حوار مع المفكر مالك بن نبي

الجزء الأول

نستمر في استحضار هذا الحوار الذي أهداني أياه الأديب الليبي "علي مصطفى المصراتي" لأنه يتحدث عن عدد من إشكالات الثقافة والعلم في العالم العربي والإسلامي التي مازالت مستمرة حتى وقتنا الراهن.

من هو مالك بن نبي...هو ظاهرة من ظواهر الفكر الإسلامي المعاصر، يفكر بميزان، يبحث بمنهج، يعانق قضية الفكر التي عاش لها طوال حياته..دارسا ً وباحثا ًومتأملا ً ومحترفا ً على أتون المشاكل..عميق الإيمان، واسع الأفق، حاد الطبع، سريع الانفعال، غضوبا ً للحق..فيه بساطة العلماء و اعتزاز الرجال و حيوية الإنسان.

مالك بن نبي...الكاتب الباحث الذي يدرس مشاكل و قضايا الفكر الإسلامي صورة فريدة من الفكر العميق و الإيمان والتأمل الفلسفي...كاتب هادف مؤمن يمثل صورة من عظمة الفكر والمعاناة....هو المهندس الكهربائي الذي كانت كتاباته خيوطا ً ترسل الحرارة وأسلاكا ً تمدنا بالنور.....وبعد....نبدأ في الحوار

- ما هي الأسباب التي دفعتكم إلى دراسة الفكر الفلسفي ؟

* الحقيقة انني لم أدرس خاصة الفلسفة..إنما درستها بمعية بعض الأخوة، لأن دراستي كانت علمية بحتة، وأنا كنت ضمن مجموعة من الطلبة الجزائريين، أحدهم هو – السيد محمد الساعي ، الذي كان يهيىء إذ ذاك دكتوراه في السوربون.

- وماذا كان موضوع رسالته. .وما هو محور أحاديثكم الفلسفية ؟

* كانت رسالة الدكتوراه في السوربون للأستاذ محمد الساعي عن حياة وإنتاج الغزالي..وهذا جعلني فعلا ً أطرق باب الفلسفة كهواية وكمزيد في الحقيقة من تفهم القضايا الإسلامية العربية في عمقها الفكري الحضاري ، فالحقيقة قد يبدو لبعض إخواني الذين يشرفونني بقراءة كتبي أن يعتقدوا أن مالك بن نبي فيلسوف كما يقولون..لست فيلسوفا ً.

- قد تكون بمعنى الباحث عن الحكمة.. وأنت حكيم وباحث ؟

* فعلا ً كلنا أن شاء الله نبحث عن الحكمة طبقا ً لأمر صدر من قائد هذه الأمة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم.

- أستاذ مالك..وما دمنا قد أشرنا إلى الإمام الغزالي..هنا لدينا سؤال حول موقفه أو حول رأيكم في موقفه..فالإمام الغزالي كان موطن نزاع قديما ً و حديثا ً..موطن نزاع مع ابن رشد.. أي أن ابن رشد الفيلسوف رد على تهافت الفلاسفة ذلك الكتاب الرائع الذي ألفه أبو حامد الغزالي..وكانت عظمته أنه لا يوجد مذهب فكري إلا قرأه ورد عليه. لا يرد عليها اعتباطا ً..وابن رشد سلخ الغزالي..وابن رشد له جوانب عظيمة بصفة فلسفية ترجحون ترجيحا ً فكريا ً...رأي الغزالي..أم رأي ابن رشد؟ وبتعبير أدق ومختصر.. أيهما أفيد للفكر الإسلامي منهج ابن رشد أم منهج الغزالي؟!

* تدفق الأستاذ مالك في الدفاع عن الغزالي وفي إنصاف ابن رشد..وفي إيضاح المفهوم الحضاري للفلسفة أو إيضاح الفلسفة في مفهومها الحضاري.

