بين العقيدة.. والقيادة

عبد الجبار محمود السامرائي

بين العقيدة.. والقيادة

لقاء مع اللواء الركن: محمود شيت خطاب

    

أجرى اللقاء: عبد الجبار محمود السامرائي

لا قيمة للإنسان بدون عقيدة تجمع شمله وتوحد صفوفه وتشيع فيه الانسجام الفكري الذي بدونه لا يتم تعاون ولا اتحاد.

إن روح الإنسان أغلى ما يملكه الإنسان، فمن المستحيل أن يضحي بها مقبلاً غير مدبر إلاّ إذا كانت لديه عقيدة راسخة وأهداف سامية.. وقد أثبت تاريخ الأمم أن الجيوش لا تهزم لقلة موادها بل لضعف عقيدتها.

وخير تعريف للقيادة قول النبي (صلى الله عليه وسلم):

" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

والقائد، من كان رأس الجماعة، وكان للجماعة رأساً.

فما علاقة القيادة بالعقيدة؟

هل يمكن أن يكون القائد بدون عقيدة؟

هل الوازع النابع من الضمير الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ضروري للقائد ليكون قائداً بمعنى الكلمة، يتبعه رجاله إلى الميدان، وينفذون أوامره عن طيب خاطر، ويكون موضع ثقتهم التامة؟

هل العقيدة الراسخة المنشئة البناءة من صفات القائد المنتصر؟

هذه الأسئلة وغيرها أمام المؤرخ العراقي المسلم اللواء الركن محمود شيت خطاب.

أثر القائد العقدي

** هناك من يقول: (الوحدة بآمرها)، و(الجيش بقائده).. فهل يصدق ذلك في جميع الأحوال؟

· نعم.. هذا صحيح وصادق، إن أثر القائد في جنوده يفوق حدود الوصف. أعرف فرقاً وتشكيلات ووحدات كانت ضعيفة هزيلة، فأصبحت بين عشية وضحاها بفضل قادتها الجدد قوية متينة. وقد رأيت وحدات عسكرية تؤدي شعائر الله، لأن قائدها يؤدي تلك الشعائر، ورأيت وحدات قريبة من الشيطان بعيدة من الله اقتداءً بقائدها.

والقائد الذي يثبت أمام الأعداء، يثبت رجاله أعظم الثبات، والقائد الذي يهرب من الميدان يسبقه جنوده في الهروب إلى ساحة الأمان.

وقد كان جيش الألمان في الحرب العالمية الثانية في الجبهة الإفريقية ضعيفاً مندحراً، فأصبح بقيادة المشير رومل قوياً منتصراً. وكان الجيش الثامن البريطاني في الحرب العالمية الثانية في شمال إفريقية قبل تولي المشير مونتكمري قيادته جيشاً منهزماً، فأصبح بقيادة مونتكمري جيشاً مظفراً.

إن فضائل القائد، تنتقل إلى رجاله بالعدوى، كما أن رذائله تنتقل بالعدوى أيضاً.

لذلك كان اختيار القائد العقدي خدمة للجيش والأمة والبلاد. وتولي قائد تافه بليد القيادة،

من مصلحة العدو ما في ذلك أدنى شك.

إن اختيار القائد العقدي الذي يتسم بصفات القيادة الأخرى ضرورة حيوية للعرب والمسلمين واختيار القائد غير الملتزم بالعقيدة الراسخة مهما تكن صفاته القيادية الأخرى،

من مصلحة العدو أيضاً دون ريب. وقد جرب العرب والمسلمون في ظروف مختلفة ومناسبات شتى، قادة لاعقيدة لهم، فكان ضررهم أكبر من نفعهم، وكان هدمهم أكبر من بنائهم، على الرغم من توفر بعض الصفات القيادية المتميزة في قسم منهم.

فقد استطاع هؤلاء تكديس الأسلحة، ولكنهم أخفقوا في بناء الرجال ونجحوا في تحطيم الرجال ، وكانت النتيجة أن الأسلحة الضخمة والأعداد الهائلة من الجنود، لم تُجدِ نفعاً حين التقى الجمعان .

إن الجيش ليس كتلاً ضخمة هائلة من البشر والسلاح، بل لابد أن تكون المعنويات العالية التي هي العقيدة الراسخة إلى جانب السلاح والبشر، ليكون جيشاً حقاً، وإلا فسيبقى

جيشاً من قوارير.. ولا أزيد.

