الشاعر عصام الغزالي

الشاعر عصام الغزالي

حوار: حسن الحديدي

وُلد الشاعر أحمد عصام الدين الغزالي خليل بمحافظة الدقهلية في 20/9/1945م في بيت قرآني فوالده فضيلة الشيخ الغزالي خليل عيد من علماء الأزهر الشريف- رحمه الله-، وتخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة، كما تخرج في كلية أصول الدين من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في دفعتها الأولى في عام 1398هـ.. له ثمانية دواوين شعرية آخرها (فستذكرون ما أقول لكم)، وله تحت الطبع ديوان تاسع بعنوان (قال: كام لبثت؟).. شارك في العديد من الندوات والمهرجانات الأدبية بمصر والدول العربية، كما داوم عشر سنوات على المشاركة في ندوة عبد العزيز الرفاعي بالرياض بالمملكة العربية السعودية.. تناولت بعض شعره دراساتٌ أكاديمية لبعض الباحثين مثل بدرية الحمد بالسعودية وحبيبة ضيف الله بالجزائر ونزهة بجاري بالمغرب وياسر حشيش بمصر.

* هل تذكر لنا أهم القصائد التي كتبتها؟

** آمل أن نتفق على أن القصيدة أهم من الشاعر والإبداع أبقى من المبدع، وقصائدي- من وجهةِ نظري- تكاد تتساوى في الأهمية لأنها تعبير عني، أما من وجهة نظر المتلقي فترتيبها يُسأل هو عنه ويجيب بترتيب تعبيرها عنه وإعجابه بها، ولكني أضيف إضافةً صغيرة، وهي أن كثيرًا من قصائد البرق السياسية تكون أقصر عمرًا من قصائد التأمل الإنسانية، والفن في النهاية أداء قبل أن يكون موقفًا، والشعر هو: كيف تقول، قبل أن يكون ماذا تقول.

* ما أهم المنعطفات في طريق مسيرتك الشعرية والنقدية؟!

** هناك منعطفات صغيرة كثيرة وما زالت تترى حتى الآن.. ولكن هناك منعطفين مهمين هما على الترتيب الزمني تفاعلي وانغماري في حركة الطلاب المصرية ما بين عام النكسة 67 والنصر 73، وأنها أعوام الثراء في التجربة والطوفان في المشاعر والصدمة في الأحداث، بدأت بالإحباط والهزيمة والاحتلال وانتهت بالاعتقال ومفاجأة  أكتوبر، ويرحم الله السادات.

أما المنعطف الثاني فهو اقترابي لدرجة الالتصاق وانكبابي لدرجة النهل المستمر من نهر القرآن الكريم منذ أكثر من ثلاثين عامًا، لقد تربيتُ في بيتٍ قرآني، ولكني لم أتخذ علاقةً مقننةً ووجباتٍ مستمرة ورئيسية من مائدته إلا منذ ذلك التاريخ، ورأيت رأي العين تأثير ذلك على أدائي الشعري، وواكب ذلك دراستي المنهجية لعلوم الشرع في كلية أصول الدين، إن صحبة القرآن الكريم دفعت الجَرم إلى مداره فاستقر َّفيه بأداء أرقى ونور مبين.

النقد والإبداع

* هل استطاعت الحركة النقدية أن تواكب الإنتاج الإبداعي في العالم العربي؟

** لا.. لم تستطع، واسأل الدكتور الناقد الذي قال لي في أحد الصالونات الأدبية، وقد انتقل من مكانه إليّ بعد إلقائي قصيدتي: "لقد قلت ما لم أستطع أن أقوله وما لا أستطيع أن أقوله"، والذي أهديته أكثر من ديوان، ولم أُفاجأ بإهماله، ولكني فوجئتُ بكتابته عن روايةٍ عاديةٍ كاتبها وزير في بلد نفطي، إنه قانون النفعية.

* ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الجوائز الأدبية المخصصة للشعر.. ما تقييمك لهذه الجوائز؟ وهل تعتقد أنها خدمت الشعر العربي؟

**  أبدأ الإجابة بالجواب عن الجزء الثاني فأقول إنها حتى الآن لم تخدم هذا الفن الراقي والأصيل، ولكنها بالترشيد وإعادة النظر في آلياتها يمكن أن تُسهم إسهامًا كبيرًا في تهيئة مناخ يزدهر فيه الشعر ويبدع فيه الموهوبون.