نرى أن كلاهما حاول أن يعالج قضية مجتمع بدأ في الانحراف الفكري..وبدأ في التدهور السياسي إلى حد ما ، وإنما يبدو أن الغزالي كان أقرب وألمّ  من ابن رشد بحاجة المجتمع الإسلامي إلى تجديد صلته بالدين..قد يقول قائل : وهذا قد قيل من طرف بعض المفكرين المسلمين، مثل " ابن سبعين " الثائر على الغزالي أكثر من ابن رشد...قد يقول القائل أن الغزالي تردد كثيرا ً بين الفلسفة والتصوف....وفعلا ً كتب الغزالي تفطينا ً هذا الانطباع.. وإنما إذا فسرنا موقف رجل مثله ومن طرازه..يشاهد الطوارىء الكبرى التي بدأت تنهال على العالم الإسلامي في ذلك العصر- وهو عصر الغزالي – وهو عصر بداية الحروب الصليبية – بحيث يتهمه زكي مبارك..

- هو الدكتور زكي مبارك تراجع في آخر عمره عن هذا الرأي والاتهام ؟

* الحمد الله..يرحمه الله..كان يفند الغزالي بأنه كان منكبا ً – هذا قوله – على أوراده بينما كان الصليبيون يهددون المعاقل الإسلامية...فالغزالي لم يكن منكبا ً على أوراده ، بل كان مجاهدا ً بالفكر مجاهدا ً بحياة التقشف..مجاهدا ً بضرب المثل ..إنسان ضحى بكل عزيز وثمين..أهله..أولاده من أجل أن يعيش المحنة الإسلامية بكل تفاصيلها.

- هذا موقف الغزالي..ولم يفهمه ناسه ولم يدرك قيمته أهل مجتمعه ؟

* بكل أسف لم يفهموه حتى قال شاكيا ً..غزلت الخ..

- تقصد البيت: غزلت لهم غزلا ً رقيقا ً   فلم أجد لغزلي نساجا ً فكسرت مغزلي

إن لم يكن هو قائل هذا البيت وناظمه..فأنه ينطبق عليه.

* نعم ..هو تصوير حالته المحزنة كرجل غريب في مجتمعه، وإنما هذا الغريب أعتقد أنه أدى دورا ً كبيرا ً سواء من الناحية الفكرية لأنه حاول تعديل الفكر الإسلامي بعد ورطته في الفكر اليوناني والفكر الفلسفي على العموم.

- تقصد أن الغزالي ساهم في إيجاد الشخصية الفكرية الإسلامية بمعزل عن التفكير الفلسفي ؟.... * نعم...هو حاول.

- بعكس الفارابي ..وابن سينا ؟….. * طبعا ً..طبعا ً.

- لأن الفارابي وابن سينا وأضرابهم تأثروا بالتراجم كثيرا ً؟

* كثيرا ً..كثيرا ً..بينما نرى الغزالي كان أكثرهم أصالة ، حاول أن يقف ويبقى أمام ظاهرة الفكر اليوناني أن يبقى مسلما ً عربيا ً قبل كل شيء.

- نعود إلى ابن رشد..وموقفه وأثره...يظهر أن الغزالي سيأخذ نصيب ابن رشد من هذه المحاور؟

* ابن رشد...هو طبعا ً الرجل الفاضل الذي حاول أن يعدل ما قد كان يجري من تطرف في صوفية التصوف لدى الغزالي.. طبعا ً كان ابن رشد المفكر الموضوعي المرموق..وفضله ليس علينا فقط بل على الغرب على العموم..وهذا باعتراف الغربيين أنفسهم-الفضل يرجع إليه بأنه يسمى المفسر.

- أو المعلم الثاني هذا الإطلاق المتداول

* نعم هم قولون ( كوماندور ) أي المفسر ولكن هو هذا المعنى المعلم الثاني أي يعني الفيلسوف الذي بلغ وشرح أولا ً فلسفة أرسطو واكتشف للغرب وجوده ، الغرب لم تصله رسائل ارسطو إلا عن طريق ابن رشد.