العلاقة بين القيادة والعقيدة

  * ما علاقة العقيدة بالقيادة؟ وهل الوازع الديني من شروط نجاح القائد ؟

*للإجابة عن هذا السؤال، لابد من مراجعة تراثنا العربي الإسلامي أولاً، والمصادر العسكرية الحديثة ثانياً، ليعلم الذين لايزالون في ريب من أثر العقيدة في القيادة، وعلاقة العقيدة بالقيادة.

إن القائد الذي لاعقيدة له، لايمكن أن ينتصر في الحرب، ولا يمكن أن ينجح في السلام.

وحين تمسك المسلمون بتعاليم الإسلام، في حياة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام وأيام الفتح الإسلامي العظيم، بهروا العالم بإنجازاتهم العسكرية الفذة، وحطموا عرش كسرى

وزعزعوا عرش قيصر، وحملوا رايات المسلمين شرقاً وغرباً من نصر إلى نصر حاسم.

وقد أثبت الباحثون المسلمون وغير المسلمين أيضاً أن انتصارات المسلمين يومذاك كانت انتصارات عقيدة بدون أدنى شك.

كما أن تاريخ الحرب العربي الإسلامي، أثبت بصورة قاطعة أن النصر والمجد كانا حليفين للقادة المؤمنين وأن الهزيمة والعار كانا حليفين للقادة غير المؤمنين.

مواصفات القائد المنتصر

** ما صفات القائد المنتصر من منظور العسكرية العربية الإسلامية ؟

· إن تراثنا العربي الإسلامي، عريق جداً في ذكر صفات القائد بكل دقة وشمول، بحيث يعجب المتتبع لهذا التراث بأصالة بحوثه العسكرية ودقتها وشمولها، وحتى ليخيل إليه أن صفات القائد في تراثنا أكثر دقة وأعمق تفصيلاً وأشمل بحثاً مما هي عليه في الكتب الأجنبية الصادرة في هذا القرن.

إن صفات القائد مسطرة في بعض الكتب العسكرية الفنية وكتب الفقه الإسلامي أيضاً.

وكما يشيّد البناء الشامخ المتين على أساس قوي متين، كذلك تشيد كل صفات القائد المنتصر على أساس العقيدة الراسخة المتينة، وبدون هذه العقيدة لا قيمة لصفات القائد الأخرى، كما لا قيمة للبنيان المشيد على جرف هار.

بل يمكن القول، إن العقيدة الراسخة في القائد هي التي تتيح الظروف الملائمة له لتنمية صفات القيادة الأخرى فيه وتهذيبها، فهي أول الطريق لبناء الصفات القيادية المتميزة.

إن العقيدة الراسخة ضرورية لكل قائد، ولكل فرد من أفراد الشعب، ولكنها بالنسبة للقائد العسكري قضية مصيرية، وهي التي تميز بين القائد الحق والقائد المزيف. وليس قائداً حقاً من لا يتحلى بالعقيدة الراسخة التي تجعله موضع ثقة رؤسائه ومرؤوسيه على حد سواء. وليس هناك شخص واحد يولي ثقته قائداً متفسخاً منحلاً، لارادع يردعه ولا ضميريؤنبه.

وتبادل الثقة بين القائد ورجاله، تجعلهم يسيرون وراءه إلى النهاية، وهم لايسيرون قطعاً

إلى الموت وراء قائد لايثقون به.

ولكن القول بأن العقيدة الراسخة ضرورية لكل قائد لا تغني عن كل قول، فالواقع أنها الأساس الرصين للقيادة الرصينة المنتصرة، وعلى هذا الأساس تبنى صفات القائد المنتصر الأخرى.

فإذا تيسرت العقيدة الراسخة لدى القائد، بدأ طريقه على هدى وبصيرة، وكان الأمل كبيراً في نجاحه قائداً منتصراً.

ولكن العقيدة وحدها بدون توفر صفات القيادة الأخرى في القائد، لاتكفي للقائد المنتصر الذي يؤمل على يديه للبلاد والأمة خير كثير.

وقد كان الصحابة عليهم رضوان الله في قمة التقوى والورع، ولكن الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام ولى المناصب القيادية قسماً من صحابته توفرت فيهم العقيدة الراسخة أولاً والصفات القيادية الأخرى ثانياً. وسار على هدى النبي (صلى الله عليه وسلم) من بعده خلفاؤه الراشدون.