وإذا كنا نقول إن الشعر حصانٌ جامحٌ لا يتأتى للسياسة أن تمطيه، وإنه إن امتطته وأصبح في خدمتها فقد دجنته فتحول تلقائيًّا من جوادٍ أصيلٍ كريمٍ إلى لاهثٍ يجر عربتها فاقدًا جموحه وكرامته كأنه مخلوقٌ آخر، فإننا من باب الأولى نربأ به يجر عربة رجال الأعمال وأن يتلقي جائزته وتكريمه من الأثرياء لمجرد أنهم أثرياء!!

إن اليد العليا خير من اليد السفلى، فإن كان لأحد أن يُكرِّم الشاعر فإنه الجمهور العريض والزمن الآتي.. إنها الأمة.. هي التي تُكرِّم شاعرها الناطق بلسانها، وقد يكون تقدم بعض أبنائها للقيام بهذا الدور تعبيرًا عنها وأداءً لفرض الكفاية، ولكن ذلك مشروط بشرطين، أولهما أن تتسع وترتقي وتتسم بالموضوعية والحياد والاستظلال بأفق القيم الفنية الخالصة والاحتكام إلى ضميرٍ حيٍّ يقظ لهيئة المحكمين، وهو ما لا أراه حتى الآن في الجوائز التي ينتهجون في منحها منهج الترقية الدورية في صفوف العسكريين، إنهم يمنحونها بالأقدمية ويراعون فيها إرضاء السياسة والإعلام والتوزيع الجغرافي، إلى آخر هذه الاعتبارات مع أن الفن نشاط استثنائي من قوانين الكم ونظريات الاحتمالات!!

أما الشرط الثاني هو ألا يكون هدفها الفرقعة الإعلامية والأضواء الخاطفة للأبصار فتتحول إلى تكريمٍ لمانحيها وليس لمَن مُنِحَت لهم.

وهنا أود أن أشير إلى أنَّ من أعظم الرعاية لهذا الفن ومن أعظم الأدوار التي أُديت في سبيل ازدهاره دور الخديوي إسماعيل في رعايةِ شاعر لفتت موهبته النظر فوضعه في برنامجٍ لم يكن ليكتمل بغير القدرة المادية من برامج التثقيف وصقل الخبرة حتى توهَّج عطاؤه فمنحه من هو أهل للمنح جائزته التي هو أهل لها، إنه شوقي، منحه للشعراء ومن خلفهم قاعدة الجمهور العريضة جائزة المبايعة بإمارة الشعر التي يستحقها، والتي لم يمنحها له ملك ولا رئيس ولم تعطه إياها وزارة ولا وزير، ولم يبذل له فيها مال ثري ولا رجل أعمال، ولكني أرجع الفضل فيها إلى الخديوي إسماعيل- يرحمه الله-، إنه هيَّأ أرض البستان ولم يسعَ إلى المباهاةِ بجمال الوردة وحلاوة الثمرة.

* لماذا لا تكون هناك جائزة إسلامية عربية مماثلة لجائزة نوبل؟

** ولم لا؟! ولكن مَن يمنحها؟ ولقد قيل قديمًا إن الهدية على قدر مهديها!! هل تكون هي هذه الجوائز المسماة بأسماء حكام لا يستطيع أحدهم أن يقرأ بيتًا من الشعر، فضلاً عن أن يتذوقه أو يستشهد به؟!!

