حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة 8

أشرف إبراهيم حجاج

حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة

الحلقة الثامنة

حوار ذاتي في عهد الضياع

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة

[email protected]

[email protected]

الشعب المصري المطحون أصبح عاجزا عن تبليغ صوته للمسئولين بالوسيلة التى شرعها الله وهي النطق باللسان ، أو الكتابة بالقلم ، أو حتى الإشارة باليد ، فهو القائل : " خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) " الرحمن ( 3  4 ) وهو القائل " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) " ( العلق 3  4 ) .

وهو القائل " أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) " ( البلد 8 – 10 ) ( والنجدان أي الطريقان : طريق الخير وطريق الشر)

 ولم يعد أمامهم  للمطالبة بحقوقهم أو بعضها ، أو الاعتراض على قرارات حكومية ساقطة  إلا المظاهرات ، والاعتصامات ، والإضرابات .

 وقد صدرت أحد الأركان المخصص لي في موقع"منزلاوي" بعبارة دائمة نصها " أنا لا أبالي إن لم يكن على رأسي تاج ، ما دام في قلبي عقيدة ، وفي يدي قلم ، وفي فمي لسان " .

 **********

 كان هذا هو المدخل للحوار :

 قال صاحبي هذه المظاهرات والاعتصامات والإضرابات لم تأت بالثمرة التى يرجوها أصحابها . فما فائدتها إذن ؟

 وأقول لصاحبي : ثبت أنه لا أثر لها في عالم المضربين والمعتصمين والمتظاهرين ، ولكنها بالغة الأثر في الاقتصاد القومي ؛ يترتب عليها خسارة عشرات الملايين حيث لا انتاج . والمسئولية ليست مسئولية هؤلاء ، ولكنها مسئولية النظام القائم الذي لا يهتم إلا بمظهرية الحكم ، وتثبيت الكراسي ، والانتصار للمنافقين من حملة القماقم .

 سأل صاحبي لكن من حقي أن أطرح سؤالا مؤداه : وأين وسائل الإعلام ، وخصوصا الصحف للدفاع عن هؤلاء المسحوقين ؟

 ضحكت من " طيبة " صاحبي وقلت إنهم يحملون القماقم ، ويرفعون آيات الولاء للحاكم الأكبر ، وكبار حوارييه . " وكله بحسابه ". وقد تحديت  ومازلت أتحدى  أعضاء من أسميهم " هيئة مدرسة المستنقع " من رؤساء الصحف القومية ، وكبار الكتاب فيها أن يعلن كل منهم دخله الشهري الذي يحصل عليه من حكومة النظام المباركي . فهذه الصحف تسلك أحد طريقين ، أو كليهما :

1-  الحملة الضارية على كل ذي رأي حر يعارض النظام الحاكم .

2-  تبرير أخطاء النظام القائم ، بل الحكم عليها بأن هذا هو " الصحيح الأوحد " .

 إنه النفاق الملعون ، وما أبلغ القرآن في حكمه على النفاق ، إذ قال تعالى : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " النساء 145 . وقال تعالى " الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) " التوبة ( 67 – 68 ) . وقال تعالى " ..... يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " الفتح (11)

 **********

 قال صاحبي لكن صفة النفاق ليست من ملامح الصحفيين فقط ، بل هي أصبحت صفة شاملة ، يكاد يصدق عليها قول الشاعر :

أنت المليك عليهمو          وهم العبيد إلى القيامة

 قلت لصاحبي : إن لي في مثل هؤلاء قصائد وقصائد أجتزئ منها بالأبيات الآتية :

 إن قال سيدهم " لا " فهْي كِلمتهم          وإن يقل " نعم " قالوا " نعمْ " نعمُ

 عُميٌ  عن  النور في أذانهم صممُ          لا  ينطقون   بحق    إنهم     بكم

 يرضون بالدون  والدنيا إذا نعموا          أما    إذا   ح ُرموا أطماعهم نقموا

 كأنهم  في  مسار  العمر قد خُلقوا         بلا   عقول   فهم   في  عيشهم غنم

 ومن أعجب وقائع التاريخ أن بعض الطغاة كان يرفض بشدة أن ينافقه أحد ، فزياد بن أبيه أرعب الناس بخطبته البتراء ، فوقف أحد " الأعيان " وهو عبد الله بن الأهتم  على ما أذكر ، وأراد أن يتقرب إلى الأمير فقال : " أشهد أيها الأمير أنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب " فصرخ في وجهه أمام الناس جميعا " كذبت ؛ فإن هذا لم يتأت إلا لنبي الله داود " . ( وهو يشير بذلك إلى قوله تعالى عن داود عليه السلام : " وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " ص (20) .

 **********

 قال صاحبي : معذرة ، إني أسأل بأي لسان تتكلم ؟ إن كنت تتحدث باسمك الشخصي فلا ضير ، ولكن إن كنت تتحدث باسم الإخوان فلا حق لك في ذلك لأن جماعة الإخوان جماعة محظورة يرفضها القانون !!!!

 وأقول : ابتداء تعال يا صاحبي نفهم معنى الحظر .

