مصطفى كمشيش

قنوات الحوار المفتوحة داخل الجماعة تغلق الطريق أمام ظهور الجبهات

"جبهة المعارضة" مسمى استهوى بعض الإخوان

أكثر ما يثير الجدل حول اللائحة الداخلية مبدأ "فصل السلطات"

علي عبد العال

صحفي مصري/ القاهرة

[email protected]

في هذا الحوار يوضح مصطفى كمشيش حقيقة الحديث الدائر إعلاميا وداخل بعض أروقة جماعة الإخوان المسلمين حول ما بات يعرف بـ "جبهة المعارضة". مؤكدا أن هذا المسمى وإن كان روجت له إحدى الصحف إلا أنه استهوى بعض قيادات الجماعة الذين شرعوا يؤكدون عليه في تصريحاتهم.

ويشير القيادي الإخواني في محافظة الجيزة إلى وجود أجيال مختلفة داخل الجماعة وربما يشهد الجيل الواحد آراء متعددة وأفكار متباينة حول بعض خيارات الحركة. لكن ما يعيب ذلك ـ برأيه ـ هو تترس بعض أصحاب الأفكار بأفكارهم ظنا أنها صواب لا تحتمل الخطأ، وأن أفكار غيرهم خطأ لا يحتمل أي صواب !!. ويرى كمشيش أن ما يحسم هذا التباين هو فاعلية الشورى من ناحية، وإعادة النظر الفترة تلو الفترة في الإطار الفكري والحركي للجماعة وخياراتها لتواكب مستجدات الواقع ومتطلباته.

ومصطفى كمشيش داعية إسلامي، وخطيب، وكاتب له العديد من المقالات والأبحاث، فيما يخص الشأن الإسلامي عموما والدعوي خصوصا.

.. فإلى الحوار:

* تردد أسمك من بين ما بات يعرف إعلاميا بـ "جبهة المعارضة"، لكن حسب ما لديكم من معلومات هل ترى أن هناك جبهة بالفعل أم أن الأمر لا يتعدى مساحة إعلامية أخذها النقاش أكثر ما يستحق؟

ـ أسم جبهة المعارضة، أظن أن الذي أطلقه أحد محرري صحيفة "المصري اليوم"، مع التوقف عن الخوض في أهدافهم من وراء ذلك، فعندما أجرى أحد محرريهم اتصالا بي يطلب تعقيبا حول تداعيات أعقبت نشر بيان مناشدة فضيلة المرشد بمقاطعة الانتخابات فقد أكدت له أنه لا يوجد ما يسمى بـ (جبهة المعارضة)، وإذا كانت فإنني أؤكد على أنني لست عضوا فيها. وأكد لي المحرر التزامه بكتابة ذلك، لكنه للأسف صدرت الصحيفة في اليوم التالي بالتصريح دون الإفادة عن انعدام ما يسمى جبهة المعارضة، ولقد تأكدت من بعض الموقعين على البيان أنه ما قال أحد منهم أن البيان يمثل أو يعبر عن جبهة ما.

"جبهة المعارضة" مسمى استهوى بعض الإخوان

*لكن هناك أكثر من عضو في الإخوان ممن نسب إلى هذه الجبهة تحدث لوسائل الإعلام مؤكدا وجود "جبهة" بالفعل، وبعضهم قال انه تم تحويله إلى التحقيق وخير بين البقاء في الجبهة أو حتى الفصل من الإخوان، أذكر على سبيل المثال: محمد حشيش، والمهندس حازم قريطم، عضوا الجبهة في البحيرة.

ـ ربما، لكنني أؤكد على ما جرى بالفعل، وربما استهوى أحدهم الإسم، أما موضوع التحقيق مع الأخوين الكريمين فقد تابعته اعلاميا كغيري، قيل جرى تحقيق، وقيل ردا على ذلك أنه كان لقاء عابر جرى فيه طرح الموضوع دون ترتيب، ويبقى أن أؤكد (فيما أعلم) أنه لم يجر تحقيق مع من أعرف.

*هؤلاء الثلاثة الأساتذة (مختار نوح، هيثم أبوخليل، خالد داوود) كثيرو التحدث إلى وسائل الإعلام التي دائما ما تقدمهم بوصف قيادي في جبهة المعارضة.

ـ إذن، لعله يكون من الأنسب توجيه هذا السؤال لهؤلاء الكرام.