- أستاذ مالك ولكنهم أحيانا ً يجحدون هذا أو يغطون على هذا بشكل من أشكال الإنكار !

* حقيقة أن النقاش الطويل الذي دار بين ابن رشد و طوماس الاكويني في الحقيقة طوماس معاصر له هذا الصراع الكبير الذي يراه الغربيون كأنه صراع بين ملائكية طوماس.. الدكتور الملائكي.. أي الروحاني أي الملهم.. الموحى إليه..بحيث يعتبرون هذا الصراع بين هذا الملاك الدكتور وبين الشيطان وفعلا ً كانت تظهر تلك الصور الرمزية.

الشيطان يمثل الفلسفة التي يشخصها ابن رشد ويمثلها.. بحث الصور التقليدية في ذلك العصر تعطينا صورة طوماس الاكويني كيف ينتصر على الثعبان.. والثعبان هو ابن رشد..وقوة الشر.

- وماذا عن عظمة ابن رشد وقد أثراهم وأفادهم ؟!

* يجب ألا ننسى ايضا ً هذا الجانب وهذا البعد من شخصية ابن رشد.. لأنه إذا كانت شخصية الغزالي ذات بعد قبل كل شيء.. إسلامي عربي..فشخصية ابن رشد مزدوجة لها بعدها العربي الإسلامي ولها بعدها الكبير الغربي العالمي..الغربي خصوصا ً بحيث مضى أكثر من قرنين على أستاذية ابن رشد في الغرب خصوصا ً في السوربون.

- أستاذ.. بالمناسبة وما دمنا في رحاب ابن رشد ما رأيكم فيما كتبه فرح أنطون عن ابن رشد وصراعه ونقاشه مع محمد عبده في هذا المجال لعلكم طالعتم ما كتبه.. فرح أنطون في مجلة " الجامعة " قديما ً وما كتبه محمد عبده في هذا المجال وكان بينهما نقاش .. هل ترى أن فرح أنطون ظلم ابن رشد ؟

* وهزّ مالك رأسه وأجاب في وضوح وبساطة صريحة والله لم أطلع بكل أسف على ما كتبه فرح أنطون بهذا الصدد..ولكن اطلعت مثلا ً على دراسة قيمة قام بها الدكتور " محمود قاسم ".

- أستاذنا وصديقنا..كان يدرس لنا في مصر بكلية أصول الدين إثر عودته من أوروبا.

* نعم هو صديقنا وحبيبنا وكتب عن ابن رشد رسالة.. ابن رشد المفترى عليه.. كانت رسالة للدكتوراه وفي هذا الموضوع القيم استطاع الدكتور محمود قاسم أن يمسخه ويفند بحجج قاطعة لا ترد تاريخية ونقلية مما كتب بالمقارنة مع ما كتبه ستونا طوماس وما كتبه ابن رشد – واعتبر- وأظن هو محق في هذا – اعتبر ان طوماس الاكويني، ما هو إلا ناقل كل أفكاره عن ابن رشد.. ويقدمها كأنها بضاعته..هذا شيء طيب.

- هذا عمل طيب من الدكتور الباحث محمود قاسم كما كان دفاع محمد عبده عن ابن رشد شيئا ً هاما ً و طبيعيا ً، أنه فصل المقال فيما بين الشريعة والحقيقة من الاتصال من أهم ما كتب ابن رشد. غير كتاب " بداية المجتهد " في الأصول.

- أستاذنا الفاضل ننتقل إلى عصرنا الحالي.. من تختارون في هذه الحقبة المعاصرة من المفكرين المسلمين العرب..كنماذج..ثلاثة أو أربعة، تبهركم أسماؤهم ، تعجبكم خطوات سيرهم لو أتيح لكم أن تختاروا أو عندنا مائدة فكرية تعزم عليها أربعة، خمسة من الشخصيات ذات الأبعاد الفكرية لا أبعاد أخرى ؟

* عندما نتعرض لموضوع كهذا نرى أنفسنا مستقطبين دائما ً للقاهرة.

