حميد نوفل:الفنان هو نقطة البداية والنهاية في هذا الكون

حميد نوفل:الفنان هو نقطة البداية والنهاية في هذا الكون

حسن سلمان

الخروج من باب الفكر والدخول في باب الفعل هدف الإنسان الطموح , والفن هو فعل مبتكر يمشي على رجلين من فكر ويستخدم يدين من سحر , هذا هو الفن ينوس بين فكر ما , وفعل ما . وفي معرض الفنان حميد نوفل كانت تنوس الألوان بين الواقع والحلم ما تكاد تلتقطها كحلم حتى تستيقظ وما تكاد تدركها حتى يغافلك الحلم .مع حميد نوفل كان لنا الحوار التالي:

- بداية , دعنا ننطلق من العنوان .... ماذا تقصد بكلمة انعتاق ؟

-الانعتاق هو بداية حالمة للانعتاق من الظلمة , التي نعيشها بشكل كامل في كل ظروف الحياة . وقد حاولت بطريقتي الخاصة استخدام الحلم للانعتاق من كل الضوابط الموجودة , حيث ترى في اللوحات ألوان صارخة جداً , صرخات تكسر حواجز معينة تحيط بنا من كل جانب , ففي الحلم مصداقية أكثر , لا يوجد تجميل أو تزيين , ليبدو الحكم أكثر حقيقية من الواقع . لذلك أحببت أن أقول إنه انعتاق على صعيدي الذاتي فقط , إذا استطعت أن أحصل على هذا الانعتاق داخلياً فقط , أكون قد كسبت رضا النفس وعرفت موقعي في هذه الفوضى الموجودة في الحياة لأثبت لنفسي أنني قادر عبر مجموعة من الأحاسيس أن أبحث في محيطي بشكل ما . في المعارض الماضية كان هناك قتامة أكثر في اللون لكن في هذا المعرض بالذات أحببت اللون الصارخ الذي يعبر عن الفوران الداخلي في أحاسيسي ومشاعري , فحاولت أن يكون هذا العنوان ((انعتاق )) هو تحرر داخلي للتآلف مع الموجود وأحاول قدر الإمكان الوصول إلى هذه الحالة .

-هذا يعني أنك تؤمن بمقولة (إن الفنان هو الشخص الوحيد الذي يقول الحقيقة ) .

-هذا يتوقف على مدى المصداقية في أعماله , فمثلاً هناك فنانون يقومون بأعمال ذات مبدأ جمالي فقط , أو دهشة اللحظة , في المقابل هناك فنانون يتعاملون مع لوحة تحمل رموز قد تكون أكثر مصداقية . وطبعاً الفنان الحقيقي , في أي مجال ، متأثر مباشرة ً بكل حدث يجري , وبحاول قدر الإمكان تقديم انطباع عن إحساسه بالحدث أو تصوره للحل .

-أي أن هناك أشياء لا تستطيع أن تعبر عنها بالكلمات , لذلك تعبر عنها باللون

-أنا برأيي : إن لوحتي هي الوحيدة التي لهل الحق في كشف أسراري وأموري الداخلية, أي ان اللوحة تخفي اسراراً لا استطيع ان اتكلم عنها بشكل علني لكن في لحظة وجودي في رحم المرسم امارس حريتي التامة في الفكر والرأي  . حتى لو كان هذا الرأي مخالف للاخر . يوجد مصداقية خاصة هي الامانة التي احملها بيني وبين نفسي . اعامل لوحتي بمصداقية, نالت الاعجاب ام ام تنل , هذه امور اخرى . انا اعتقد ان اللوحة تشبهني , والعكس صحيح . كي لا احس بتصلب بيني وبين هذا العمل. ولوحتي محملة بالرموز التي تعبر عن الفوضى, حتى انهاتعتبر اعادة ترتيب نفسي من الداخل.

-انت تعمل بمجال الالوان المائية ان التعامل مع هذا النوع بالذات صعب وربما تضطر في بعض الاحيان الى اعادة العمل من البداية في حال الخطأ ,؟

-طبعاً هناك حوار دائم بين الفنان والمادة التي يقدمها للاخرين والخطأ وارد في كل مجال من مجالات الحياة. لكن كيف نستطيع ان نولف هذا الخطأ باشارة جديدة او صارخة يتكون ضمن مجال اللوحة. ولكن الحوار دائم بين الفنان واللوحة أي انها سفيرته الى الاخرين, الفنان راحل لكن اللوحة باقية.