وسار على هدي الرسول القائد والخلفاء الراشدين كل من يريد خدمة أمته لا خدمة شخصه حسب.

ومجمل صفات القائد المنتصر هي: العقيدة الراسخة،

المحبة المتبادلة بينه وبين رجاله،

الثقة المتبادلة بينهما،

الشخصية القوية النافذة،

الإرادة الصلبة الحازمة،

الخلق القويم،

القابلية على بناء الرجال تدريباً وتهذيباً،

الحطّ الموفق السعيد،

العقل الراجح الحصيف،

التجربة العملية للإدارة والقتال،

السمعة الحسنة المشرفة،

العلم العسكري المتين،

المثال الشخصي الرفيع،

الحذر واليقظة، الحرص الشديد،

الشجاعة النادرة،

الخبرة بالرجال،

الانضباط القوي المتين،

العمل الدائب المستمر بدون كلل ولا ملل،

إجراء التفتيش الدقيق على أتباعه وقضاياهم الإدارية،

التنظيم المنطقي السليم،

التعبئة المتميزة المبتكرة،

الشورى، الصبر الجميل،

تحمل المسؤولية،

القابلية البدنية،

إتقان مبادئ الحرب،

إصدار القرارات الصحيحة بسرعة،

المعنويات العالية.

تلك هي مجمل صفات القائد المتميز المنتصر، مقتبسة من المصادر العسكرية الأصيلة، ولعل أول هذه الصفات وأهمها على الإطلاق، هي صفة: العقيدة الراسخة.

ولابد من توفر أربعة شروط إضافية في القائد المتميز المنتصر هي: الطبع الموهوب،

العلم المكتسب،

التجربة العملية،

العقيدة الراسخة.

الطبع الموهوب هبة من هبات الله سبحانه وتعالى، فكلٌّ ميسر لما خلق له، قائداً أو مهندساً أو طبيباً أو أستاذاً أو عاملاً أو فلاحاً. ولكن الطبع الموهوب لا يكفي، بل لابد من إتقان العلوم العسكرية بالدرس والتمحيص والبحث والتدقيق خاصة في هذا العصر الذي تطورت فيه العلوم العسكرية، وأصبح لاثنين وستين علماً من العلوم الأخرى علاقة مباشرة بالعلوم العسكرية.

ويأتي دور التجربة العملية، وذلك بتسخير الطبع الموهوب والعلم المكتسب لميدان التطبيق العملي، أعرف قادة في ذروة العلم المكتسب والتجربة العملية، ولكنهم لايملكون الطبع الموهوب، فكانوا مدراء مكاتب لا قادة ميدان.

وأعرف قادة فيهم الطبع الموهوب والعلم المكتسب، ولكن تنقصهم التجربة العملية، فكانوا أقرب إلى الهواة منهم إلى القادة المحترفين.

وأعرف قادة فيهم الطبع الموهوب والتجربة العملية، ولكن ينقصهم العلم المكتسب، فكانوا أقرب إلى المغامرة منهم إلى الفن العسكري الأصيل، وأعرف موظفاً في قسم الترجمة، كان حجة في العلوم العسكرية يحفظها عن ظهر قلب، ولكنه بدون تجربة عملية وطبع موهوب، فكان لا يستطيع قيادة دجاجة واحدة.

وأعرف قادة فيهم الطبع الموهوب والعلم المكتسب و التجربة العملية، ولكن تنقصهم العقيدة الراسخة، فلم يكونوا موضع ثقة رجالهم، وكانوا بوادٍ ورجالهم بوادٍ آخر.

إن اختيار القائد المناسب للقيادة المناسبة، أمانة في أعماق المسؤولين، وصدق الله العظيم:

( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) (1).

وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها، مثل قوله لأبي ذر حين سأله أن يوليه منصباً من المناصب:

" إنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".(2)

بناء الرجال 

** كيف ترون أسس بناء الرجال ليكونوا عناصر نافعة في مجتمعنا العربي الإسلامي وقوة الحاضر ودعامة المستقبل؟

·      إن الفرد له حقوق وعليه واجبات، وعليه تقع مسؤولية جزء كبير أو صغير في بناء

الأمة، ضمن نطاق عائلته ووظيفته ومهنته، والدولة لها حقوق على الأفراد وعليها واجبات تجاههم وعليها تقع مسؤولية كبرى في بناء الأمة ضمن نطاق واجباتها ومسؤولياتها، ولابد للفرد أن يؤدي ما عليه من حقوق للدولة، ليطالبها بما له عليها من واجبات، ولابد للدولة أن

تؤدي ما عليها من حقوق للفرد، لتطالبه بما لها عليه من واجبات.

