رمضان عمر

الشاعر الفلسطيني 

رمضان عمر:

تاريخ الشعر الفلسطيني 

يُعْرَف من خلال قصائده المقاوِمة

لا بد من تشكيل مؤسسة ثقافية 

قوية تواجه الطوفان وتعيد البناء 

حاوره / ياسر علي

من جبل النار (نابلس) خرج الشاعر رمضان عمر، من أرض أصيلة إلى رحاب الشعر العربي والنقد الفني.. لم يأت شاعرنا من فراغ، بل من عمل متواصل وجدّ دراسي واضح. وقد برز هذا العام بقصيدته الشهيرة "رحيل المقاوم" التي حققت انتشاراً واسعاً. في هذه المقابلة نتحاور معه حول شؤون وشجون الشعر الفلسطيني عبر تجربته الخاصة.

 

- في البداية حبذا لو تعطي قراءنا نبذة عن سيرتك الذاتية، وتُطْلعهم على نشاطك وإنتاجك؟

o كانت قصة التلاقي مع الأرض الفلسطينية -لحظة الولادة عام 1968 بعد النكسة -هي بداية الوجود التاريخي لي. وكانت قريتي الوادعة (بروقين-جنوب نابلس) وسط فلسطين الملتهبة هي المركز الجغرافي الأول لذلك الانبعاث، عبر عائلة متدينة محبة للعلم والدين.

وقد تشكلت معالم شخصيتي الأدبية في المرحلة الجامعية الأولى عندما بدأت أشارك في المهرجان الثقافي السنوي الذي يقام في الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد بباكستان، وهي الجامعة التي أنهيت فيها مرحلة البكالوريوس. ثم انتقلت إلى جامعة النجاح الوطنية لأحصل منها على درجة الماجستير في الأدب الحديث.

وقد صدر لي ديوانان من الشعر هما: "الفرسان" و"رهج السنابك".

ولي ثلاث دراسات في الأدب والسياسة، هي: سيرة فدوى طوقان وأثرها في دراسة أشعارها، وقراءات في الشعر الفلسطيني المقاوم، والمقاومة الفلسطينية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبيق.

إضافة إلى بعض القصائد والمقالات المنشورة في الدوريات أو الجرائد المحلية أو عبر الإنترنت.

 

- نلاحظ أن الشعراء يتجهون إلى الانتشار عبر الإنترنت مبتعدين عن الطباعة، فهل أنت منهم؟

o لا ينكر عاقل تلك الثورة العلمية المزلزلة التي أحدثتها ثورة الاتصالات الحديثة، تلك الثورة التي حطمت القيود وقلبت الموازين وفتحت أبواباً موصدة أراد لها قراصنة الثقافة الدبلوماسية أن تبقى موصدة، فجاء هذا السلاح ذو الحدين ليمنح بعض الكتاب المغمورين فرصة الولوج إلى عالم الإبداع، دون أن ينثروا باقات التبجيل في باحات السلاطين، بيد أن ذلك الانفراج الجزئي لا يعني -بالمطلق- أن عالم الإنترنت قد سدّ كامل الثغرة ونسخ تلك المكانة الذهبية المرموقة التي كان الكتاب يتمتع بها.

بالنسبة لي، أذهب إلى الاعتقاد بأن الكِتاب سيبقى الرافد الذهبي الأول، والسفر الأدبي الأزلي الذي يشكل بوصلة الثقافة، ويحفظ إبداعات المبدعين. ولئن فرضت علينا بعض الالتفاتات الآنية إلى وسائل النشر المتاحة كالإنترنت؛ فإن غاياتنا المرجوة لن تتحقق إلا من خلال ذلك الورق الذي وصلنا عبر مئات السنين في دواوين البحتري والمتنبي وأبي تمام والجاحظ وابن عبد ربه...

ولعلّي من خلال هذا التصور أكون قد أجبت عن سؤالك حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك العزوف المتخيل في هجر الورق واستخدام طريقة النشر عبر الإنترنت.

 

- كيف ترى تساوق الشعر الفلسطيني خصوصاً والعربي عموماً مع حراك الانتفاضة وتفجّرها؟

o الشعر الفلسطيني عموماً لا يمكن له إلا أن يكون مقاوماً، فهو يتشكل من خلال تلك اللازمة الوصفية "فلسطيني" بذائقة الدم والعنفوان.

وتاريخ الشعر الفلسطيني -سواء أكان ذلك بأعلامه أم بموضوعاته- يُعْرَف من خلال قصائده المقاوِمة، ولقد تبددت تلك المزاعم الواهية التي زعمت بأن الواقعية الثورية التي شكلت قصيدة الشعر المقاوم قد انتهت مع البداية الجديدة للطروحات السلمية، تبددت من خلال التجدد المستمر للفعل المقاوم ورسوخه وتنشيط الذاكرة الإبداعية في النشاط الأدبي الفلسطيني المنحاز-في مجمله- لنصرة قضايا الوطن، وكل ذلك يمكن أن يلمح من خلال عملية استقرائية سريعة في الإنتاج الأدبي الفلسطيني في حقول: الشعر والقصة والفن التشكيلي.. إلخ..

