الأدب الإسلامي.. بين مؤيد ومعارض

الأدب الإسلامي.. بين مؤيد ومعارض

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

حوار: أسامة عبد العليم - القاهرة

رغم أن المصطلح لم يكن وليد المؤتمر الأول للأدب الإسلامي عام 1981م، الذي تم عقده في "لكهنؤ" بالهند، فإن الإعلان عن تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية على يد المفكر الهندي الراحل "أبو الحسن الندوي"، وإصدار مجلة "الأدب الإسلامي"، كان إيذانًا بانطلاق المصطلح وشيوعه.

وقد قدمت الرابطة إصدارات أدبية ودراسات نقدية تسعى جميعها إلى ترسيخ مفهوم ما تسميه "نظرية الأدب الإسلامي"؛ فجمعت الرابطة حولها من الأدباء المسلمين من كل مكان في العالم، وأصبح مفهوم الأدب الإسلامي يتسع ــ زيادة على الأدب العربي ــ لآداب الأمم الإسلامية الأخرى: كالأدب الفارسي، وأدب الأوردو، والأدب التركي، وغيرها...

وقد رسخ مفهوم الأدب الإسلامي على يد الكثيرين من رواده، مثل: الدكتور "حسين مجيب المصري"، الذي عرَّفه على أنه: "الأدب الناطق في أبعاده وأعماقه بالإسلام، روحًا وعقيدة وحضارة".

أما الشيخ "الندوي" نفسه فيعبر عن هدف الأدب ووظيفته قائلاً: "إنني أتصور الأدب كائنًا حيًّا، له قلب حنون، وله ضمير واعٍ، وله نفس مرهفة الحسّ، وله عقيدة حازمة، وله هدف معين".

إن الأدب من أكبر الوسائل للوصول إلى الأهداف النبيلة، ورغم أن البعض يتهم الأدب الإسلامي بأنه جامد ومباشر فإن أحد عظماء هذا الأدب "محمد إقبال" يؤكد: "لا خير في نثر وشعر إذا تجرد من تأثير عصا موسى". ولعل مقصوده واضح من تأكيده على أهمية الصنعة والحرفة التي تسحر المتلقي وتخاطب نفسه وتؤثر فيه.

ولكن نظرية الأدب الإسلامي كأي ظاهرة أدبية ينقسم الناس حيالها إلى مؤيد ومعارض. وهذا لقاء بين اثنين من كبار الكتاب في مصر، هما: الدكتور "جابر قميحة" أستاذ الأدب بجامعة عين شمس بالقاهرة ، والدكتور "السيد البحراوى" ، أستاذ الأدب بجامعة القاهرة وأحد المعترضين على هذا التقسيم للأدب.

* الدكتور "جابر قميحة"، نرجو من سيادتكم إلقاء الضوء على الأدب الإسلامي من الوجهة التاريخية.

 - من الوجهة التاريخية الأدب الإسلامي هو عمر الإسلام؛ فقد بدأ ببعث النبي (صلى الله عليه وسلم) في خطبه، وفي شعر "حسان بن ثابت" وغيره.. وامتد هذا الأدب على مدار التاريخ، وتعددت موضوعاته، ونهض حتى فيما نسميه بعصور الظلام، وإن اختلف مستواه الفني علوًّا وانخفاضًا تبعًا لحالة الأدب والحركة النقدية في العصر.

وفي العصر الحديث كان للأدب الإسلامي وجوده الواضح في أشعار "البارودي" من مدح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفي ديوان "مجد الإسلام " أوالإلياذة الإسلامية لأحمد محرم . وغيرهما.

وفي عام 1985 نشأت "رابطة الأدب الإسلامي" على يد "أبو الحسن الندوي"، ومن وقتها أصبح مفهوم الأدب الإسلامي يتسع لآداب الأمم الإسلامية الأخرى: كالأدب الفارسي، وأدب الأوردو، وغيرهما..

والرابطة لم تنشئ هذا النوع من الأدب، ولكن نستطيع أن نقول: إنها بعثت القديم، وأظهرت ما غفل عنه الآخرون، هذا مع تكاتف جهود الأعضاء على بعث الأدب الإسلامي وتحديد مفاهيمه، ويظهر ذلك بوضوح في المجلة التي تصدرها الرابطة بعنوان "الأدب الإسلامي".

- لست مختلفًا مع د. جابر في هذا؛ فدائمًا هناك نصوص أدبية من المتدينين بالأديان المختلفة تدافع عن دياناتهم وتقدم مبادئها وتدعو لها، ويحدث هذا عادة في مراحل بدايات الدعوات الدينية، أو حينما تكون الديانة نفسها في مواجهة مع آخرين، وهذا ما نستطيع أن نلاحظه فيما يختص بالأدب الذي كتبه المسلمون على مر العصور، يزداد أحيانًا ويهبط أحيانًا طبقًا لحالة المجتمع الإسلامي. أما رابطة الأدب الإسلامي ومجلتها فأنا لم أسمع عن شيء من ذلك.

