حوار مع الكاتب و الشاعر إسماعيل كوسه

لا طقس محدد للكتابة عندي عندما تكتمل القصيدة في داخلي فهي تصرخ في أي وقت تشاء..!!

أجرى الحوار: حسين أحمد

[email protected]

إسماعيل كوسة -  من مواليد (1966 )خريج معهد إعداد المعلمين بالقامشلي( 1989 )كاتب وشاعر ، يكتب لأجل أن يغيرً ، يؤمن بالحوار والتفاعل الثقافيين ، ترتكز أدواته على اللغة ، وكتابة ما هو جديد إنه عدو شرس للتكرار ، والرتابة والملل ، تتميز كتاباته بالدهشة حيناً والغرابة في أحايين أخرى ، القصيدة لديه حالة  حياتية هذيانية جنونية ، يعيشها دائما في السرَ والعلن .

آما مقالاته عن الكتابة الشعرية والحداثة التي تختص الجزيرة نموذجاً تطرح إشكاليات كثيرة كالهوية والاختلاف ربما تأخذ بالقارئ إلى متاهات الأسئلة إنه يأخذ من (هيراقليطس ومن دانتي ورامبو)  والشعرية العربية ، بدءا من (المتنبي وأبو تمام )وليس انتهاء عند(  أدونيس وسليم بركات) . كما يأخذ من الأدب الكردي ( ملاي جزيري – احمدي خاني – جلادت بدرخان جكرخوين- كوني ره ش - والموروث الكردي )

إسماعيل كوسة-  يمثل بيئته بامتياز ، يتفاعل معها بروح مثقف واعِ وحر ، هذا من جانب ، وبروح شعرية صارخة ونزقة ، كأنه يحمل تناقضات بيئته ، وهذا من جانب آخر مما لاشك فيه ، انه يحمل في داخله حنينا جارفا  تكاد تبكي بين يديه الكلمات هو حنينه الكردي دائما  يلقب نفسه بقناص الألم .

سابقا أجريت معه حوارا شاملا ، نشر في مجلة كولان العربي العدد ( 75 –آب 2002  ) ولاقى الحوار إعجابا جميلا .

آما ألان بعد صدور ديوانه الأول بعنوان ( حديقة واسعة للتعب ) ولان هذا الديوان جاء مختلفا إلى حد كبير عن مجايليه في الكتابة الشعرية ، لقد توقف عندها النقاد والقراء باختلاف في الرؤيا والتقييم فمنهم حللها بصدق و برؤية شعرية واعية ومنهم من لم يقيمها بأنصاف .

من هذا المنطلق أحببت أن التقيه مرة ثانية بدل الكتابة عن مجموعته التي اتركها لرأي القراء ، أتمنى أن ينال هذا الحوار إعجاب القراء والمهتمين بالشأن الثقافي .

يقول الشاعر إسماعيل كوسه :

- أنا ابن بيئة طائشة إلى أقصى حدود الهزيمة

- قصيدة النثرهي نتاج ظاهرة الشعرية العربية

- قصيدة النثر قصيدة غامضة بكل معنى الكلمة

- ربما أنا الآدمي المنسي من التاريخ والجغرافيا والقدر

- أريد للشعر أن يكون أكثر قوة في وجه هذا الزمن الرديء

- لاشك أن أدونيس شاعر عظيم وله تأثيره على الشعر العربي كله

- أدونيس مثقف من طراز الأول أحدث خلخلة كبيرة في الثقافة العربية

- ما ينشر في الصحافة عمــوما فيه الجميل وفيه مالا يساوي بصلة يابسة

- النقد لم يواكب الحركة منذ البداية .. لذلك فدوره اليوم كبير أكثر من أي وقت مضى

- أنا شخصياَ أؤمن بان دور الشعر أكبر من كل شيء ولا أتصور نفسي بأنني على خطأ

- القصيدة هي التي تخلق طقسها المتعب فيً  شعريتي لا تحبُ البراويز والقوالب الجاهزة

نص الحوار :