* طالما لم تكن هناك جبهة برأيك، فهل يمكن تسميتها فريق أو تيار إصلاحي داخل الجماعة؟

ـ جاءت إجابة كثير من قيادات الإخوان تؤكد وتكرر أنه لا يوجد تيار اصلاحي وآخر محافظ داخل الجماعة، وأن هذه تسمية إعلامية فقط ليست لها صدى في الحقيقة. وأجدني أوافق على ذلك، إذ لا توجد لافتات داخل الجماعة تنضوي تحت كل واحدة منها مجموعة من الإخوان دون سواهم، لكن يوجد داخل الإخوان أجيال مختلفة بتجارب تميز كل جيل عن غيره، وأيضا يوجد داخل الإخوان (وربما في الجيل الواحد) آراء متعددة وأفكار تفصيلية متباينة حول بعض خيارات الحركة والتنظيم. لكنني أعتقد أن إطار الجماعة الإسلامي الشامل السلمي المعتدل المتدرج لا يختلف عليه أحد، وهو يمثل حالة فريدة من التوافق الضخم داخل صف الجماعة، لكن عندما ننتقل إلى التفاصيل التنظيمية والتربوية والدعوية والسياسية والحركية تتنوع الاجتهادات، وربما يبدو للمتابع أن القناعات المختلفة تمثل نوعا من أنواع التيارات.

* هل يمكن أن نقول إن الإخوان باتت تشهد ما يمكن أن نطلق عليه صراع أجيال؟

ـ لا أحسب (مطلقا) أنه يوجد في الجماعة ما يُسمى بصراع أجيال، لكننا يمكن أن نقول أنه تباين أفكار، وإذا شئنا الدقة قلنا تزاحم أفكار، أشد ما يعيبه (أحيانا) هو تترس بعض أصحاب الأفكار بأفكارهم ظنا أنها صواب لا تحتمل الخطأ، وأن أفكار غيرهم خطأ لا يحتمل أي صواب !!. وبعض هؤلاء يرون أن أصحاب الأفكار الأخرى أنهم مجموعة من المشاغبين أو المتمردين أو ناقصي التجربة أو لم يكتمل بعد البناء التربوي والإيماني لهم، وربما يصفهم بعضهم بأنهم من الساعين إلى الشهرة أو الذكر بين الناس في تفتيش عن النوايا لا يجوز، وأحسب أن هذا غير صحيح.

بينما يرى آخرون أن بعض القدماء ومن وافق رؤاهم هم مجموعة من المسنين أصابت الشيخوخة مواقفهم ورؤاهم، وأحسب أن هذا غير صحيح أيضا.

وفي ظني أنه بسبب وجود أجيال متعددة داخل الإخوان ولكل جيل تجربته التي يتصور بعضهم أنها التجربة الأكثر تعبيرا عن مفاهيم الجماعة، مع تباين مناخات هذه الأجيال، فجيل التأسيس وجيل 65، وجيل السبعينيات، وجيل الانترنت والفيس بوك والتويتر لكل منهم مناخه وتجربته المميزة. وثمة قاسم مشترك بينهم جميعا يتمثل في الرغبة في العمل الجماعي لدين الله وفقا لمفهوم سلمي شامل وسطي متدرج، لكن طبيعة البشر تُظهر أن الإنسان قد ينحاز لشيخه أومذهبه أو موطنه أو قبليته أوعائلته أو تجربته وربما يكون أسيرا لها (وهذا أمر فطري وبدهي).

فلاشك أن تظهر بعض التباينات، أرى أن وجودها والتعبير عنها وانعكاسها في الخيارات المختلفة هو أمر بشري، والذي يحسم هذا التباين هو فاعلية الشورى من ناحية، ومن قبله، اعادة النظر الفترة تلو الفترة في الإطار الفكري والحركي للجماعة وخياراتها لتواكب مستجدات الواقع ومتطلباته. فما كان بالأمس ليس بالضروة أن يصلح لليوم، وليس بالضرورة هدمه أيضا، لكنني أحسب أنه من الأهمية تكرار اعادة النظر فيه للابقاء على ما يتم الابقاء عليه على بينة أو تغييره أيضا على بينة، وهنا يمكن للأجيال أو الأفكار أن تتلاقى وتتلاحم صوب أهداف ورؤى متقاربة.

خلافات الإخوان ووسائل الإعلام

*لكن بماذا تفسر ظهور تباين في الآراء عبر وسائل الإعلام، ولماذا تغضب بعض قيادات الإخوان من هذا الظهور الإعلامي للأفكار المختلفة؟

ـ ربما يخاف بعض الإخوان من وجود آراء متعددة داخل الجماعة، وربما يضيق صدور بعضهم من ظهور هذه الآراء عبر وسائل الإعلام، إذ يرغب بعضهم على اقتصارها داخل المسار التنظيمي دون سواه. وربما يريد بعض الإخوان أن تظهر الجماعة أمام متابعيها أنها على رأي واحد، وربما أتفهم المبرر الداعي لهذا الخوف، إذ يمثل شكلا من أشكال الحرص على وحدة الجماعة، لكنني من ناحية أخرى، أحسب أن مقولة الإمام الشافعي رحمه الله (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) هي ترسيخ كبير لفكرة التعددية، نفخر به في إسلامنا، ونتميز به عن كثير من المناهج والنظم.