- نلاحظ في أعمالك أشياء متكررة من الطبيعة , ما هي الدلالة الرمزية لهذه الأشياء ؟

-أنا أرى أن الفنان هو دائماً نقطة البداية والنهاية في هذا الكون . وتبعاً لذلك ترى قضية تآلف هذا المخلوق الذي يحمل العقل والمخلوقات الأخرى التي تعيش بالغريزة , بمجرد التفكير بعناصر الحياة الأخرى غير الإنسان . أنا أحاول في اللاشعور أن أكون أحد هذه الأشياء , أكون مثلاً حصاناً يمارس الحرية في الانطلاق , وجموح يربطني بالأصالة , والسمكة هي علاقة المكان الذي أحس أني اقتلعت منه البحر , المكان الأكثر عمقاً والأكثر غرابة والأكثر توحداً مع كياني . أنا أحب هذا المكان الذي ولدت وتنفست فيه , هو عالمي , من خلاله سوف أنطلق لعالم آخر , سوف أعود إلى هذا العالم الذي أسميه البحر , بحري الخاص أو موطني الأساسي . أنا أغار كثيراً من ذلك الطير الذي يحلق , ويرى العالم من فوق , ولكنه معرض في أي لحظة إلى طلقة نار . لذلك أنا أعيش في حالة خوف دائم من القنص , ربما بالنظرة أو الرأي المخالف طبعاً . الرأي هو الأساس ولكن أقصد النقد الخاطئ , ومن تقزيم مشاعري كإنسان أعيش في هذا الكون . وقد أكون كذلك الطير أحلق بمخيلتي في الفضاء وأنظر نظرة عامة على الموجودات من أحداث ومخلوقات على هذه الكرة الأرضية . فعلاقتي مع أي شيء موجود في هذه الحياة علاقة مباشرة حسية أكثر منها عملية .

-أعتقد بأن بعض اللوحات توحي بحالة أشبه إلى العناق منها إلى الانعتاق .

-طبعاً , إن كل شخص يمر بظروف خاصة تكون أحاسيسه ومشاعره , أنا أعيش مع إحساسي بالحرمان الذي قد يكون مشكلاً من الصغر , هذه أمور شخصية لكن لدي وسيلة للتعبير عنها , وأنا عندما أسلم على الآخر وأحضنه وأبث روح حب تجاهه , أتمنى ذلك دائماً , يعني أنا أحاول أن أوثق هذه الحالة , أن أعيش اللحظة عبر هذه اللوحة أو اللون , بلغة أخرى لو كنت شاعراً أو موسيقياً لعبرت بطريقة مختلفة .

-بالنسبة للألوان الزاهية في اللوحات , هل تدخل في إطار التفاؤل أم ماذا ؟

-كلا , هي ألوان صارخة , أي إن طبيعة اللوحة التي أرسمها ليست تزيينية بل هي صوتي وآهاتي الداخلية , هي حالة الثورة التي أعيشها . أي إن صرخة اللون هي صرخة أحاسيسي ومشاعري . أنا أستخدم اللون الصريح , وربما القاسي أحياناً .

-أي أنك تحاول إعادة إنتاج الواقع في لوحاتك عبر رؤيتك الشخصية

-الفن التشكيلي أو عملي بالذات هو إعادة تشكيل الواقع بصيغ ذاتية خاصة . أنا أحاول إعادة صياغة الواقع بشكل آخر

الطبيعة والحياة كما هي , ولكن أحاول إعادة صياغة المحيط بشكل قد يكون جريء , لكنه متحرر من كل الضوابط و اللوازم المفروضة على اللوحة , بمنطق ما أنا بسبب خوفي من هذا الواقع أحاول أن أختبئ في لوحتي , أي إن اللوحة قد تكون منفذاً بالنسبة لي ويستطيع الآخر أن يقرأني من خلالها . .

-أين تضع نفسك ؟  بمعنى آخر هل يوجد انتماء فني معين أو مدرسة معينة ؟

-أنا أضع نفسي في مكاني لا آخذ مكان أحد , ولا أسمح لأحد أن يسرق مكاني . وأنا لدي حاجز من الزجاج أحيط به نفسي . أنا لا أنتمي لمدرسة معينة , لكن لوحاتي قد يعتبرها بعض الأشخاص تنتمي إلى مدرسة معينة , هذا شأنهم . أنا أعيش حياتي بطريقتي الخاصة , وهذا الحاجز الزجاجي الذي ذكرته ليس ابتعاد عن العالم , ولكنه هو رؤيته , يعني ممكن عبر هذا الحاجز أن يخترقني النور والحب ,لكن لا تستطيع يد أن تخترقني يعني ممكن أن أشارك الناس لكن لا أسمح لإنسان أن يخترقني بالمقابل لا أسمح لنفسي باختراق الناس . وأنا خوفي على الآخر أن ينهار في أي لحظة هو خوف على نفسي , فأنا بالنسبة للآخر آخر أيضاً .