازر الثلة المتحكمة، ودعوة المجتمع الدولي لممارسة الرقابة وكف يد الحاكم لمساعدة الشعب على إدارة نفسه. أرى أننا في سوريا أحوج ما نكون لحماية دولية، بل وصاية لأننا فقدنا تركة الحكم الوطني التي تكونت بعد مغادرة فرنسا وحتى وصول البعث للسلطة وتشبث بها نصف قرن عنوة.

ساهم العثمانيون ومن بعدهم الانجليز والفرنسيون بتأخرنا، حين قدموا –فرنسا- كوصاية وحماية لتطوير البلد قبل مغادرته، لكنهم سرقوا أو نهبوا خيرات سوريا وبنوا ديمقراطية ورفاهية في بلدانهم، وتركت البلد في وضع هش ساعد لإفساح المجال ليصير لصوص وسفهاء سوريا سادة لها، تقع عليهم مسؤولية إنسانية لمساعدة هذا الشعب الذي وقع ضحية لهمجية وبدائية تعاون مستعمره أجلافه.

أما أسباب ضعف أداء المعارضة كثير منها:

* استطاع النظام لجمها من خلال احتكار حق الاتصال مع العالم الخارجي بشخصه وكل مخالف يعتبر "مستقويا" بالخارج ويمنح الحاكم لنفسه التصرف بمصيره وحتى حياته.

* المعارضة الخارجية منشغلة فيما بينها بمناوشات حزبوية وكل يلمع حقيبة وهمية لمناصب قيادية.

* المجتمع الدولي – الرسمي يتبع مصالحه، أما المدني والأهلي عموما فنحن مقصرون ولا نصل إليه ماليا وإعلاميا، ناهيك عن خوف بعض النشطاء من قطع الصلة بالوطن أو من البطش بأقاربه والانتقام من ذويه.

* المعارضين في الخارج ليسوا جميعا طلاب قضية، وجلهم طلاب لجوء "تحسين أحوال" لحل مشكلة شخصية وفي أبعد تقدير أسروية تتوقف عندها طموحاته.

اعتقد أن الحل العام هو في إيجاد مبادرة يتبناها عقلاء سوريا –وما أكثرهم- على قاعدة الحد الأدنى من التفاهمات دون الخلط بين الأهداف القريبة والبعيدة ويكون الهدف واحد فقط وليكن مثلا: انتخابات نزيهة وبرقابة دولية.

النظام لا يحسب أي حساب للمعارضة ولا يرها، وما لم تكون هيكليات جديدة تفرض على النظام الجلوس معها الند للند فلا قائمة لنا.

نشرة سوبارو : تبنت شرائح المعارضة النشاط السلمي، فما الفرق بين العربية والكوردية منها؟ ما هو الحل الأمثل للقضية الكوردية في سوريا برأيك، هل هو: حقوق المواطنة أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية؟

موضوعة "عدم الاستقواء" والحل السلمي ليس إلا علكة بصقها النظام بفم من اعتاد لوكها وسوقها في أوساط المعارضة فكبلت نفسها بتبنيها، بينما الاستقلال يتطلب تقديم ضحايا واستخدام كل الوسائل المشروعة وليس الوسائل التي يقرها النظام فقط، لأنه حاليا يسمح فقط بالتوسل له همسا. بينما في المقابل يستقوي النظام بجميع الأبالسة على شعبه ليظل متحكما بمصيره. أما ما يخص الطرف المقابل، أرى أنه يوجد معارضون في سوريا، لكن لا أرى معارضة بالمعنى المؤسسي، ربما يستثنى نسبيا الشارع الكردي وذلك لاعتبارات كثيرة، في أولها أن الشارع العربي تم لجمه في الثمانينات بعشرات ألوف الضحايا، يهدده النظام بتكرارها في أي لحظة مقابل صمته، بينما نال الكورد نصيبهم من الدم مؤخرا حين انفرد بهم الحاكم في 12 آذار 2004م. لذا نلاحظ أن جل نشطاء ومثقفو البلد من مختلف المكونات يتوزعون بين القبور والسجون والمنافي. وجدير بالإشارة نجاح النظام الباهر بعزل المعارضة السورية عامة عن رصيدها الكردي، وبعضهم يقلد النظام بموقفه من الأكراد. وما من شك في عودة التنسيق مع الأكراد مقتل الاستبداد.