 جاء في معاجم اللغة: "الحظر هو المنع والحجْر، وهو ضد الإباحة . وحظره، فهو محظور أي محرَّم"

 وجماعة «الإخوان المسلمين» تكاد تفرد.. في الساحة السياسية بإلصاق هذا الوصف بها. فيقال «جماعة الإخوان المحظورة». ويجري هذا التوصيف علي ألسنة كبار الحزب الوطني, ورجال السلطة, ومن سار علي دربهم من الصحفيين, وغيرهم.

 فلنحاول  تأسيسا على المفهوم الحق للحظر  أن نبحث عن الجماعة أو الحزب الذي يتصف بهذه الصفة ، وبالاستقراء والتمحيص اكتشفت أن المحظور هو الحزب الوطني لا جماعة الإخوان .

 فالذين يحكمون بالحظٍر, أو الإباحة في مجال الأحزاب يعتمدون علي الظاهر المشهور من التحرك والنشاط والإجازة القانونية. ويغفلون أهم قواعد الثبات والبقاء والتفوق الحزبي. وأعني بها القاعدة النفسية, أي مكانة هذا «التنظيم الحزبي» قادة, ومبادئ, وخططا في نفوس أعضائه بخاصة, ونفوس الشعب بعامة, لأن الحظر أو الإجازة لا يكونان بقرار حكومي سلطوي, ولكن بقرار شعبي عملي يصدر بلسان الحال , لا لسان «المقال», ويتمثل في ثلاثية: الحب والاعتناق والالتفاف. أي حب الأعضاء للحزب وإخلاص الود والوفاء له, واعتناق مبادئه والإيمان بها إيمانًا عميقًا, والالتفاف بمعني حماية الحزب, والتضحية في سبيله بالنفس والولد والمال.

ولننظر إلي الحزب الوطني, وترجمته تتمثل مفرداتها فيما يأتي:

1- إمكانات ضخمة من المال والمباني والحراسات وأمن السلطة.

2- أغلبية مدّعاة, قالوا إنها لا تقل عن ثمانين في المائة, وأنها لن تقل عن ذلك في المستقبل, وكل مستقبل, بل ستزيد زيادات مطردة, بذلك صرح الشاذلي ذات يوم لصحفي «بالعربي الناصري» وأقول «قلبك أبيض يا شاذلي... فالغيب لا يعلمه إلا الله».

3- براعة فائقة في فنون تزوير الانتخابات والإرادات, والتأمين «الأمني» المكثف.

4- تقديم أهل الولاء الحزبي علي أصحاب الخبرات والولاء الوطني, بصرف النظر عن مصلحة الشعب, وخصوصًا الطبقات الدنيا.

5- الوعود البراقة التي لم يتحقق منها شيء, بل تحقق بها نقيض المنشود مثل: الوعد.. بل الوعود برفع المعاناة عن المواطنين, والقضاء علي البطالة, والارتفاع بمستوي التعليم والثقافة... إلخ.

وبعد كل أولئك من حقي أن أقول إن هذا الحزب الوطني هو «المحظور» الأول في كل الأحزاب, فهو «المكروه» الأول, وهو «المعزول» الأول, فليس له «قاعدة نفسية» في نفوس الشعب, بل بني كبارهم بينهم وبين قلوب شعبنا المطحون حائطًا خرسانيًا سميكًا متينًا. فإذا سمع أحد المواطنين اسم «الحزب الوطني» قفزت إلي خاطره كلمات النفعية والادعاء والتزوير والبهرجة و«العض» علي الكراسي بأسنان أقوي من حديد «أحمد عز»! .

 وقد كتبت في قصيدة على لسان " الحاظرين " موجهة إلى " المحظورين "

( بمفهومهم المعكوس ) :

فاحترم - يا أيها الرجعيُّ - حظركْ

لا تقل لي:

"إنما الإسلام حلٌ "

إننا نرفض حلَّك

وتذكر: أنت عضو

في كيان وصْفُه "المحظورُ"

و"المنحلُّ"

فالقانونُ قد أوجب حلكْ

هل من المعقولِ

أن يَطرحَ محلولٌ

لهذا الشعب حلاً ؟

فتعقلْ

لا تجاوز بالهُراء المرِّ حدًّكْ

إننا الدولة، والجولة،

والصولة، والدستور،

والقانونُ، والسلطانُ، والجاهُ

فراجع في ضلالاتِك عقلكْ

(لنا مصرٌ ومن أمسى عليها

ونبطش حين نبطش قادرينا)

**********

 قال صاحبي : آمل أن أسمع منكم الملمح الرئيسي في كل واحد من الشخصيات الأتية :

 1- صفوت الشريف . 2- أحمد عز . 3- جمال محمد حسني مبارك .

 وأقول لصاحبي في كليمات : إنني أتحدى من يقدم لي تصريحا أو مقالا أو حديثا لصفوت الشريف لم يذكر فيه الرئيس مبارك بمناسبة ، وغير مناسبة ، وكلها عبارات منفوشة لا تليق برجل له تفكيره الذاتي " المحترم " . فمن عباراته " وكل ذلك أخذا بتوجيهات الرئيس حسني مبارك  ونحن نتبع البرنامج الانتخابي الذي خطه الرئيس مبارك ...