ولئن كانت مرحلة الركود النضالي وسياسة العداوة الصريحة للنهج الجهادي في سنيّ الاستسلام لم تستطع أن تنسخ تلك الذاكرة الشعرية المقاومة؛ فإن سنيّ المقاومة والاستشهاد ستلهب -حتما- تلك الذاكرة وتزيد في الحجم النصّي المقاوم، وهذا ما حدث فعلاً في السنوات الثلاث الأخيرة من الانتفاضة.

أما عن تطور الشعر المقاوم فأنا أعتقد بأن النص الشعري بصفته الأدبية الجمالية هو الذي يخضع لعمليات المد والجزر في مستويات الإبداع، ولا دخل للموضوعات الأدبية -ذاتها- في عمليات التقييم الجمالية.

 

- هناك رابطة الأدب الإسلامي التي أسسها الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله (وقد لاقت بعض الاعتراضات على تخصيص الأدب)، ونراك تحمل لواء تأسيس رابطة الأدب الإسلامي الفلسطيني، ما المبررات؟ وكيف يمكن تجنّب التضييق على الشعر في تخصيص مثل هذا؟

o نعم أنا دعوت إلى ذلك وما زلت أدعو إليه، بيد أن الأمر لا يعني أبداً تجريد الفن من صفته الأدبية، وصبغُهُ صبغة شرعية وأخلاقية، بل أذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أن الإطار الذي أدعو إليه أقرب إلى المؤسسة الثقافية التي ينضم إليها مجموعة من الكتاب على اختلاف مذاهبهم الأدبية وتقارب في الرؤى الفكرية والعقدية؛ لأن الأدب في رأيي وسيلة من وسائل الدعوة نبلغ من خلالها -بالكلمة الطيبة- دعوة الله سبحانه وتعالى، وهنا يتبدد ذلك الزعم الرافض للفكرة من وجهة نظر أدبية.

 

- يبدو من قصائدك أنك لا ترتاح للشعر العمودي، فإلى أي حد تميل إلى الحداثة في الشعر؟

o من المفارقات العجيبة أن بداياتي الشعرية كانت معاكسة لما تقول؛ حيث أن الذين قرؤوا لي في تلك المرحلة اتهموني بالتقليد والتراثية بل إنني كتبت قصيدة لمت فيها شعراء التفعيلة، ومنها:

قل لي بربك هل سيصلح شعرنا    ما شعر نازك في الحياة قياسي

بُدلـــير في فن الحداثة مولع    وأخو العروبة في العراء يقاسي

شعــر التفاعيل الذي يروونه     ضَعفٌ وإعلانٌ عـلى الإفلاس

سلاّم لن يرضى بمنهج نقدهم    كلا ولــن يرضى أبو النواس

وديواني الأول (الفرسان) معظمه من الشعر العمودي؛ غير أنني اعترف بأن قدرتي الإبداعية في مجال الشعر العمودي لا تمكّنني من وصول مآرب التميُّز. ثم إنني وجدت في شعر التفعيلة ما يمكّنني من الوصول إلى غايات أريدها، ما كنت لأصل إليها من خلال القصيدة العمودية، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.

وطرق باب الشعر الحديث في الكتابة لا يعني بأنني شاعر حَداثي؛ فالحداثة بمفهومها الأعمق تتجاوز حدود الشكل وتدخل في عالم الأدلجة وفلسفة التغريب التي نحاربها ونقف ضدها.

 

- في قصيدتك الشهيرة "رحيل المقاوم" تناولت موضوع الشاعر محمود درويش والجائزة المشتركة مع شاعر يهودي، فماذا تقول في ترشيح أدونيس لجائزة نوبل؟

o جاءت القصيدة بمناسبة فوز درويش بجائزة ريمارك للسلام، التي اقتسمها مع الأكاديمي الصهيوني "دان بار أون"..

أنا لا أنكر على هؤلاء شاعريتهم؛ بيد أنني أقرأ من وراء ذلك الاختيار لثلاثة من أدباء الشرق الأوسط محفوظ من مصر وأدونيس من سوريا ودرويش من فلسطين ما يثير في الشكوك خصوصاً إذا ما نظرنا إلى المرحلة الزمنية التي تعطى فيها تلك الجوائز، والتبريرات السياسية التي تلاحق تلك التكريمات.

أما قصيدة (رحيل المقاوم) فهي لا تقدح في شاعرية درويش أو مكانته الأدبية، بل إنها تطرح السؤال الذي تطرحه تلك التعليلات المرافقة لتلك التكريمات كجهود الشاعر في "عملية السلام" في الوقت الذي يُذبح فيه الشعب الفلسطيني من الوريد إلى الوريد؛ وهنا يبرز السؤال الجدلي حول دور المثقف العربي في مثل تلك الظروف.