من وجهة نظري الحل الأمثل للقضية الكردية هو الحل الممكن فعليا لا نظريا، وأعتقد على الأقل مرحليا لم تعد لدى الأكراد الرغبة الجامحة بالانتساب للجبهة الوطنية التقدمية أو الوعود بنيل بعض الحقوق الثقافية المبهمة، هذا لم يعد يقنع أحد في الشارع السوري، خصوصا وأن وسائل التواصل الحديثة كشفت أن للأقليات حقوقا تتمتع بها في دول العالم وهي ليست صدقة، ولا تستثني حتى أقليات صغيرة عدديا كالإيزيدية أو اليهود السوريين، فما بالك أن يخص الموضوع ثاني أكبر قومية في البلد. أرى أن التخويف من خطر الحلول الجذرية كالفيدرالية أو الحكم الذاتي لا أساس له، لقد زرت معظم دول العالم المتقدم، وشاهدت أشكال العيش في الفيدراليات مثل ألمانيا وسويسرا وغيرها، ولم أر فيها سوى كل ما يستهوي المرء ليقول "ليتني ولدت في هذا البلد الآمن والذي يحترم الناس فيه بعضهم بعضا وللجميع حقوق متساوية". أعتقد أن العربي والسرياني حين يعملان من أجل نيل الكردي كامل حقوقه بما فيها حق تقرير المصير هو في صالح الجميع، وإلا ماذا يعني أن يتاجر الحاكم المستبد بدولة الوحدة الوطنية المزعومة والتي يتمتع فقط هو وحاشيته وأهل بيته بأمنها وخيراتها ووحدتها..! ولماذا يكون مرعبا وضارا إطلاق تسمية لواء أو محافظة أو إقليم كردستان في شمال سوريا، سيبقى في مكانه ولن ينتقل لجنوب غرب مهما تغيرت تسمياته. بل سيكون في صالح العرب وبقية المكونات إلى جانب الكورد. لكن نعود إلى نص السؤال والحل الأمثل هو الممكن وليس الذي نتمناه.. وهذا ما يتم رسمه تحت قبة برلمان سوري منتخب ديمقراطيا ولن يتصدق به أحد. وهناك أمثلة حية وقريبة، فلننظر إلى جوارنا وما حل بكردستان العراق، تحول لنجمة مضيئة في النفق الشرقي المظلم، وهاهو رئيس الإقليم الفيدرالي يمارس مهامه الرئاسية في ولاية أخيرة على خلاف ما عهدناه في المنطقة عموما. ومهما أخذ من أشكال التطور سواء إقليما فيدراليا أو دولة مستقلة فهو وفقا لمنطق وروح التطور الطبيعي للمجتمعات لن يكون سوى مثالا للتوجه الديمقراطي العام ولن يكون عائقا بل سندا لتطور المنطقة بمجملها. 

نشرة سوبارو :  ما السبيل برأيك لتقوية المعارضة، ومستقبل سوريا إلى أين؟

ج:

المعارضة السورية مفككة نتيجة تفشي أمراض النظام بأوساطها وفي مقدمتها "الأنا" والفوضى المزمنة. ولا أتوقع للمعارضة الحالية أي تأثير جدي على نظام الاستبداد ما لم يتم ايجاد مرجعية بكاريزما مقنعة تقف على قمة الهرم المعارض من مختلف المكونات وتكون بمثابة مرجعية فعلية مؤتمنة ثم بعد ذلك يمكن التكهن بالتشكيلات التحالفية أو الحزبية وبناء المؤسسات المعارضة. معارضة اليوم هي "شغل دراويش" وكلما ظهر بينها "اخو حفيانة" يتبعه الغاوون، ويصفقون له حتى تتعب أكفهم فيبدأون بالبصق عليه، ويحملونه موبقات مرحلة بمجملها وفي المقابل يستمر تأليه أتباعه له.

أتوقع مستقبلا أن تستيقظ ثلة من الشباب السوريين من شتى المكونات ويكونون نواة معارضة حقيقية مدعومة بالمال والعقل والانضباط، وقتذاك تُضع تشكيلات وأحزاب المعارضة الحالية التي شاخت على الرف وتنعم بسباتها الشتوي، وهذا سيقوم به الشباب حصرا، لأن أحد أهم عوائق تقدم المعارضة هو الحرس القديم وعجائز التوريث والمحسوبيات، أما ثورة الشباب فلا شك قادمة ولن يؤخرها الكهول طويلا. 

* علي الحاج حسين – ناشط حقوقي مستقل – بلغاريا صوفيا