* د. جابر قميحة، ما مفهوم الأدب الإسلامي؟ وهل يمكن أن نطلق عليه أنه مذهب جديد؟

 - بإيجاز شديد يقصد بالأدب الإسلامي الإبداع الشعري والنثري المعبر عن تصور الأديب المسلم للوجود والناس والقيم، انطلاقًا من العقيدة الإسلامية؛ يستوي في ذلك ما كان موجودًا في الواقع، أو ما يستشرفه الأديب ويتطلع إليه فى عالمه الخاص ورؤيته الإبداعية.

* د. جابر، هل تعتمد هذه الرؤية الإشرافية على المذهب الرومانسي في خياله المنطلق؟

-  الأديب المسلم يكتب وليس في ذهنه مذهب فني معين. المهم أنه ينطلق من التصور الإسلامي، ولا يهمنا أن يكون خياله متفقًا مع الخيال الرومانسي أو غير الرومانسي، المهم أن يلتزم بحدود التعريف الذي ذكرناه، والالتزام هنا ليس إلزامًا أو إجبارًا، ولكنه تعبير تلقائي يخرج من الطبيعة النفسية النقية السوية للأديب المسلم؛ فالالتزام هنا جزء لا ينفصل عن نسيج شخصية المبدع الإسلامي، والتعبير عنه يأتي بصورة تلقائية عفوية دون تكلف ودون تعنت.

أما أن نطلق على الأدب الإسلامي مذهبًا أو لا؛ فهناك كتاب بعنوان "نحو مذهب إسلامي للأدب"  للأستاذ "رأفت الباشا" رحمه الله ، ولا مانع من أن نسمي هذا الاتجاه مذهب الأدب الإسلامي، ولكن يجب ألا نقيسه بمفهوم المذهب عند الآخرين.

* د. السيد البحراوي، ما رأيك في مفهوم الأدب الإسلامي؟

 - الأديب المسلم يعيش الحياة الاجتماعية ويتأثر بمتغيراتها، وحتى مفهومه للإسلام يختلف من زمان إلى آخر مع استمرار الثوابت العقيدية، والتجربة الفنية ليست مجرد عقائد وإنما تدخل فيها كل مكونات الإنسان، مثل: العقل، والوجدان، والمشاعر، والعواطف، والخيال. وهذا كله يتأثر بمتغيرات الحياة؛ ولذلك أرى أن الأديب المسلم مع استمراره مسلمًا يتأثر بالتيارات الأدبية الفنية والمختلفة؛ فسوف نجد من الأدباء المسلمين أدباء إحيائيين، وآخرين رومانسيين، وآخرين رمزيين… إلخ.

إذن فهناك ما يسمى بالأدب الإسلامي، ولكن لا يوجد ما يسمى بنظرية الأدب الإسلامي؛ ذلك لأن النصوص الأدبية الإسلامية متغيرة، فلا أستطيع أن أعتبر –مثلاً- منظور شوقي الإسلامي في قصائده، مع ابتهالات "ملك عبد العزيز" في ديوانها الأخير في نفس الاتجاه، كما لا أستطيع أن أقارن بين أشعار "حسان بن ثابت" والشعر الصوفي لابن عربي، وهكذا...

* د. جابر قميحة، ما قولكم في التهمة الموجهة إلى الأدب الإسلامي بأنه أدب فكرة ومضمون على حساب الجانب الفني؟

-  هذه تهمة باطلة في الواقع؛ لأن الاهتمام بالمضمون أمر لا بد منه، ويتوازى معه التصوير البارع واللفظة الآسرة والتعبير الجميل، وقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك بقوله: "إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمة"، والحكمة تعني المضمون، والسحر يعني التصوير والتعبير، وذلك مجتمعًا يمثل صورة الأدب الحي، وإلا كنّا أمام مواعظ.

لدينا شعراؤنا الذين يعتبرون في قمة المبدعين، مثل: "عمر بهاء الدين الأميري"، و"محمد صيام"، و"محمد الحسناوي"، و"عبد الرحمن عشماوي"، و"يوسف العظم"؛ فشعرهم يقف على القمة من ناحية الشكل والمضمون.

* د. السيد البحرواي..

 - تفضل الدكتور جابر وأشار إلى ما أردتُ قوله، ولكن أرى أن هناك نصوصًا مهمة في الأدب الإسلامي، مثل كتابات "محمد فريد أبو حديد"، ونصوص د."علي أبو المكارم"، ولكن هناك نصوصا رديئة جدًّا...، وذلك مثل كل الآداب؛ فالأيدلوجية ليست معيارًا كافيًا لجودة أدب ما. المهم أن يكون الأديب أديبًا متمكنًا من أدواته الفنية، وإلا تحولت كتابته إلى مجرد شعارات دعائية أو صحفية.