س- من هو إسماعيل كوسة...؟

إسماعيل كوسه : أنا ابن بيئة طائشة إلى أقصى حدود الهزيمة ، جئت إلى الشعر ، هربا من الأنين والبراري الآثمة والطفولات المحرومة ... أخذت القصيدة إلى السؤال والدهشة والغموض ، لكي تعرف أسراري المكبلة ( بالزناجير ) لكي تعرف ، غضب الأبجدية تحت أظافري لا يمكن أن أفصل الإنسان من الشاعر في داخلي وكذلك الشاعر من الإنسان ، أنا توأم هذه العلاقة ، أتناثر في ثناياها بطيئا كشجرات الجوز عندما تثمر ..كرائحة الشواء على نار هادئة ربما أنا الدم المهدور من سلالة الشعر ، ربما أنا الآدمي المنسي من التاريخ والجغرافيا والقدر ، لا المتاهة تدرك صلصالي ، ولا ( أقواس القزح ) تنتبه لحالتي السكرانة أبداَ ، والجرح مفتوح داخل كبدي ، وحتىً آخر الكلمات

س- لكل شاعر طقوسه الخاصة به يمارسها أثناء كتابته القصيدة فما هي هذه الطقوس التي تمارسها أنت يا إسماعيل كوسة ...؟

إسماعيل كوسه : لست أسير طقوس محددة ، عندما تكتمل الحالة الشعرية لدي ، تخرج في أي وقت وأي طقس تشاء ، ولا تنتبه لأي شيء ، القصيدة هي التي تخلق طقسها المتعب فيً ، شعريتي لا تحبُ ( البراويز ) و القوالب  الجاهزة ، تحبً الهواء النقي كما الكلمات النقية .

س- تنفرد قصائدك بالعمق والإيحاء والجمال ، ما هي مصادر إلهامك الشعري ...؟

إسماعيل كوسه : ليس هناك شاعر لديه مصادر محددة ، الموهبة والثقافة سويةُ ، تعطي الشاعر الحديث رؤيته الخاصة وأسلوبه الخاص طبعا لا اعرف أن قصيدتي إيحائية وجميلة أم لا ، هذا شيء أتركه دائماً للقراء والنقاد أصلا ،لكن من جانب آخر ،اهتم بخصوصيتي ، وعلى أن يكون لي صوتي الخاص بي وحدي .

س- مار أيك بقصيدة النثر والى ماذا يشير إقبال الكثير من الشعراء على كتابة هذا النوع من الشعر ...؟

إسماعيل كوسه : قصيدة النثر هي نتاج ظاهرة الشعرية العربية ، هذه القصيدة لها عالمها الخاص ، لذلك خلال نصف قرن وأكثر أثبتت جدارتها بروح فائقة على يد ( الماغوط – أدونيس – أنسي الحاج  - سليم بركات _ شوقي أبي شقراء – بول شاوؤل ...الخ هي ذاتية أكثر مونولوجية أكثر ، بالإضافة إنها تملك مساحة واسعة من حرية الكتابة ، كما أن الإشكال القديمة تجاوزها الزمن ، فالزمن يجدد نفسه دائما ، وعلى الشعر أيضا أن يجدد نفسه ، من هنا تأتي أهمية قصيدة النثر ، وتأكيد ظاهرتها ، والإقبال على كتابتها ، قصيدة النثر , صارت لها شعراءها الذين يشار لهم بالبنات ، وصارت لها مريدوها من القراء ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهميتها ، وتأثيرها في المشهد الشعري – والثقافي على حدً سواء , طبعا قصيدة النثر كشكل شعري لا تلغي الإشكال التي سبقتها هي تطرح نفسها دون إلغاء ، لما سبقتها ، وهنا تكمن فنيتها وشعريتها معا .

س - من خلال قراءة أشعارك ، نلاحظ تأثيراً واضحاً للشاعر أدونيس على تجربتكم ... ما هي موطن هذا التأثير.. ؟

إسماعيل كوسه : لاشك أن أدونيس شاعر عظيم ، وله تأثيره على الشعر العربي كله , فهو شاعر حداثوي بامتياز ... شاعر مثله لا بد لنا أن نتأثر به ، وأنا قرأت أدونيس ، ومازلت أقرأه اخذ منه ما يفيدني ثقافيا وشعريا ، بمعنى ثقافي ، لست مقلدا له ، وإنما أنا تلميذ له ، أحاول أن أكون ذكيا قدر الإمكان ، أدونيس مثقف من طراز الأول ، أحدث خلخلة كبيرة في الثقافة العربية ، مما جعله شاعرا إشكاليا إنه بحق كما قال له أبو فخر (أنه شاعر عظيم وإنسان نبيل ) لذلك فأدونيس يستحق جائزة نوبل ، بجدارة فائقة .