- أم العرب بلا جدال..وقد يكون بعض الناس عاقين لأمهاتهم..لكن الأم هي الأم.

* وهز الأستاذ رأسه قائلا ً: طبعا ً هذه هي الحقيقة ..صحيح ..ربما نذكر مثلا ً الدكتور علي عبدالواحد وافي.. في علم الاجتماع لأن له فضلا ً علينا كبيرا ً.

- هل تستطيع أن توضح هذا الفضل ومن أي ناحية؟! ولماذا اخترت هذا الأسم دون الأسماء التي يموج بها شاطىء النيل ؟

* له فضل في إعادة تلك اللؤلؤة إلى تاج الثقافة الإسلامية.. اللؤلؤة التي نسميها مقدمة ابن خلدون حققها..وتحقيقه لها..ومجهوداته الأخرى في عالم الاقتصاد ..وأظن أيضا ً في مجال – المرأة هذه المجهودات كلها رائعة..هو في الحقيقة جامعي.

- أستاذ.. سيادتك ترى ما كتبه أو ما نشره أو ماحققه الدكتور على عبدالواحد وافي في مقدمة ابن خلدون.. أجدى عملا ً ..مما كتبه أبو خلدون ساطع الحصري ..عن مقدمة ابن خلدون في تلك الدراسة التي قدمها مثلاً !

* وأجاب في لهجة التأكيد والإصرار: أظن أن ما كتبه علي عبدالواحد وافي هو أول محاولة من طرف عربي مسلم لإعادة المقدمة بصورتها الحقيقية.

- وشخصية أخرى غير هذا.. في الإبداع الفكري ؟!

* في الإبداع الفكري لا ينقص عن أخينا الدكتور وافي أخونا الدكتور قاسم أعتبره من المجتهدين من كبار المجتهدين.

وفي نبرة حزينة وعبارة تساؤل حائرة قال مالك بن نبي :-  لكن موش عارف لماذا اسمه أصبح مطموس أو مغمور! لماذا؟

نهاية الجزء الأول...

حوار مع ...مالك بن نبي /الجزء الثاني

- هذه ظاهرة تحتاج إلى سؤال..إلى دراسة وعلاج ولعل الروتين الوظيفي يقتل الفكر..هو مدرس ..ثم عميد لكلية على ما أظن ..أو عضو مجلس إدارة ولعل الاعباء الوظيفية وثقلها تقتله فكريا ً تعوقه عن الانطلاق..ثم كارثة الكوارث عدم تقدير الفكر والإبداع في بعض الحالات وهي ظاهرة تحتاج إلى مقياس وموازين سليمة في عالم النقد والتقدير.

* ربما..ربما..وصدرت منه آهة طويلة عميقة وسكت..وقطعت ستار الصمت قائلا ً :+

- يا أستاذ – أنا أنصح الأخوة هنا دائما ً الا يستقطبوا الكتّاب والأدباء في وظائف..

* وخرج مالك عن صمته واطراقه قائلا ً.. أي والله يجب أن يكون كتّابنا ومفكرونا أحرارا ً من كل القيود الإدارية..وأنا من حسن الحظ سرحتني الحكومة الجزائرية من كل القيود ( ضحك ) سرحتني..من كل الوظائف والمناصب.

- أنت يا أستاذ ثروة..والثروة كنز لا يطمر والوظيفة طمر..هو مكسب للشعب الجزائري والشعب المسلم والعربي لا شك عندما يتيحون لك مناخ العطاء والانتاج بدون قيود الوظيفة..لأنهم يستطيعون أن يربطوا أي إنسان في وظيفة ..لكن في القلة النادرة لا يجدوا عقلا ً كالأستاذ بن نبي! وغيره من أهل الفكر.

