حيدر قفّه

حيدر قفّة

أجراها : محمد صالح حمزة

مُحبّب جدّاً ذلك الأثر الذي تركته الكنانة في لسان الأديب الدّاعية الشيخ حيدر قفّة.. فقد عبّ من أمواه النّيل العظيم وأخذ من علماء الكنانة ودعاتها، وانتسب للدراسات العليا في أزهرها الشريف في قسم لغة الضّاد..

عرفته منابر المساجد والمنتديات الثقافية في قَطَر خطيباً مفوّهاً ومحاضراً يتدفّق بالعطاء الفقهي والأدبي.

أغنى المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب والدّراسات الأدبية والنّقدية.. مقالاته وقصصه القصيرة ممهورة على صفحات الكثير من المجلاّت والصّحف، وفي مقدّمتها مجلّة الأدب الإسلامي التي تصدر عن رابطة الأدب الإسلامي العالمية..

احترامه الحازم للوقت وللمواعيد يولد هيبة لا تخفى لدى أحبابه وأصدقائه وإخوانه، يُعزّزها نفيه القاطع لأنصاف الحلول في شؤونه كلّها وكأنّه حمل من الكنانة، أيضاً، القاعدة المصريّة الشّهيرة: "يا أبيض يا أسود".

1- بطاقة التّعريف

اسم الشّهرة: حيدر قُفَّة.

الاسم الرّباعي: حيدر عبد الفتّاح عبد الرحمن قفّة.

ـ من مواليد قرية (أسدود) قضاء (المجدل)، لواء غزّة جنوب فلسطين عام 1943م.

ـ يحمل ليسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1972م. انتسب للدراسات العليا في الأزهر – كلية اللغة العربية – قسم الأدب والنّقد عام 1974م ولم يُتابع لظروف العمل والسياسة.

ـ زاول الخطابة والوعظ والتّدريس في مساجد قطر ومنتدياتها الثقافيّة.

ـ مارس الكتابة في الصحف والمجلاّت منذ عام 1968م، كما بدأ بتأليف الكتب منذ عام  1974م.

ـ شارك في لجان تطوير مناهج اللغة العربية بدولة قطر.

2- وماذا عن إنتاجاتكم الأدبية والفكريّة؟

هناك ما يزيد على العشرين مؤلّفاً منها:

ـ ليل العوانس (مجموعة قصصيّة).

ـ هناك طريقة أخرى (مجموعة قصصيّة).

ـ عفواً أيّها القهر (مجموعة قصصيّة).

ـ رسائلي إليها: رسائل فكريّة لمعالجة مشكلات الفتاة الجامعيّة.

ـ مع القرآن الكريم.

ـ جولات قلم.

ـ الصّحوة الإسلاميّة مواقف تستحقّ المناقشة.

وغيرها

أما الدوريات التي نشرت فيها إنتاجي الفكري والأدبي: فتزيد على /24/ مجلّة وجريدة. منها: البلاغ، والمجتمع، والنّهضة، ومنار الإسلام، والإصلاح، والمسلمون، واللواء، والرّأي، والدّستور، والمجد، والرّابطة.. الخ.

3- الساحة الأدبية تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

مما لا شكّ فيه أنّ الآلة الإعلامية لها دور كبير في صناعة الشّخصيّة، وجعلها تفرض نفسها على السّاحة –إن حقّاً وإن باطلاً، زمناً يطول أو يقصر- بكثرة الإلحاح عليها.

ولما كانت الساحة الإعلامية –في غالبيّتها- يُسيطر عليها العلمانيّون عامّة، وأهل اليسار خاصّة، عملوا على أدلجة الإعلام وإبراز رموزهم، وتشجيع عناصرهم، وفرضهم على النّاس فرضاً، في مقابل تغييب الآخر.