ولابد أن يتعاون الفرد مع الدولة، وتتعاون الدولة مع الفرد بكل أمانة وإخلاص في مجال بناء الفرد والأمة، حتى تنهض الأمة من كبوتها وتستعيد سيرتها الأولى.

1 ـ إن الأساس الأول في بناء الرجل هو أن يبدأ المرء بنفسه، فيطهرها ويقوّم معوجها وينفي عنها الخبث، وإذا كان أبواه قد قصرا في تربيته، أو كانت مدرسته قد قصرت في تربيته أيضاً، فلا يقنط من إصلاح نفسه ولا ييأس.

2 ـ يجب أن يتحمل الآباء والأمهات واجباتهم كاملة في تربية أولادهم، فلا ينبغي وضع عبء التربية كله على المدرسة، ولا ينبغي إهمال التربية العائلية اعتماداً على المدرسة، يجب تلقين الأطفال مبادئ الدين الحنيف، وأسس الخلق القويم قبل الالتحاق بالمدرسة .

إن البيت هو المدرسة الأولى للأطفال، وفيه يوجهون إلى الخير أو إلى الشر، وكل فرد من الأفراد يذكر ما تلقاه وهو طفل من أبويه في البيت من سجايا حميدة أو بالعكس،وما تلقاه وهو طفل صغير قد يبقى معه حتى يرحل عن الدنيا.

إن الأطفال الصغار يقتبسون صفات آبائهم وأمهاتهم، والمثال الشخصي الرفيع يؤثر فيهم أعمق التأثير، فمن خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله.

والأطفال المنحرفون، والشباب المنحرف، هم نسخة طبق الأصل من آبائهم وأمهاتهم، ولاعبرة بالشواذ.

إن تربية الطفل تبدأ مبكراً حتى إذا بلغ الرابعة والخامسة من عمره والتحق بروضة الأطفال، كان مسلحاً بالتربية السليمة، وهي التربية الأساسية التي تكون قاعدة رصينة للتربية التي يتلقاها في الروضة وبعدها في المدرسة، والجامعة، ومن تجارب الحياة، وتجارب الحياة خير مدرسة للناس.

3 ـ بعد التحاق الطفل بروضة الأطفال والولد بالمدرسة، والشاب بالجامعة، لابد أن يراقب الأبوان تصرفات أولادهم، فينصحان ويوجهان ويقفان موقفاً حازماً في حالة ظهور أي بادرة من بوادر الانحراف على الأطفال والأولاد والشباب.

ولست أشك في أن الوالدين إذا أدّيا واجبهما التربوي نحو الطفل قبل التحاقه بروضة الأطفال أو المدرسة الابتدائية، فإن احتمال انحراف الطفل في دور الطفولة والشباب، وفي دور الشباب سيكون قليلاً.

إن الطفل كالعجين، يمكن تشكيله بأي شكل، لذلك كانت تربيته تربية سليمة مستمدة من تعاليم الإسلام الحنيف في مرحلة الطفولة مهمة للغاية وحاسمة في حياته المقبلة. وكل طفل يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم.

4 ـ إن الأولاد أمانة لدى الوالدين، ورب البيت الذي لا يربي أطفاله تربية سليمة مبكراً، حتى يستطيع السيطرة عليهم في دور المراهقة والشباب، وحتى يطعمهم بمصل التربية السليمة حماية لهم من الانحراف، وحتى يربي عناصر مفيدة قوية مؤمنة تفيد الأمة في حاضرها ومستقبلها ـ هذان الوالدان مقصران في حق نفسيهما، ومقصران في حق أولادهما وخائنان للأمانة، وجبانان.

