ولد في " بولندا " ودفن في " غرناطه!

استعد التلميذ لمقابلة الأستاذ، جاء الأستاذ في موعده. جاء يقود سيارته بنفسه لم تمنعه سنوات عمره من قيادة السيارة ولم يكن لديه سائق. جلست زوجته الأمريكية (بولا محمد) إلى جواره. أنها الزوجة الثالثة! كتب وترجم وسافر إلى بلاد الدنيا وعمل في مناصب كبرى وصادق شخصيات كبيرة منها الملك عبد العزيز ال سعود ، فكان صديقا شخصياً له حفظ ( مدقات ) الصحراء العربية وكل شبر فيها. يتكلم الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والاسبانية والأردية والعربية مولود في النمسا عام 1900 والمتوفي 1991 عمل بالصحافة وسافر إلى القدس أولاً تلبيه لدعوه خاله وقد هاله ذلك الكم الهائل من الإزدراء الذي يكنه اليهود للعرب لم يعبأ بغناه. ترك كل ما عنده من متاع الدنيا تركه خلف ظهره ليبدأ رحلة البحث عن الإيمان أنه عقل يبحث عن الإيمان.

استعد التلميذ لمقابلة الأستاذ واستعد الفندق في ( تريفولي بلشبونه ) للاحتفال بقدوم الأستاذ، حَمّلَ الأستاذ الأمانة لتلميذه لم يضق التلميذ بالتكليف لأنه يعلم معني الأمانة التي حملها الأستاذ وحملها له . حمله مسئولية تحقيق تقدم استراتيجي للإسلام خاصة بعد أن رحل الإلحاد الغربي والشيوعي من على مسرح الأحداث (بحلول عام 1985) وكأنه كان يتنبأ بالمستقبل أو يقرأ من ورقة أمامه.

الأستاذ والتلميذ .. قصة كبرى، أهملناها بقوة فضاعت معالمنا وأصبحنا مسخا لا لون ولا طعم ولا رائحة. لا علامات واضحة مجتمع السيولة كما كان يسميه الدكتور المسيري. لن تكون لنا خارطة إلا من خلال تفعيل خصائصنا الحضارية ولن تكون خصائص الأمم الأخرى هي خصائص أمتنا ولا يمكن استنباتها في غير أرضها.

نقول أن التلميذ استعد لاستقبال الأستاذ، إستعد الدكتور " مراد هوفمان " لاستقبال (محمد أسد) فمن هو الأستاذ ؟ ومن هو التلميذ؟ (مراد هوفمان) الذي وصفته (آنا ماري شمل) عميدة الاستشراق في ألمانيا (توفيت إلى رحمة الله 2003) قالت آنا عن هوفمان:

أ‌-       عرف الإسلام الذي عرفه السلف كما بلغ الرسول وكما طبقه الصحابة والتابعون.

ب- الإسلام في نظر هوفمان دين قيم سام جدير بالبقاء كلام دقيق مختصر مفيدة       للغاية.

كان بودنا أن نتعرف جميعاً على الإسلام الذي عرفه السلف كما بلغ الرسول صلي الله عليه وسلم وكما طبقه الصحابة والتابعون. كم أنفق "هوفمان" من وقته للتدبر؟ لا وقت لديه للمسخرة ، إنها قضية دين . أين الحق ؟

كتب ( الطريق إلى مكة ) و ( الإسلام كبديل ) وغيرها من المؤلفات إن الله يهدى من يشاء ( أي من يشاء أن يهتدي ) هو هذا ( التلميذ ) الذي صار علامة بارزة في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث ( مراد فريد هوفمان ) الإلماني الجنسية المسلم الديانة.

أما " الأستاذ " فيكتب عنه الموسوعي الدكتور يوسف عدس فيقول (كان مغامرا جسورا عاشق للسفر والترحال والاختلاط مع الناس على اختلاف أعراقهم ولغاتهم وأديانهم أنه المفكر الذي هجر دينه وثقافته واعتنق الإسلام والثقافة الإسلامية. شاء الله أن يولد محمد اسد باسم ( ليو بولد فايس ) في مستهل القرن العشرين (2/7/1900 ) من أبويين يهوديين في بولندا التي كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية النمساوية واعتنق الإسلام عام 1926 وأصبح اسمه "محمد أسد " (من كتابه محمد أسد ص 10).

يقول محمد أسد في كتابه ( الطريق إلى مكه )

" رغم أنني من أصل يهودي إلا أنني أبديت معارضه شديدة للتوجهات الصهيونية.. فلم استسغ أن يأتي مهاجرون أجانب مدعومون بقوة كبرى عالمية بنية معلنه هي تشكيل أغلبية يهودية في فلسطين .. ويتم انتزاع ملكية أصحاب الأرض الأصليين، ثم يقتلعون من وطنهم ليحل فيه يهود مهاجرون ) انتهي.

ويتابع قائلاً :" لم يكن موقفي هذا مفهوما على الإطلاق من جميع اليهود الذين التقيت بهم خلال الشهور التي أقمت فيها بفلسطين ولم يستطيع هؤلاء اليهود أن يفهموا ما رأيته بنفسي في العرب ولم يهتم واحد منهم بتعليم لغة العرب وتقبل الجميع تلك العقيدة الأسطورية أن فلسطين هي الميراث الشرعي لليهود " انتهي.

عكف محمد أسد على دراسة القرآن باعتباره المصدر الأول لهذا الدين وإدرك من وقت مبكر أن فهم هذا الكتاب فهما صحيحاً يتطلب إجادة اللغة العربية إجادة تامة وشعر بضرورة العيش في المجتمعات العربية اليهودية في وسط وشرق الجزيرة العربية وساعده هذا على فهم لغة القرآن.

فترجم معاني القرآن إلى الإنجليزية في كتاب اسماه ( رسالة القرآن ) توجه بها إلى العقل الغربي أولاً وقد شهد له بهذا الفضل من أسلم بعده من أمثال الدكتور مراد هوفمان (التلميذ) التقي بالشاعر العظيم محمد إقبال الذي يعتبر الأب الروحي لدولة باكستان الإسلامية وقد عمل معه على بلوره القواعد والأسس الفكرية للدولة الإسلامية في عام 1961 ووضعا معاً قواعد الدولة الإسلامية على أساس مبادئ القرآن والسنة النبوية الشريفة. وأخيراً يقول الدكتور يوسف عدس عن محمد أسد: " أن محمد أسد يمثل تركيبه فريدة بذكائه الخارق وفهمه للإسلام ودفاعه عنه وإخلاصه لفكره البعث الإسلامي". 

وهو ما طلبه من تلميذه مراد هوفمان عندما التقيا في برشلونة عام 85 حملة الأمانة رحم الله ( محمد أسد ) رحمه واسعة الذي كان يرفض التنطع والتطرف بكل صورها والدائم الدعوة إلى الوسيطة الإسلامية.

وسوم: العدد 630