ولما كان عدد كبير من هؤلاء الأيديولوجيين لا يملكون موهبة حقيقية، وإنما القصد من إبرازهم ترسيخ الخطّ الفكري أو المذهب العقائدي (السياسي) الذي يؤمنون به، وعجزوا عن مطاولة الأدباء الحقيقيين، وعجزوا عن الإتيان بأدب حقيقي يُنافس ما عند الآخرين، عمدوا إلى الحداثة –والتي هي الخروج على كلّ الأصول- ليخفوا عجزهم ويغطّوا على تقصيرهم، فعمدوا إلى الغموض وجعلوه هدفاً في حدّ ذاته، وصفّقوا لصاحبه، وأفسحوا المجالات له، واعتبروه النّموذج الذي يُحتذى، فاستغلق الفهم على النّاس في ظلّ فوضى لا ضابط لها من الخروج على قواعد اللغة في نحوها وصرفها وتراكيبها وأخيلتها وصورها ومدلول كلماتها، وتجاوزوا أوزان الشّعر وقافيته مهملين موسيقاه الخارجية والداخلية مدّعين التّطوّر النافع المواكب للعصر، والحقيقة أنّهم يسترون عوارهم بهذا القفز على الأصول.

وزاد الطّين بلّة أنهم بسيطرتهم على وسائل الإعلام قدّموا هذا السّقط على أنه أدب رفيع، ونموذج يحتذى، وعتّموا على أصحاب المواهب والنّماذج الرائعة من الأدب العالي، فظهر للنّاس أنّه ليس هناك أدباء إلاّ هم، ولا أدب إلاّ ما رمتنا به قرائحهم المريضة العاجزة.

وهذه الفترة لن تطول، ولن يستمر مدّهم إلى ما لا نهاية، ولكنّها حركة ككلّ الحركات التي مرّت في تاريخ أمّتنا، واندثرت بموت الظّروف التي ساعدت على بروزها، فبمجرّد ابتعاد هؤلاء عن المنابر الإعلاميّة التي يُسيطرون عليها، وتُعطى الفرصة للآخر الذي حرصوا على نفيه زمناً طويلاً، سيعود الأدباء الحقيقيون إلى الساحة، ويفرضون الأدب الحقيقي الراقي مرّة أخرى في ظلّ الكلمة الطّيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السّماء، تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها.

أمّا الغثاء الذي ملأ السّاحة من إنتاج هؤلاء، فسيموت بالإهمال، ولن يلتفت إليه، وإنما سيظل شاهداً على فترة التّردّي والهوان التي سيطروا فيها على مقاليد الأمور.

4- أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة، وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

هذه فرية لا يقوم عليها دليل، والإسلاميون يحكمهم كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا التّصور ينطلقون في تعاملهم مع الأدب، ومع مَن ينتج هذا الأدب.

فالأدب المنتج شعراً أم نثراً لابدّ أن يكون أدباً نظيفاً، لا يخدش الحياء، ولا يصطدم مع قاعدة من قواعد التّصوّر الإسلامي، ولا يدعو إلى رذيلة، ولا يحض على هبوط، وبالتالي لا يتعامل الإسلاميّون إلاّ مع الأدب النّظيف الملتزم بهذه الركائز، ويُشجّع صاحبه.

وللأسف، إنّ كثيراً ممّن يدعون الانتساب إلى الإسلام يرفضون الاحتكام إليه في حياتهم، فكيف تتعامل مع ناس هذا حالهم؟

فكتاب الله بين أيدينا، وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم واضحة لا لبس فيها، وهما مصدران رئيسيان للتّشريع والسّلوك، ويجب أن يكون الأدب متساوقاً مع مفهوم الإسلام للحياة، ولا يصطدم معه. فكيف أقبل من أديب مسلم اسمه محمد أو أحمد أو محمود أو عبد الله أن يكتب أدباً ضدّ الإسلام في عقيدته، وتصوّره، ودعوته، ومنهجه... الخ.

والإسلاميّون دعاة، والدّاعية حريص على تأليف القلوب، ومن تأليف القلوب النّافرة التّودّد إليها لا نفي صاحبها، ولذا كثيراً ما يتجاوز الإسلاميّون عن بعض الهنات والسّقطات التي يمكن التّجاوز عنها، ولا تؤثّر في الموضوع المطروح طالما أن القصد العام يخدم الإسلام ويخدم الأدب النّظيف، ويعد عملاً نظيفاً –في مجمله- يستحقّ الاحترام، مهما كان موقع صاحبه أو اتجاهه.