وأحسب أنه على الحركة الإسلامية (بحكم كونها حركة اصلاحية) أن تتقدم على غيرها في هذا الميدان، فإذا كانت الأحزاب التي تأسست على مبادئ خاصة كالشيوعية والعلمانية والليبرالية وغيرها لديها ما يُسمى الالتزام الحزبي، فتنكر على أي عضو من اعضائها إذا خرج للعلن بنصح أو انتقاد لحزبه، فإن الحركة الإسلامية عليها أن تتفوق على هؤلاء جميع بسمو مبادئها، لأن القرآن الكريم قد أظهر لنا حوارا علنيا (لم يشهده أحد من البشر أو يعلم به) بين الله سبحانه وملائكته، وأظهرت السيرة العطرة حوارات علنية متعددة من الصحب الكرام مع نبيهم المعصوم، صلى الله عليه وسلم، لازال المسلمون يتداولونها جيلا إثر جيل. ودونت كتب التراجم والسير كثيرا من الخلافات المعتبرة بين أصحاب المذاهب الإسلامية مقرونة بعظيم الاحترام لبعضهم بعضا، وعلى ذلك، فإذا كانت أبصار كثيرمن الناس ترنو الآن الى حرية الغرب وديمقراطيته وتشتاق نفوسهم لها، فإن على دعاة الإسلام أن يبرهنون بالطريقة العملية بأن ما لديهم أجدر وأولي بالاتباع.

ولعل ذلك من شأنه أن يبعث برسالة لكل من يهمه الأمر مفادها: إذا كان الإسلاميين فيما بينهم يقبلون بهذا التعدد فإنهم سيقبلون به من غيرهم في مجتمعاتهم، وهذا من شأنه أن يزيل أي توجس أو خوف من المشروع الإسلامي، ولعله يجعل أفئدة من الناس أكثر تهوي إلى المشروع الإسلامي عندما يرون فيه أملا للخلاص من القهر والظلم والاستبداد.

 

لقد قال لي غير واحد من المهتمين بالشأن العام من غير الإخوان، إن ظهور آراء الإخوان المتعددة عبر وسائل الإعلام أوضحت أن الجماعة كيان ديناميكي غير ساكن، وأن الحوار قد أظهر قدرا من الثراء الفكري داخل الجماعة ما ظنناه بموجود، لأننا كنا نعتقد أن ما أشيع عن مفهوم السمع والطاعة داخل الجماعة أن أفرادها مع قيادتهم كالميت بين يدي المغسل، وقد ظهرت الحقيقة على غير ذلك.

ولذلك أحسب أنه على قيادة الحركة الإسلامية كهيئة جامعة رائدة أن تبسط رداءها ليتسع فلا يضيق، وإذا كانت تعاني من القهر والظلم والإقصاء بصبر جميل، فعليها أن تبرهن أنها ما تأثرت بمناخ الاستبداد الذي أصاب أغلب مكونات الوطن، وأنها ما أصابها ما أصاب غيرها، لأنها تحصنت بقيم دين هو أعظم نعم الله على خلقه، وأحسب أنها تدرك ذلك وتعمل على ترسيخه فيما بينها لتقدم النموذج والمثل الفريد لأمتها وللعالم أجمعين.

* كنت من بين الداعين إلى مقاطعة الانتخابات وقد تشكلت هذه (الجبهة) على خلفية الدعوة إلى المقاطعة وقد قاطع الإخوان بالفعل بقرار الانسحاب، فماذا ترى في قرار الانسحاب؟

ـ أعلن غالبية الشعب المصري ـ نظرا لطول زمن الاستبداد ـ انحيازه لفكرة المقاطعة (طبقا لنسب المشاركة في الانتخابات)، وإذا انتقلنا من غالبية الشعب إلى النخبة المصرية من المهتمين بالشأن العام فقد انقسمت أيضا إلى مؤيد للمشاركة ومقاطع لها، وظهر ذلك في مقالات مختلفة لكتاب كبار، كما ظهر الانقسام في الرأي داخل أغلب الأحزاب المصرية، ولذلك أحسب أنه من الطبيعي، بل والطبيعي جدا، أن ينعكس هذا الخلاف داخل الإخوان، ولم لا ؟ وهم جزء أصيل من نسيج هذا الشعب.

