الشاعرة السعودية ندى الرشيد

الشعر ديوان العرب وهو حالة إنسانية متفردة لا شبيه لها في هذا الكون

شاعرة مدهشة وجميلة في حزنها العميق، والضارب في عمق الأرض الأولى، والأخيرة.. من يقرأ للشاعرة السعودية ندى الرشيد، تلفحه نسائم القصيدة الجميلة، وتداعب قلبه ذلك الشيء الجميل في لغتها المتفردة، فهي تغزل القصيدة كما تغزل قطعة من ضوء في نهار استثنائي بحيث يمتزج نخيل العراق بنسائم السعودية في ذات القصيدة.. زميلنا الدكتور كمال عبد الرشيد التقى بها وكان له معها هذا الحوار الحصري لمجلة أخبار الثقافة...

مجلة أخبار الثقافة: كيف تقدم ندى الرشيد نفسها للقارئ الجزائري؟

ندى الرشيد: عادة ما لا أحب أن أتكلم عن نفسي ولكن ببساطة أنا كاتبة سعودية ولدت في العراق / مدينة البصرة.. وبداياتي كلها كانت في العراق.. درست وتعلمت فيه وأول قصيدة كتبتها كانت هناك عندما كنت صبية في الرابعة عشر من عمري.. ثم انتقلت مع عائلتي المكونة بالإضافة إلى والدتي ستة بنات وثلاثة أولاد .. انتقلنا جميعا إلى الرياض .. وكان ذلك سنة 1985 أثناء الحرب العراقية الإيرانية ( 1980-1988 ) حيث توفي والدي قبل انتقالنا بعدة سنين. تعرضت إلى خيبات كثيرة وقاسية وفقدت معظم أحلامي وأمنياتي.. وها أنا أدونها بنصوص نثرية تشبه روحي تماما في محاولة مني لاسترد كل ما فقدته سواء إن كانت أحلام أو سنين الشباب التي أكلتها الحرب وما تلاها من رواسب حزن وآسى لم استطع التخلص منها حتى عندما هاجرت إلى موطن الأصل ( المملكة العربية السعودية ).. كل هذا أحاول جاهدة أن استرده بالكتابة وأقول هنا مفردة استرده لاني لا أحب كلمة تعويض..

تقرضين الشعر.. كيف تنظرين إلى مستقبل الشعر في العالم العربي؟

ندى الرشيد: الشعر ديوان العرب وهو موجود منذ الأزل .. هو حالة إنسانية متفردة لا شبيه لها في هذا الكون.. ويعتبر بلسما للروح وشفاء لها .. ومن خلال الشعر يتعرف الإنسان على ذاته ويعرف الآخرين عليها ولو أني أراه في حالة تراجع بسبب سطوة التلفزيون والكومبيوتر والانترنت وما إلى ذلك من فنون التكلونوجيا لكنه يبقى ديوان العرب.. أمس واليوم وغدا.. وعندما أرى الصغار في بيتنا يحاول كل منهم أن يكتب بيت شعر أو ربما عدة أبيات يبرهن مدى حبه لي أو لأحد أفراد العائلة أقول الحمد لله ما زال العرب بخير.. وسيرجع العرب يوم ما على تدوينه بماء الذهب كما فعلوا في السابق..

مع ذلك ثمن من يقول أن القصيدة تراجعت أمام أجناس أدبية أخرى؟

ندى الرشيد: ربما هذا صحيح..

كما أن هنالك التداخل الذي أصبح واضحا بين القصيدة وبين القصيدة النثرية التي أثارت وما تزال تثير جدالا كبيرا في العالم العربي، بين الرفض والقبول.. أين تضع ندى الرشيد نفسها إزاء كل هذا؟

ندى الرشيد: بالتأكيد.. أنا مع قصيدة النثر بالرغم من حبي إلى القصيدة العمودية واحترامي الشديد لها.. فالقصيدة العمودية كانت ولعدة قرون النمط الشعري السائد في الذهنية العربية.. وحين أعلنت القصيدة التفعيلة عن وجودها جوبهت بالرفض القوي وعدم القبول كونها خارجة عن المألوف واتهموها بشتى أنواع الاتهامات.. إلا أن شعراء التفعيلة استطاعوا إثبات وجودهم وتأثيرهم على الناس.. وترسخت لهم المكانة بعد انزياح القصيدة العمودية دون الإساءة لها أو إلغاءها .. بل الدعوة إلى تجديدها على مستوى الشكل والمضمون..انه الصراع بين القديم والجديد.. والصراع بين الماضي والحاضر.. لكني مع كل جديد يرتقي بنا وبأمتنا دون الإساءة إلى الماضي.