أمّا موقف الإسلام من الرّأي الآخر فهو واضح وصريح في ظلّ التربية القرآنية التي تظهر من الخطوات التالية:

أولاً: رسّخ القرآن في ذهن المسلم أنّ الهداية من الله، فقد يحرص المسلم على تقديم الدّعوة والرّأي إلى الطّرف الآخر، ويبذل جهوداً مضنية في سبيل هدايته، ولكنّ الطّرف الآخر غير مهيأ لذلك الآن، فعليه أن يصبر ويحتسب، ولا تذهب نفسه حسرات عليه، لأنّ الأمر بيد الله لا بيده، وهو أدّى ما عليه، وبالتالي ليس هناك مجال للعراك أو العداوة مع الطّرف الآخر. قال تعالى: [ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ] (البقرة:272).

ثانياً: إنّه –أي مسلم- لا يُجبر الطّرف الآخر على رأيه، لأنّ القرآن علمه أنّه لا يُجبر فرد على ما هو أخطر من الرّأي وهي العقيدة [ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا ] (البقرة:256). فكيف نُجبره على رأي لنا؟

ثالثاً: ولكنّه فتح المجال لنا واسعاً لأن نستخدم كلّ مهاراتنا في الحوار والمناقشة لإقناع الطّرف الآخر باللين والرفق والكلمة الطّيبة [ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (النحل:125). [ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (العنكبوت:46).

رابعاً: وحضنا –متأسّين بالنبي صلى الله عليه وسلم- باستضافة المخالف لنا، وتقديره واحترامه وإسماعه وجهة نظرنا بهدوء ورويّة وحسن استقبال [ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ ] (التوبة:6). وكم من أديب قد ضُلّل، ونفخوا في سحره حتّى يكون عدوّاً لهذا الدّين، فأنتج أدباً غثّاً ساقطاً يُحارب به الله ورسوله وكلّ نظيف في حياتنا، وعدد كبير من هؤلاء لم يسمع بالأدب الإسلامي، فعاداه لجهله به، وهذا في حاجة لتوضيح لا إلى محاربة أو مخاصمة. وعدد من هؤلاء ثاب إلى رشده، وتحوّل إلى الأدب الإسلامي.

خامساً: أثناء عرض وجهة نظرنا، ومحاولتنا إقناعه، ومجادلته بالتي هي أحسن، لابدّ أن نحرص على شخصه، واحترامه، ولا نتعرّض لذاته أو مرتكزاته التي ينطلق منها بسوء، وندع الحجّة تناطح الحجّة حتّى تنتصر حجّتنا، عندها سيتحوّل إلى صفّنا، وسيقوم بنفسه بتحطيم أصنامه التي كان يُقدّسها فيما مضى، فلا فائدة ترتجى من سبّ أصنامه وتسفيهها في بداية النّقاش طالما أن هذه المرحلة ستأتي منه نفسه فيما بعد [ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ (لأنّه العناد الصلف) كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] (الأنعام:108).

سادساً: إذا فشلنا في إقناعه، نلتمس له العذر [ لكُم دِينُكُم وَليَ ديْن ] (الكافرون:6) ولا نعاديه أو نحاربه، ولكن نتحيّن الفرصة المواتية لمعاودة الكرّة معه مرّة أخرى، فعسى أن تكون الظّروف التي حالت دون قبوله لرأينا أو منهجنا قد زالت، فلا نتركه للشياطين تتناوشه، ولا نُعين شيطانه عليه بمقاطعته ونفيه والازدراء به [ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ] (لقمان:15).

والملاحظ في هذه النّصوص أنّ الحركة مستمرّة في التّعاطي مع هذا المخالف، ومجاورته ومحاورته والتّعامل معه، فأين النّفي إذن؟!!

بيد أنّ الملاحظ أنّهم هم الذين يستخدمون سياسة نفي الآخر ضدّ الإسلاميين –وفي جعبتي الكثير من قصصهم ومواقفهم- بالتشنيع، والتعتيم، ورفض أن يكون للإسلام أدب أو أدباء، ظانّين أنّ الإسلام مجرّد صلاة وصيام وحجّ فقط، وإنكار كلّ مزية للإسلاميين، مع كثرة ترديد الاتهام للإسلاميين بنفي الآخر من بابة (رمتني بدائها وانسلّت). ولقد كتبت عن ذلك أكثر من مرّة في جريدة الرأي، والمجد واللواء، وما في الجعبة من حوادث ومواقف لهم في محاربة الأدباء الإسلاميين أكثر مما نشرت.