ولذلك ظهرت آراء واجتهادات خرجت للعلن من الإخوان ومن غيرهم، وأحسب أن علانية الأفكار والرؤى يتيح لها أختبارها بين الناس، فتتلقفها بالقبول أو الرفض، ثم ظهر بعد ذلك قرار مجلس شورى الجماعة بانحياز أغلبيته لخيار المشاركة، ولذلك كان من المنطقي لأي صاحب رؤية مخالفة داخل الإخوان أن يلتزم بالقرار، بل ويعمل على انجاحه، إذا كان يؤمن بالشورى أو الديمقراطية أو حتى بقيم العمل الجماعي.

وأظن أنه لم يشغب أحد من الذين نادوا بالمقاطعة على قرار المشاركة بعد صدور القرار، وفي اعتقادي أن قرار الانسحاب من الجولة الثانية قد لقى استحسانا كبيرا لدى الإخوان لأنه جمع بين المشاركة والمقاطعة، وأعترف (وقد كنت من المنادين بالمقاطعة) انتصافا من النفس بأن ما تمخضت عنه التجربة من المشاركة ثم الانسحاب وهو القرار الذي لم يخطر على بال أحد، كان من أفضل الخيارات (إذا تجاوزنا عن بدائل معتبرة كان من الممكن تحقيقها بالكلفة المادية ).. وفي هذه النقطة تحديدا يلزم التنويه إلى أهمية التفرقة والفرز البديع بين ثلاثة أوقات، قبل صدور القرار حيث تتعدد الاجتهادات، وعند صدور القرار حيث تتوحد الجهود، وبعد انتهاء العمل حيث يتباين التقييم.

فصل السلطات داخل الإخوان

 *ماذا عن المؤتمر الذي تحدثت بعض الشخصيات التي تردد ذكرها بقوة ضمن هذه الجبهة أنهم يعتزمون عقده في هذا شهر (ديسمبر) على ما أذكر؟

ـ فكرة المؤتمر صرح بها الأستاذ الكبير مختار نوح، ضمن حديث عن عدة قضايا جديرة بالاهتمام والمناقشة.. ولا علم لي بأي تفاصيل تزيد عن ذلك.  

*تردد أن بعض قيادات الجبهة سعوا إلى عقد مؤتمرها داخل مقر أحد أحزاب المعارضة إلا أن هذه الأحزاب رفضت استضافة هذا المؤتمر ما صحة ذلك؟  

 ـ لا علم لي البتة بهذا الأمر.

*إذن ما هي مآخذكم على اللائحة الداخلية للإخوان، وما صحة الحديث عن مساعيكم لتغييرها؟

ـ دون اعتبار أن ما أطرحه يمثل جبهة أو تيارا أو خلافه، ومع التحفظ على تعبير (المآخذ)، فإن ما أعتبره الطريق الأسلم للتعبير عن مطالب ما، هو الحوار والنقاش الحر الفعال، وقنوات الحوار المفتوحة تغلق مسارات أخرى كالجبهات والتيارات والانشقاقات وماشابه، وعلى ذلك، أعود فأقول إن اعداد اللوائح يتم لتنظيم الأعمال، ولتشكل إطارا حاكما عند الخلاف، وهي من المتغيرات سواء للجماعة أو لأي جهة أو مؤسسة تنظم أعمالها عبر لائحة، ولا مانع من دراسة المقترحات المطروحة لتعديل بعض بنودها، وكما لا يصح لأحد الشغب عليها طيلة فترة سريانها لا أرى ما يمنع من إعادة النظر فيها كل فترة، ولعل أهم نقطة كثر الحديث عنها داخل اللائحة هي فيما يتعلق بالقيادة الموحدة لمجلس الشورى ومكتب الارشاد، ومجالس شورى المحافظات والمكاتب الإدارية بها، وأرى أن إثارة هذه القضية (داخل الإخوان) انعكاسا لإثارتها داخل المجتمع, فلم تتوقف مطالبات الجماعة عبر نوابها وغيرهم، والأحزاب, والنخبة, للحث على تحقيق مبدأ فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية), وإذ رأى بعض الكرام من الإخوان المختصين بصياغة اللائحة أن تغيير اللائحة (من الأسلم) أن لا يكون انعكاسا لأزمة, لأهمية أن يكون القانون مجردا, بالإضافة الى ادراك مشكلات حقيقية نتجت عن تجارب فصل قيادة مجلس الشورى عن الإدارة التنفيذية في بلدان أخرى (الأردن مثلا), إذ تصادمت بعض القرارات الصادرة عبر كل مسار.

ولعله من الأهمية تفهم هذه المخاوف, ولعله من الأهمية أيضا النظر بعين الاعتبار لتطلع بعض الإخوان لرؤية ما ينادون أنظمتهم به (كالفصل بين السلطات) مطبقا في جماعتهم, وبشكل عام, كلما رأى الناس أن من يلتزم أولا بما يطالب به, فسيكون ذلك أجدر لقبولهم, وهذه هي القدوة.