طيب، وكيف تفهمين القصيدة النثرية؟

ندى الرشيد: هي شكل تعبيري جديد ابسط من القصيدة العمودية.. وربما ارق وأجمل لو توفرت فيها أساسيات الكتابة للقصيدة.. كما أنها تمنحك الحرية في التعبير أكثر ولا تستغرق الوقت الطويل عند نظمها خاصة لو كانت الفكرة مختمرة في راس الكاتب.

مع ذلك القصيدة ككل تراجعت أمام الإقبال الكبير على الرواية مثلا، ناهيك على أن العديد من الشعراء توجهوا إلى الرواية، لماذا في رأيك؟

ندى الرشيد: نعم.. ثمة كلام يدور بين الأوساط الثقافية والأدبية حول هذا الموضوع.. وان معظم الناس يقولون انه زمن الرواية وليس زمن الشعر.. لكن لو تكلمنا صراحة فان قصيدة النثر تعتبر النواة الأساسية لكتابة الرواية.. فمن خلال كتابة نصوصا جميلة وعالية المستوى سيعطي الرواية جماليتها وتوهجها الدائم وبالتالي تاثيرها على القارئ ... الرواية هي المولود الشعري لقصيدة النثر.. عمل فني رائع يسير إلى الأمام.. وكلتاهما يمثلان تعبيرا جماليا وفكريا لهذا العصر الجديد دون أن تلغي إحداهما الأخرى .

أليس لأن الرواية تحمل أكثر اهتمامات القارئ العربي، وحتى الغربي؟

ندى الرشيد: مرة أخرى سيدي هناك أحداث لا تنفع معها القصيدة.. لأنها تحتاج إلى مساحة سرد اكبر وحرية بالتعبير واختيار لمفردات لا يجوز استخدامها عند كتابة القصيدة يعني.. خذ مثلا.. حب الاطلاع على معرفة الشعوب وشؤونها لبعضها البعض والاستفادة من تجاربها ناهيك عن مشاكل الانفجار السكاني والازدحام وظروف الفرد المعيشية ومشاكل الناس باختلاف أنواعها .. كل هذا لا يمكن تلخيصه بقصيدة أو حتى بديوان وهنا تكمن ضرورة الرواية.. الرواية ضرورة ملحة يفرضها علينا الواقع الذي فرض علينا الحروب والحصار الاقتصادي والفواجع والويلات..  نحن امة ذات قدرا استثنائيا دونا عن باقي الأمم .. فقد عشنا خيبات مريرة وهزائم كثيرة كهزيمة 1948 و1967 ومازالت النكبات متواصلة..  فالعرب يستطيعوا أن يدونوا مئات الروايات التي تثري مكتبات العالم .

ألم تفكري في المغامرة مع الرواية؟

ندى الرشيد: نعم..

سأنتقل بك إلى موضوع آخر: تعرضت قبل فترة لعملية سطو من دار نشر عربية.. حدثينا عن الحادثة، وكيف انتهت؟

ندى الرشيد: نعم..  لقد حدث هذا لي بالفعل وقد سبب لي نوعا من الإحباط ليس بسبب الخسارة المادية فهي آخر اهتماماتي.. إنما بسبب هذه التصرفات المتدنية من ناشر عربي له اسمه في الوسط الأدبي.. فهل مثل هؤلاء بالفعل هم ناشرونا.. والحكاية بدأت عندما كنت ابحث عن دور نشر عربية لطباعة ديواني الأول ( كل عام وأنت لي ) ولسوء حظي وقعت عيني على مؤسسة شمس للطباعة والنشر.. بعد ذلك قمت بالبحث عنها في غوغل وعثرت على مقابلة أجرتها صحيفة لا أتذكر اسمها مع رئيس المؤسسة إسلام شمس الدين.. شجعني ما جاء به من حديث مرتب ومنمق عن الأمانة الأدبية وتسهيل أمور النشر للكاتب العربي وما إلى ذلك من ادعاءات لا أساس لها من الصحة حسب تجربتي الشخصية مع هذه المؤسسة.. وبعد ذلك قدمت طلب نشر لإسلام عن طريق النت.. وجاءت الموافقة فورية.. ثم قمت بتنفيذ شروط النشر من توقيع عقد إلى إرسال مبلغ 900 دولار ومخطوط الديوان.. وبمجرد حصوله على الحوالة ومنها لا حس ولا خبر.. ولم يطبع ديواني إلا بعد معاناة شديدة والنتيجة أني لم احصل على النسخ التي هي من المفروض أن تكون من حقي.. بعدها فوضت  أشخاصا محترمين كوسطاء بيني وبينه ليسلمهم حقي بعدد النسخ لكنه لم يحترمني ولم يحترمهم بل كان في غاية الصلافة مع الجميع .. وبعد نشري للمقال تفاجأت بورود عدة ايميلات لي .. كانت من كاتبات عربيات يشتكين نفس الموضوع من نفس الشخص وإحداهن ذكرت لي انه وللأسف الشديد عاملها بغاية الاحتقار لكن الفرق بيني وبينها أنها حصلت على النسخ التي من حقها.. لهذا جاءت مقالتي عنه وجاء تحذيري للكاتبات العربيات وبالذات السعوديات لأننا حقيقة لا يخطر في بال إحدانا إن ينصب علينا ناشر معروف.. فماذا ترك لقطاع الطرق إذن !!