القاسم المشترك

** لاشك أنكم وجدتم من خلال تتبعكم الدقيق وبحوثكم المكثفة في سير القادة العظام قاسماً مشتركاً يجمع بينهم. هل ترون أن الانكسارات التي لحقت بأمتنا العربية تعزى إلى غياب هذا القاسم .. أم غير ذلك؟

* إن التدقيق بإمعان في سير قادة العرب والمسلمين الفاتحين في أيام الفتح الإسلامي العظيم، وفي سير قادة العرب المسلمين المنتصرين بعد أيام الفتح الإسلامي العظيم، قد وجدوا أن القاسم المشترك في صفاتهم جميعاً، على اختلاف أجناسهم وطبائعهم والزمان الذي عاشوا فيه والمكان الذي ترعرعوا فوق أرجائه والظروف التي أحاطت بهم والبيئة التي تأثروا بها على اختلاف كل هذه المؤثرات التي تبني السجية وتشيد الشخصية، وتوجه الرجال، هذا ـ القاسم المشترك ـ بينهم جميعاً هو تمسكهم بعقيدة الإسلام الحنيف، ورغبتهم الصادقة في إعلاء كلمة الله.. كانوا مسلمين مجاهدين لا مسلمين قاعدين!

لقد كانوا أبطال الإسلام، لا أبطال شعوبهم التي ينتسبون إليها، وكانت العقيدة الإسلامية تملأ نفوسهم ومشاعرهم.. يؤمنون بها ولايؤمنون بغيرها، ولم تكن تحدوهم في جهادهم أية فكرة عنصرية أو إقليمية.

فإذا نحن أسبغنا على هؤلاء القادة الفاتحين والمنتصرين أو على معاركهم وأهدافهم وجهادهم في سبيل الله أية صفة أخرى غير الصفة الإسلامية المجاهدة، وإذا نحن نسبناها إلى بواعث عنصرية أو إقليمية، فإنا بذلك نجني على سير هؤلاء الأبطال الإسلاميين العظام، إذ نجردهم من أروع الحوافز البطولية وأشرفها، كما نجني على الواقع وحقائق التأريخ، لقد كانوا قادة "مبادئ" لا قادة "مصالح" وقادة مصالح الأمة لا قادة مصالح شخصية.

قادة الفتح الإسلامي من الصحابة والتابعين، كانوا في الوقت نفسه علماء عاملين، يحملون السيف بيد والمصحف بيد أخرى، وكانوا قادة ودعاة في آن واحد، يفتحون من أجل الإسلام، ويعرضون الإسلام على الناس بدون إكراه، إذ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فالإسلام دين الإقناع لا دين الإكراه.

هذه العقيدة الراسخة التي كان يتحلى بها القادة، وأولئك العلماء الأعلام الذين كانوا وراء أولئك القادة، جعلت القادة الفاتحين والمنتصرين يقودون رجالهم إلى الأمام، يقولون لهم:

(اتبعونا).

هذا الإقدام، وهذه الشجاعة، أثر من آثار العقيدة الراسخة، تلك العقيدة التي يستثير كوامنها العلماء العاملون والمجاهدون المخلصون بعملهم، المحافظون على كرامة العلم والعلماء.

نصائح .. للشباب الصاعد

** ما نصائح رجل العلم الدؤوب للشباب العربي المسلم ليكونوا قادة المستقبل عن جدارة واستحقاق؟

* ما أحوجني إلى أن ينصحني الناس.. ففوق كل ذي علم عليم، ولكن، إذا كان لابد من أن أقول شيئاً، ولا أعتبر ذلك نصحاً،إنما هو تجربة حياتية يمكن تلخيصها في جملة نقاط:

· عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.

· أحبَّ لغيرك ما تحبه لنفسك، وهذا مبدأ إسلامي بالرغم من صعوبته على النفس إلاّ أن فائدته هائلة.

· الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة الذين ابتلوا بما ابتلينا به، مثلاً: كان(معاذ بن جبل) مصاباً بالربو، وكلما اشتدت به نوبات هذا المرض يخاطب الله تعالى:

"يا رب اخنقني اخنقني.. فإنك تعلم أني أحبك".

وتلك صفات المؤمنين الصابرين.

· التحلي بالخلق العظيم، في الدار، مع الوالدين، والإخوة، وذوي الرحم، والجار، وليكن شعاري كل يوم، صديق جديد.

· حب الوطن والاستعداد للتضحية عنه في الملمات، حدّ الاستشهاد.

· الدفاع عن العرض وصيانة أعراض الناس.

· الشكر والقناعة وعدم التذمر والشكوى، لأن الشكوى تورث البلوى.

· لاتعمل عملاً في السر تخجل منه في العلن.

· قال الأحنف بن قيس:

· "ألا أخبركم بأدوأ الداء؟ الخلق الدنيّ، واللسان البذي!"

ويقول:

(ما خان شريف، ولاكذب عاقل، ولا اغتاب مؤمن).

         

الهوامش

1 ـ الأنفال 27:8

2 ـ رواه مسلم