 أما أحمد عز فهو ينطلق من قاعدة " التوثن الذاتي " ، فيعطي نفسه الحق في التصرف في عقول الناس ، ومقدرات الأحزاب ، والتيارات السياسية الآخرى ، وبلغ به هذا التوثن أن يقول في حديث له إن الجماعة المحظورة حصلت على 88 مقعدا ، لا لمكانها بالمجتمع المصري ، ولكن لأخطاء ارتكبها الحزب الوطني ، ولن تتكرر هذه الأخطاء مرة أخرى . وتحليل هذه الكلمات تقودنا إلى ما يأتي :

1-   أنه يحتقر إرادة الجماهير التى انتخبت هؤلاء على الرغم من تعرضهم للسجن والاعتقال والضرب والقتل .

2-   أنه أعطى نفسه الحق في تحديد الناجحين في الانتخابات القادمة . ولو كنا في دولة قانونية لعزل هذا العز من منصبه .

 والسيد جمال مبارك الذي يهيئ نفسه  أو يهيئه غيره  لأن يكون الرئيس القادم ، لا يعيش واقع الحزب الوطني ، فمازال يؤمن بأنه حزب الأغلبية وهذا غير صحيح ، ولو كانت هناك انتحابات نزيهة ما حصل هذا الحزب على أكثر من 5 % .

 والسيد جمال مبارك  حتى يشغل مثل هذا المنصب  يحتاج إلى ثقافة سياسية واجتماعية واسعة . كما أنه في وضعه الحاضر بينه وبين الشعب سد منيع ، فكم تعطل المرور في خروجه ودخوله إلى مسكنه ، وكم تعرضت القرى التى يزورها إلى حرب عاتية من قوات الأمن ، حتى إنهم في زيارته الأخيرة أمروا أهل " دماص " بحبس أنفسهم في بيوتهم إلى أن تنتهي زيارة"الوريث" . وأعتقد أن واحدا من الثلاثة أو كبار المسئولين لا يستطيع أن ينزل إلى صفوف الشعب ، ويختلط بهم دون ترسانة من الأسلحة .

 وتقديرات السيد جمال تعتبر من الناحية الواقعية " مضروبة " ، دعك من الشعارات التى اختارها بنفسه مثل " مصر بتتقدم بينا " فهو أسلوب عامي خواجاتي . ولننظر إلى ما يقوله ويكرره أنه يحاول أن يرقى بالألف قرية الأكثر فقرا !!!!! . فالذين يعيشون تحت خط الفقر 44% من الشعب ، وبتعبير آخر إن عدد القرى الأكثر فقرا تمثل أضعاف أضعاف ما قدره الوريث .

 **********

 ويقول صاحبي : والحل ؟ ما الحل من وجهة نظرك ؟

وأقول : إن الحل يجب أن يكون تدريجيا ، لأن حلول الطفرة قصيرة الأجل .

 فالحل من وجهة نظري يتلخص في الأتي :

1-     أن تعيش مصر في ظل دستور عادل ، تشكل له لجنة من كبار رجال القانون المشهود لهم بالنزاهة والحيادية ، من امثال أستاذنا الدكتور ثروت بدوي ، وطارق البشري .

2-     يراعى في وضع الدستور أن يكون من أهم مواده تحديد مدة رئيس الجمهورية بمدة واحدة ، ولا تجدد إلا مرة ثانية إذا وجدت مبررات لهذا التجديد .

3-     وقبل ذلك هناك حلول تمهيدية عاجلة تتلخص في قيام رئيس الجمهورية الحالى بإلغاء حالة الطوارئ إلغاء تاما ، واحترام القضاء ، ولا يحاكم مدني تحت حكم عسكري . أما الأمن فله قانون دفنه الحكام بإرادتهم ، وهو قانون لمواجهة الإرهاب " من سنة 1992 ، نشر بالجريدة الرسمية بالعدد 29 مكررا بتاريخ 18 / 7 / 1992 . والقانون المذكور فيه دقة في الصياغة ، وقدرة وشمول في التعامل مع مظاهر الإرهاب المختلفة ، فهو قانون كاف شاف .

4-  ومن الطبيعي المطلوب أن يعلن مبارك اكتفاءه بما حكم ، ولا يرشح نفسه لمدة سادسة .

**********

 ومن حق القارئ أن يسألني : ومن صاحبك هذا الذي حاورك بأسئلته واعتراضاته الواعية ؟ . وأقول : ياعزيزي القارئ... ألم تلاحظ أن العنوان "حوار ذاتي ...". ، فأنا لم أخرج من أقطار نفسي ، وكنت أنا السائل والمسئول ، وكل أولئك كان بلسان الحال في عهد الكروب والظلم والضياع .

**********

 ومازال في نفسي طروحات ومحاورات كثيرة لا يحتملها مقال واحد ، فنكتفي بماقدمنا على أمل أن نكمل حديث النفس مع النفس في مقالات أخرى .