* وغمغم الأستاذ مالك بكلمات لم استبنها..وقال..لقد سرحوني بارك الله فيهم..وحلق مفكرا ً كأنما يريد أن يقول شيئا ًولم يقله.

- ما هو الكتاب الذي يشغلكم الآن؟

* الكتاب الذي يشغلني الآن هو تتمة وإنهاء وإنجاز سلسة المذكرات التي بدأتها بشاهد القرن..والتي صدر منها الجزء الأول والثاني!

- انها مذكرات أو ذكريات فريدة في باب التراجم الشخصية و تسجيل الرؤى والانطباعات لعصرك رائعة..وكم تتوقعون أن تكون أجزاء الكتاب؟

* أرجو أن تصدر منه الأجزاء الباقية ، أتوقع أن تكون خمسة أجزاء..

- وبهذه المناسبة عن معاناة الكتابة لديكم ..أنت كتبت غالب مؤلفاتكم بالفرنسية وتوالى على ترجمة مؤلفاتكم ونقلها إلى العربية أكثر من مترجم.. منهم الأخ عبدالصبور شاهين وعمر كامل مسنغاوي – وقنواتي وغيرهم..ترتاحون نفسيا ً أكثر إلى أية ترجمة..بدون عواطف؟

* لاشك أن الأخ عبدالصبور شاهين الذي أصبح شخصية بارزة في مجال الفكر العربي الإسلامي هو الذي فيما أعتقد يستطيع القيام بالترجمة بكل ما تقتضيه الترجمة من وفاء ودقة.

- وما سبب هذا فيما ترون؟

* ربما هذا لأني عاشرته طويلا ً وعاشرني طويلا ً.

- هو أستاذ مصري! أين كان تعارفكم به؟

* نعم هو مصري متخرج من كلية دار العلوم وعاشرته طوال السنين التي عشتها في القاهرة كلاجىء سياسي أثناء الثورة الجزائرية.

- ومن من الشخصيات الجزائرية في تاريخ الفكر تختارونها لنا كنموذج من التاريخ..لا من المعاصرين؟

* ضحك مالك وقال..هنا تبتدىء المعركة كبيرة لو أقول كلمة سينطلق الآخر التونسي ويحتج علي.. لأنني أعتز قبل كل شيء بابن خلدون..فأجد التونسي والمصري وغيرهم يناقشونني.

- وهذا شأن الشخصيات العالمية العظيمة وقصة النزاع على ابن منظور تمثل هذا وسواء كان تونسيا ً أو مصريا ً.. أو غيره فهو موطن اعتزاز للجميع..لدينا الفكر.

وعلى ذكر هذا.. أستاذنا مالك أنت تعلم ابن خلدون خرج مغاضبا ً عن محيطه آنذاك ولولا الصراع الفكري ..وعناية مصر به بعد صراعه مع فقهاء مجتمعه لما وجد الرعاية والعناية.. لقد أعطته مصر القضاء وأولته المناصب.. ونمت فيه روح العبقرية الموجودة لديه.. لو عاش في محيط ضيق.. لضاع.

* الحقيقة هكذا.. شأن العظماء و شأن مصر مع العظماء أن تفسح المجال لكل عملاق مثل ابن خلدون المغربي على الأقل حنى لا ندخل في نقاش.. ومثل عناية مصر بالعز بن عبدالسلام الدمشقي.

- أستاذ..وماذا تقرأون من كتب الآن! ما هو الكتاب الذي فرغتم منه هذا الاسبوع أو هذا الشهر؟

* عادة.. أنا اتقيد بعادة أثناء سفري.. لا أقرأ.. أكتب ولا أقرأ أثناء السفر والرحلات.

- وماذا أنتجت أثناء سفرك هذا؟

* " المسلم في عالم الاقتصاد " هذا كتاب، ورسالة " دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين " وكتاب يقدم الآن للطبع بعنوان " مجالس دمشق ".