إن هذه الجائزة في انتظار هيئة غير حكومية ولا شبه حكومية لها قاعدة عريضة مثقفة من الجماهير ترعاها وتمنحها بشروط:

أول هذه الشروط أن يكون احتمال منحها لغير المسلمين ولغير العرب احتمالاً واردًا؛ لأنها تخضع للقيم الفنية والأخلاقية خضوعًا لا انحيازَ فيه ولا عصبية، وثاني هذه الشروط، وأن تخضع لآلية للاختيار لا توجب على الشاعر أن يطلبها أو يرشح نفسه لها أو أن يُوقِّع على التزامه بقبولها في حالة منحها له، إن الجائزة التي توجب على المكرم أن يمد يده لاستلامها ثم يطوق بها عنقه ليست تكريمًا ولكنها مَنٌّ، ولا بد لكي تكون جائزة من أن يكون هناك احتمالٌ لعدم قبولها، ومن هذه الشروط ألا تكون منحها ضرورة دورية حتى وإن لم يظهر من يستحقها، ولا أن تقتسم في حالة استحقاق أكثر من فرد لها، وألا تكون خاضعة لاعتبار المدة الزمنية والأقدمية كأنها مكافأة نهاية الخدمة والإحالة إلى الاستيداع.

ولعل جائزة الملك فيصل العالمية توشك أن تكون متحققة فيها هذه الشروط، ولكنها لا تعتبر جائزة للشعر لكثرة فروعها، فلقد أُنشئت على غرار جائزة نوبل ولم تراعَ فيها خصوصية الشعر في الثقافة والحضارة العربية والإسلامية.

* كيف ترى الآثار التي أفرزتها الانقسامات الفنية في الشعر العربي؟

** أهم هذه الآثار هو ظهور أجناس جديدة من الأدب منها في كل جنس الجيد والرديء وليست هناك مشكلة إلا عند مَن يصرون على أن حديقة المجد ليس فيها إلا كرسي واحد وأن فاكهة واحدة أفضل الفاكهة وتغني عن التنوع.

وإجابتي هذه لا تدل على إنني لا أفضل ولا أميل إلى لونٍ من الإبداع، ولكني لا أفرض ولا أصادر، إني أترك الأزهار تتفتح وأعلم أن النحلة والفراشة ستحومان حول الأجمل والأعطر، وما النحلة والفراشة إلا الجمهور والأيام.

المؤسسات الثقافية

* ما قراءتكم للوضع الحالي للمؤسسات الثقافية؟ وما الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه في مواجهة غزو العولمة؟

** العولمة إن كانت التقاءً وارتفاعًا فلسنا في طلبٍ أن نواجهها فهي ليست غزوًا، أما إن كانت هيمنة وابتلاعًا فإن الاصطدام حتمي والخسائر لاحقة بالبشرية كلها.

أما المؤسسات الثقافية فوجودها كأنه المصل الواقي- لا أقول من المرض- ولكن أقول من الصحة والعافية، إنها مثل الجرثومة الضعيفة التي يحقن بها المرءُ لتستفز مناعته فلا تنجح في غزوه الجرثومة القوية، وهذا تشبيه في صورة سالبة، فإن المؤسسة الثقافية الضعيفة والمغرضة تفرز في الواقع الأدبي مناعة ضد الإبداع الأرقى والازدهار، إنها رسم على ستارة المسرح التي لا تنفرج أبدًا فيكتفي بها ولا يظهر من ورائها العرض والأبطال الحقيقيون.

وقارنوا بين حالَي الثقافة والإبداع في نصفَي القرن الماضي لتدركوا أثر وجود وزاراتٍ للثقافة ووزارات للإعلام ومجالس عُليا لهذا وذاك!!

* الشاعر الكبير عصام الغزالي أين هو من قضايا الأمة؟ وأين شعره من نهضتها واسترداد عافيتها ثقافيًّا؟

** أنا أعيش ما نحن فيه، وأحرص على أن أُعبِّر عن نفسي، وأعبر عن الواقع لأنني جزءٌ منه، وأحرص على أن يكون تعبيري عني وعنه بين قوسين- لا ثالث لهما- هما الصدق والجمال.

* هل لديك أقوال أخرى؟

** لديَّ، ولكن هل لديك صبرٌ؟ وهل لديك مساحة؟ وهل لدى المجتمع قبول وتسامح؟ وهل لدى الأوثان رضا بأن نُحطمها ونُعلِّق في عنق كبيرها الفأس؟

وهل لدى هذه الغابة استعداد لأن يُغرِّد فيها عصفورٌ فينسيها عواء الذئب ونعيق الغراب وفحيح الثعبان؟.