س-  هل برأيك إن الشعر اليوم يحاكي الراهن ويتطرق إلى حلول لهذا الراهن ...‍‍‍؟

إسماعيل كوسه : الشعر لا يحاك الأشياء ، وإنما ينفذ فيها ، وهو لا يضع حلولا  جاهزة ، لهذا الواقع ، من هنا فإن قضية الشعر أكبر من ذلك بكثير , وأعتقد بكثير أيضا ، الشعر يغير , يهدم ، الأنساق والقوالب ثم يخلق أشكاله الجديدة وعلى أسس جديدة .

س-   ماهي أجمل  أوقات الكتابة لديك ، وما مدى تأثير الليل على الشعراء انطلاقا من مقولة ( الليل وحي الشعراء )

إسماعيل كوسه : لا طقس محدد للكتابة عندي ، عندما تكتمل القصيدة في داخلي فهي تصرخ في أي وقت تشاء ، و أحيانا تظل تصرخ أياما  وليلي  فتربكني وتقلقني دون أي اهتمام ، بأنها تغير حياتي رأسا على عقب ، أما الليل فهي قصيدة حب أبدية ، سأظل أكتبها دائماً .

س-  هل صحيح ان الغموض في القصيدة يؤدي إلى ابتعاد القراء عنها ..؟

إسماعيل كوسه : هذا السؤال يجعلني أطرح قضية الغموض ، قصيدة النثر قصيدة غامضة بكل معنى الكلمة ، ، ولكنه غموض ، موحي ، مبدع ، وهذا ما يجعل القارئ العادي يبتعد عنها ، لأنه دائما يبحث عن السهل لكن القارئ الحاذق ، هو الذي يسبر أغوارها ، ويتسلق جبالها وينهمر مع أمطارها ، الغموض ظاهرة صحية في الشعر والقصيدة السهلة ، تنسى بسهولة ، لابد من الغموض ، لان الحياة نفسها غامضة هذا إذا نظرنا إليها برؤية شعرية ، ليس هناك خوف مطلقا على القصيدة الغامضة ، أدونيس شاعر غامض ولكنه يقرأ في الوسط الثقافي أكثر من نزار قباني ، وأنسي الحاج يقرأ أكثر من سليمان العيسى وسليم بركات يقُرأ أكثر من كل الشعراء الواضحين ، مع إنه غامض جداً ...جداَ .

 س- ما هو برأيك حول ما ينشر في الصحف هل ترتقي إلى المستوى الشعري المطلوب ...‍‍‍‍‍‍‍‍..؟

إسماعيل كوسه : ما ينشر في الصحافة عموما فيه الجميل وفيه مالا يساوي (بصلة يابسة)  ولكن الصحافة بحاجة إلى النقد ، وهذا ما هو مغيب فعلا .

س- هل انحسر جمهور الشعر في ظل انتشار الفضائيات ...؟؟؟

إسماعيل كوسه : أعتقد إن القارئ الحقيقي للشعر لا يتأثر بذلك ...

س- هل بإمكان أن ترسم لنا صورة شبه متكاملة عن مسيرة الحركة الشعرية في البدايات وحتى الآن وما هو دور المؤسسات الثقافية والملتقيات الأدبية في مواكبة هذه الحركة ، و ماهي العقبات التي واجهت شعراء الجزيرة خلال مسيرتها .

إسماعيل كوسه : هذا السؤال طويل ، لكنني سأحاول مقاربة المشهد ، قدر الإمكان ظاهرة شعرية في الجزيرة عمرها الزمني ليس طويلا ، البدايات كانت على يد شعراء من أمثال ( دحام عبد الفتاح – جميل داري – منير دباغ ....الخ )لكن الجيل الذي جاء بعدهم ، أعطى دفعة قوية ، للشعر عندنا كـ ( طه خليل – محمد نور الحسيني – محمد عفيف – يونس الحكيم ) أما الجيل الثمانيني فله أهمية أخرى حيث رسخ هذا الجيل قصيدة النثر كظاهرة شعرية بكل معنى الكلمة في الجزيرة . إن المؤسسة الثقافية ، غائبة تماما ، وليس لها أي دور يذكر في المشهدية الثقافة الجزيرة ، لا بل تعاملت هذه المؤسسة مع الكتاب والمبدعين بتحفظ شديد ، والأسباب يعرفها القاصي والداني ولامجال لذكرها هنا ، المؤسسة تعاملت مع الثقافة ، كرقيب ، وهذا الرقيب ، يحمل في ذاته إشكاليات وعقد لاحصر لها . من هنا تأتي دورها ، مغيبا وغير فاعلا إلا بشكل تنازلي ، أما الملتقيات الثقافية فبتحفظ شديد واكبت الحركة .هذا الواقع المهترئ ، وجعل من الكاتب ، أسيراً ، وواجهته عقبات جمة . منها أنه ظل هامشيا ، لا يأخذ له رأي ، وحتى في المسائل والقضايا الثقافية نفسها .إشكالية الثقافة الجزيرة ، معقدة كثيرا ، ولا يمكن أبداَ وفي المطلق حصرها هنا ، أنا أعمل منذ فترة طويلة ، على إنجاز كتاب عن ( الثقافة الشعرية في الجزيرة ) هناك إشكالية الهوية ، إشكالية الحداثة الشعرية ، إشكالية اللغة ...الخ ... أتمنى أن يرى هذا العمل النور في الوقت القريب . وأعتقد أنه سيكون جوابا كافيا لكثير من الأسئلة التي تطرح اليوم .