- لعلك تقصد محاضراتكم وأحاديثكم في دمشق؟

* نعم محاضراتي الأخيرة لأني قضيت بدمشق ثلاثة أشهر وبفضل الإخوان الكرام من المستمعين قاموا بتسجيلها أولا ً..وكتابتها ونقلها وهم يقدمونها الآن للطبع تحت عنوان " مجالس دمشق " هذا عملي في التنقلات.. لا أقرأ.

- وماذا تطالعون في بيتكم في هذه الفترة؟

* أما في بيتي بالجزائر بدأت الآن في السنوات الأخيرة خصوصا ً بعد تسريحي وتخلصي من المسؤوليات الإدارية بدأت في الحقيقة أكرس وقتي للإطلاع على التراث الإسلامي.. لأني كنت أعاني شيئاً من عدم الإطلاع أو النقص في هذه الناحية.

- لكثرة المشاغل والمشاكل من ناحية أو لحاجز اللغة قبل اتقانكم لها؟

* كثرة المشاغل.. ولأني في الحقيقة كان تكويني الثقافي غربيا ً ، أجنبيا ً كله فأردت إلى حد ما أن أكتمل بتحصيلي على جانب من التراث الإسلامي باللغة العربية.. والحمد لله الآن اطلعت على الكثير.

- أستاذ .. أنت قابلت الكثير من الشخصيات التي في دست الحكم في عالم الشرق والغرب .. رأيتم ماوتسي تونغ باختصار ما رأيكم في ماوتسي تونغ؟

* كل انسان يجب أن يكون معجباً بهذا الرجل من ناحية كونه ضحى في سبيل أمته ووطنه بكل ما يستطيع أن يضحي به انسان .. الرجل كرس كل حياته لوطنه .. ونحن عند زيارتنا له كوفد جزائري الى الصين عام 1964 م وضعوا لنا برنامجاً لزيارة الأماكن التي نشأت فيها حركته وأحسن أن نقول التي نشأ فيها كرجل سياسة .. مثلاً المكان الذي كان ينام فيه .. أول مدرسة أسست في كيب تاون – أعتقد لنشر دعوته ..الخ ثم الزائر الذي يلتقي به يجد رجلاً في منتهى التواضع حتى القضايا التي قد تفوت الانسان العادي في بلاده .. لأن الإنسان قلما ينتبه لما يدور حوله بينما ينتبه لكل ما جد وند.. بعيداً عنه فهو يهتم بكل شيء .. هذا ما رأيناه!

- ماهي هوايتكم.. حتى لا نجعل الحوار كله من طابع واحد .. هل تمارسون الرياضة أم السباحة أم تستمعون للموسيقا والطرب أوقات الفراغ؟

* الاستماع الى تجويد القرآن هو هوايتي .

- هل استمعت الى أم كلثوم أو مطرب آخر؟

* وسكت ولم يرد وكرر هوايتي أن استمع الى تجويد آيات الذكر الحكيم وأحياناً أستمع لموسيقى ذات الطابع الديني حتى من الفن الأجنبي .. قد تكون موسيقى تراتيل الكنيسة فيها أنغام موسيقية !

- ماهي أمنيتكم لعالمنا العربي الاسلامي المعاصر هذا العالم المضطرب ماذا تتمنى له كمفكر له منهج؟