* د. السيد البحرواي، هل ينطبق هذا الكلام على أعمال الراحل د. نجيب الكيلاني؟

- أرى أن بعضها جميل وبعضها متوسط القيمة.

* د. جابر قميحة، هل تعني تسمية "الأدب الإسلامي" أنه يوجد "أدب يهودي"، أو "أدب مسيحي"؟

 - قد يكون للأديب المسلم أدب إسلامي، مثل: "توبيات أبي نواس" - قرابة عشرين قصيدة في التوبة والزهد- كما يكون له أدب ماجن، أو أدب لا إسلامي كخمرياته وغلامياتة.

وهناك أدب مسيحي، وأدب يهودي صهيوني، ولكل لون سماته وملامحه الفنية والموضوعية الفارقة...

* د. السيد البحراوي..

- أنا متفق مع د. جابر في وجود أدب إسلامي، وأدب مسيحي، وأدب يهودي، ولكني ما زلت مصرًّا على أنه لا توجد نظريات نقدية مسيحية أو يهودية أو إسلامية، فالأيديولوجية كما قلت ليست معياراً كافيًا لجودة أدب ما.

* د. جابر قميحة، ما موقف الأدب الإسلامي من إبداعات غير المسلمين التي تتفق مع مفاهيم الأدب الإسلامي من وجهة نظركم، مثل: إبداعات "طاغور"، و"بوشكين"، و"فولتير"، و"إيليا أبي ماضي"، و"خليل مطران"، وغيرهم..؟

-  قلنا: إن الإسلام شرط أساس في وصف الأديب المسلم، أي أن مبدع الأدب الإسلامي يجب أن يكون مسلمًا، والأدب الذي أشرت إليه نسميه "الأدب الموافق"، أو "الأدب الكادي"، أي الذي كاد أن يكون إسلاميًّا، لولا فارق الديانة، وليس هذا تعصبًا، ولكنه قيد طبيعي من حقنا أن نضعه في تحديد مفهوم الأدب الإسلامي.

* د. السيد البحراوي..

- أنا لا أحب إطلاق المصطلحات دون أساس علمي؛ فهذه مصطلحات لا علاقة لها بالعلم.

* د. جابر قميحة، ما رأيكم كأدباء إسلاميين في الإبداعات الموجودة على الساحة الآن؟

 - نحن الأدباء الإسلاميين لا نوافق على ما يسمى بـ "قصيدة النثر"، وهذا معطى حديث؛ لأنها بمفهومها الموجود تتعارض مع قيمنا الفنية الموروثة في الشعر، التي تمثل الموسيقى نخاعها الأصيل، وما يسمى بقصيدة النثر يحمل تناقضية واضحة في العنوان؛ فالمفروض أن تكون القصيدة شعرًا، والمعروف أن النثر نثر؛ فكيف يكون للنثر قصيدة؟ هذا زيادة على ما يعيبها من المعاني والمقاييس الخارجة عن الإسلام والقيم، والجرأة في استعمال ألفاظ الجنس، والاستهتارات بالذات الإلهية.. والإبداعات الموجودة على الساحة الآن في بعضها ملامح من الأدب الإسلامي، ولكن كثيرًا منها يعتبر أدبًا ساقطًا ماجنًا، يرفضه لا أقول الأدب الإسلامي فحسب، ولكن الإسلام نفسه.

* د. السيد البحراوي..

 - أنا أختلف مع د. جابر؛ لأن هناك إبداعات شديدة الأهمية في الرواية والشعر والقصة القصيرة قادرة على أن تمسك بجوهر معاناة الإنسان العربي المعاصر، وأظن أن هذا لا يتعارض مع الإسلام في شيء، حتى لو تعرض بعضها للعواطف أو للأهواء الجنسية. المهم هو أنها تعالج هذه الموضوعات، ليس بهدف الإثارة؛ وإنما بهدف أن يعي المتلقي مشكلاته، ويسعى إلى حلها.

وهذه إحدى المهام الأساسية للأدب، وهي ليست متعارضة أيضًا مع مهمة الإمتاع. والأدب الجيد هو الذي يُمتِع ويُعلِّم في الوقت نفسه.

ولست أدري ما علاقة الإسلام بقصيدة النثر؟ وهل هناك حكم ديني يحارب قصيدة النثر؟ فهذا خلط للأمور لا يجوز حتى في مجال الدفاع عن الإسلام؛ لأنه يسيء للإسلام.

* د. جابر قميحة :

     حتى لو حكمنا الذوق العام ، والقيم الفنية الراقية.. نكتشف أن ما يسمى " قصيدة النثر " مسخ ولد ميتا.