 

- ما هو الهاجس الإبداعي الذي يشغل بال الشاعر الفلسطيني رمضان عمر؟

o ما زالت الثقافة الأدبية في مجتمعنا الفلسطيني حبيسة الحسابات الضيقة، وهي بذلك تمثل جزءاً من الحالة العامة التي فرضت نمطية الضعف الشمولي المتمثل في غُثائية التصور على مستوياته الثلاث: السياسية والاجتماعية والأدبية، تلك الغُثائية التي قلّلت من مهابة الفعل المتوقع من نحو ومن الردود المطلوبة من نحو آخر.

على المستوى الثقافي أميركا تدعو علانية لتغيير الثقافات الشرق أوسطية تغييراً ينسجم مع مخططاتها العدوانية، بينما ينكر علينا بعض أصحابنا أن نطالب ببناء ثقافي يحفظ لنا الهوية ويعيد بناء الذات على أسس التجذر.

هذا التوجس بل الاستغراب يدفعني أحياناً إلى الصراخ الانفعالي على طريقة الخفاجي: أين انتم يا شباب الصحوة؟!!

أين انتم من هذه المعركة التي أحكمت حلقاتها من قبل الأعداء وأنتم سادرون!! ومن هنا أخاطب المبدعين من أبناء الصحوة الإسلامية أن فكّروا بجدية في تشكيل مؤسسة ثقافية قوية تواجه الطوفان وتعيد البناء، ولا تتعلّلوا بالظروف المناسبة أو التسويف فإن القافلة لا تنتظر، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

رحيــل المقــاوم

ها أنت تكتبُ ما تريدُ

ِلمَن تريدُ

ونحن نكتبُ ما نريدُ

عتَّقْتَ شِعرك بالنياشينِ الكثيرةِ

أُترِعَتْ فيكَ العروقُ

وَمسّكَ الزهوُ المجيدُ!؟

وتغلْغلتْ فيكَ النهاياتُ السعيدةُ

"كلُّ ذلك ما تريدُ.."

ورَغبْتَ عنا بالمجونِ وبالسياسة ِ

بالدهاءِ

بعلَّةِ التجديدِ

بالقمر الذي رسمتْ يداك

بظل ِنجمة!!

……….

طارت مع النَشو المُعتَّق

بين صالاتِ التنازل

كلُ أوراقِ الثبوتِ

وصار ظلُك كالمجازِ

وكالكنايةِ

لم تَعُدْ تَرنو لسوقٍ في عُكاظ أو ِمجنة!!

منحوكَ كلَ جوائزِ السِّلمِ السخيفِ

وباركوا فيكَ التعايُشَ

بين صِلِّ الموتِ

تحت السَّحقِ

دون الردِ

صِرتَ المجدَ عندَهمُ؛

لأنكَ قابلُ التقسيمِ

في زمن التلاعُبِ

لا تثيرُ الذعرَ

في قواتهم

لا تلهمُ الأحرار

لا تخفي بجعبتك الحديثة

بندقية

…….

و قنابلُ الموتِ الموشَّحِ

بالظلامِ و بالرعودِ

تصبُ ويلاتِ العذابِ على العبيدِ

وأنتَ في سِرْداِبهم

تتجاذبُ الأحلامَ

عن دنيا التعايشِ

بين أسيادِ التطرفِ

من عمالقةِ المجازر

مع عبيدِ الأرضِ

في باقي مخيمنا المهشَّمِ

وتَوضَأَتْ فيكَ

المشاربُ من خمور الراقصينَ

على الجماجمِ

فوق تلتنا العتيقةِ

قرب يَعْبَدَ والجليل

………

أين المقاومةُ العتيدةُ

في بداياتِ النصوصِ المفعمةْ ؟؟

أين الزنابقُ والورودُ لعاشقِ الوطنِ

المدجَّنِ بالسليقةِ؟؟

أين الفتى العملاق؟

(سجل

أنا عربي

ورقمُ بطاقتي خمسون ألفاً

وأولادي ثمانية

وتاسعهم سيأتي بعد صيف)

أبعدَ الصيفِ جاء شتاؤُكَ المرُ

لتحصدَ من مزارِعِنا

بصيصَ النورِ

كي تبني لك التاريخَ

بالسجادِ

بالدولارِ

بالتغريبِ في أحضانِ مَنْ سفكوا

…………….

أجرني يا ملاك الشعرِ قد هُزِمتْ

بك الأشعارُ

في مدريدَ

وانسلتْ قوافِلُنا إلى البيدَرِ

…………..

خذ العشرينَ* يا محمودُ

لا انتفعتْ بها الثَكْلى

ولا شيخٌ

ولا الرمانُ والزعتر

ولا الليمونُ يا محمودُ

واكتبْ كالذي تهوى

قصيدَ النرجسِ المعسولِ

في حاناتِ مَربعِهِم

قصيدَ حمائمِ التهديلِ

لا تكتب عن المنبر

وذبْ في الغربْ يا محمودُ

إنّ الشعبَ لم يخسرْ

ولن يخسر.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عشرين ألف يورو قيمة الجائزة التي تمنح كل عامين.