* أمنيتي هو أن يستعيد الشعور برسالة تنسجم مع المرحلة التاريخية التي تمر بها الانسانية كما ننسجم مع ضرورته هي.. من ناحية نراه مضطراً الى أن يعود الى دورة حضارية جديدة أو يستعيد مركزه الحضاري كما كان لآبائه أثناء قرون الازدهار.. هذا من ناحية وهذا بداية رسالة .. شعور برسالته تبدأ كهذا .. ثم ربما سيكتشف أن العالم هذا .. العالم المضطرب هذا العالم الذي تطدست تحت يده أكوام من الأشياء الضخمة من صواريخ ومن قنابل ذرية ومن امكانيات كبرى لا تعد ولا تحصى.. هذا العالم فقير روحياً .. ولعل دور المسلم يكون بالنسبة اليه أن يشبع أو يروي هذا الظمأ الروحي على شرط .. أن يتحقق الشرط الأول وهو أن المسلم يكون في نظره هو الرجل الذي يستحق كل التقدير .. أعني الرجل المتحضر .. ولو لم يملك صاروخاً .. ولو لم يملك قنبلة ذرية ولكن اذا تم الشرط الأول .. اذا تحقق الشرط الأول وعاد المسلم كانسان متحضر لحلبة التاريخ فإنه فعلاً يستطيع القيام بدور تخليص الانسان المتحضر من ربقة المادية .

- وماذا تقصد بالربقة المادية؟

* ولما نقول من ربقة المادية نعني بكل دقة الأزمة النفسية الخطيرة التي يعيش فيه الآن الإنسان المتحضر بحيث هو يفرج عن نفسه بطرق غير مشروعة مثلا ً ..تناول المخدرات ..مثلا ً الانتحار.

- هذا من دوافعه القلق والغربة النفسية؟

 نعم كما أشرت يا أستاذ هو القلق والغربة النفسية ! فهذا الوضع الإنساني العالمي ربما يوجد السبيل للمسلم ورسالته.. على شرط..*

واكرر هذا ..أن يعود المسلم إلى مستواه الحضاري.. ربما يمهد له السبيل أن يكون منقذا ً فعلا ً ويجعل الآخرين يتقبلون دوره كمنقذ..

كما كان المسلم الحضاري.

- أستاذ مالك كتبتم بعد مؤتمر باندونج 1955م كتابكم الذي يحمل فكرة الآسيوية الفكرية وطلع علينا تعبيركم الشهير- من جاكرتا إلى طنجة.. لو أتيح لكم أن تعدلوا الكتاب أو تطبعوه مرارا ً أخرى هل ترون إضافة شيء آخر إليه.. أم نظريتكم في كتابكم هي ..هي ! وما هو الجديد؟

* المؤتمر كتبت عنه ولم أحضره ..والكتاب ربما أعدل فيه بعض الأشياء أوحت بها المرحلة التي كنا نمر بها.

وكان لزاما ً علينا أن نشيد بدور الهند في تلك المرحلة التي تسمى مرحلة عدم الانحياز الذي كان بالنسبة إلى العالم الثالث الذي كان محور التفكير خصوصا ً التفكير السياسي.

- الهند مسخت بعض مواقفها من جاراتها !

* هذا ما يبدو لي الآن بحيث لو أعدت النظر في الكتاب لربما غيرت بعض تعابير، خصوصا ً فيما يسمى عدم العنف لأني ما وجدت عنفا ً أشرس وأحد من أنديرا غاندي !

- تعني أبنة نهرو.. المناضل.. وربيبة غاندي ! لقد أخذت أسلوب العنف !

* هي في نظري زميلة جولدا ماير.

- تقصد أنها سلكت منهجا ً غير منهج والدها وأستاذها غاندي !

أستاذ ما هي نصيحتكم لشباب ليبيا ولكم هنا تلامذة وطلاب وقراء.. وحواريون ؟

* في ليبيا لنا أخوان كرام وأعتز بإخواننا الليبيين سواء الشباب منهم أو الذين من جيلنا.. أقول هذا لا مداهنة.. إنما إخلاصا ً لحقيقة .. لأني ألمس في الشعب الليبي حقيقة تسرني وأؤكد أنها تسر كل عربي. هي.. أصالة الشعب.. نظافة الشعب.. وهذا ما يهمني.

- شكرا ً وبارك الله فيكم.

وسوم: العدد 658