هل ك "تنازلت" عن حقك الأدبي مع دار النشر التي نصبت عليك؟

ندى الرشيد: كلا ... لكني لا أحب المشاكل والقيل والقال التي لا اجني من وراءها إلا وجع الرأس خاصة لو كان الخصم مثل مدير شمس للنشر والتوزيع.. ويكفيني أني فضحته وفضحت أساليبه مع الكاتبات العربيات اللواتي هن خارج مصر عن طريق المقال الذي نشرتموه لي على موقعكم مشكورين..

دعيني أنتقل بك إلى موضوع آخر: ماذا تقول ندى الرشيد عن المشهد الثقافي والأدبي في السعودية؟

ندى الرشيد: بالتأكيد هو أفضل من السابق بكثير ..

وكيف تنظرين إلى الرواية الصادرة في السعودية؟

ندى الرشيد: إنها في مرحلة المخاض.. أو دعني أقول أنها مازالت تبحث عن شكل خاص بها ..

ثمة من يتهم الرواية النسائية السعودية بأنها "استهلاكية" بمعنى أنها لن تكون خالدة ولا مؤثرة كما تفعل الرواية الحقيقية؟ ما رأيك؟

ندى الرشيد: في رأي المتواضع كقارئة.. اعتقد أنها تفتقر إلى المضمون القوي وعمق التجربة الإنسانية.. وهذان العنصران أساسيان لشهرة الرواية وبقاءها.. وقد صدرت في السنين الأخيرة بعض الروايات النسائية بدون ذكر عناوينها هذا إن صح أن نطلق عليها مسمى روايات لأنها في رأي ليست سوى ( سوالف حريم آو حش حريم ) كما نقول هنا بالعامية.. وللأسف قد طبلت لها بعض المواقع الالكترونية وزمرت لها.. لا لأنها روايات جيدة بل لسبب ما تحمله من إساءة وانتقادات موجهة إلى المجتمع السعودي وبالذات إلى نسائه.. فأنا ضد مبدأ الإساءة.. وضد الانتقادات فيما لو كانت لمجرد الانتقاد..

وكيف تقرأين السرد الأدبي في السعودية؟

ندى الرشيد: يجب إن يقترب إلى روح القارئ ووجدانه أكثر مما عليه الآن .. وان يتحلى بالواقعية أكثر.

دعيني أسألك الآن عن مدى اقترابك من الأدب الجزائري؟

ندى الرشيد: إني من اشد المعجبين بالأدب الجزائري وعندما المح أي كتاب لروائي جزائري أو روائية جزائرية أهب لشرائه دون تردد.. فمن في الوطن العربي لا يقرا للطاهر وطار وواسيني الأعرج أو أحلام مستغانمي أو ..  والقائمة طويلة .. انه أدب بلد المليون شهيد..

وماذا تقرأ ندى الآن؟

ندى الرشيد: الحقيقة لا يوجد شيئا محددا.. إنها مواضيع مختلفة على صفحات النت.

وماذا تكتب؟

ندى الرشيد: رواية..

كلمة ترغبين في قولها لقراء مجلتنا؟

ندى الرشيد: شكرا ألف شكر لهذه المجلة الصرح الكبير التي تمد جسور التواصل والمحبة بيننا جميعا في وطننا العربي.. والتي أعطتني هذه الفرصة الذهبية كي اعرف القارئ العربي بي.. كما إني من خلالها أود أن اشكر كل من كتب لي وساندني ووقف إلى جانبي في تجربتي المؤسفة مع مؤسسة شمس..  وأولهم الأستاذ الفاضل د . كمال عبد الرشيد .. وأتمنى أن أكن دائما عند حسن ظن القراء العرب جميعا وشكرا ..