س-   هل يمكن ربط ظاهرة الشعر خصوصاً والظاهرة الثقافية في الجزيرة عموماً ، بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية بكل محتوياتها ، وهل يمكن استخلاص بعض هذه التحولات التي جرت ضمن الظاهرة الثقافية ، من خلال الشعراء الأكثر تأثيراً في المشهد الشعري عندنا وكيف ...؟

إسماعيل كوسه : الشعر هو ابن الواقع ، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ، لا يتطور الفكر ولا يتغير الشعر ، إلا بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية ، في الماضي لم يكن هناك أي تأثير لقصيدة النثر في المشهد الثقافي عندنا , لان المجتمع كان أسير الفكر الديني والسياسي الضيق ، أما اليوم فالحالة تغيرت تماما ، وقصيدة النثر تقرأ رغم قلة القراء عموما .وتجربة الشعر في الجزيرة لها تأثير واضح وكبير في هذه التغيرات ، أنا شخصياَ أؤمن بان دور الشعر أكبر من كل شيء ولا أتصور نفسي بأنني على خطأ ، شعر سليم بركات له تأثير في العقل أكثر من كل البيانات السياسية وكتابات( إبراهيم محمود) في البحث والفكر اكبر بكثير من كل الخطب الفارغة والمجانية وهكذا .الثقافة تقوم بفاعلية كبيرة في تغيير المجتمعات ، إذا لم تواجهها المحرمات .

س-   في اعتقادي أن النقد الأدبي والدراسة الأدبية ما يزالان مقصرين عن مواكبة حركة الشعر في الجزيرة لعدم وجود منهج نقدي متخصص وجاد ، لوضع النتاج الأدبي لهذه الظاهرة ضمن ظروفها الثقافية والتاريخية التي نشأت فيها فإذا كنت تعتقد بوجود ظاهرة شعرية عندنا ، فلماذا غياب النقد.

إسماعيل كوسه : النقد لا ينتعش إلا في مناخ إعلامي وحواري منفتح على كل التيارات وهذا ماهو مغيب ، الشعر موجود وبكثافة ، لكن أين النقد .. النقد لم يواكب الحركة منذ البداية .. لذلك فدوره اليوم كبير أكثر من أي وقت مضى ، أعتقد أن النقد يقوم بغربلة الغث من الثمين ، ولكن هل قارئ الشعر في الجزيرة يعرف القصيدة الجيدة من الشعر الرديء ، هذا سؤال أطرحه . أليس هذا يعطينا الجواب الشافي لغياب النقد عن الساحة الثقافية ، ربما هناك أشباه نقاد ، من أمثالي .... لكن المشهد بحاجة فعلاَ إلى نقد أكاديمي رصين ، فلننتظر ....

س-  كلمة أخيرة تريد أن تقولها..؟

اسماعيل كوسه : أريد للشعر أن يكون أكثر قوة في وجه هذا الزمن الرديء ، وأشكرك أخي حسين احمد على ما تقوم به من جهود إعلامية مشرقة وأتمنى دائما أن تقدم الأسماء الإبداعية الجديدة إلى عالم الإعلام الكردي سواء كان صحافيا أو انترنيتيا .؟ 

اسماعيل كوسة – شاعر

صدر له ديوان شعر بعنوان ( حديقة واسعة للتعب )

من مواليد عامودا