مع ياسر علي

قال «ياسر علي» المتحدث الأسبق باسم الرئاسة المصرية في عهد الرئيس المنتخب «محمد مرسي» إن دبلوماسيا عربيا حذّر «مرسي من أن تحل بـمصر «عشرية سوداء» كما حدث في الجزائر بسبب موقفه من (إسرائيل) ودعمه لـالثورة السورية، مشددا على أن «مرسي» لم يكن «درويشا ساذجا».

وفي حوار مع الجزيرة نت، نفى «علي»-وهو أحد أعضاء الفريق الرئاسي لـ«مرسي» الذين لازمه فترة حملته الانتخابية وأغلب شهور سنته الرئاسية- أن يكون أحد الزعماء العرب قد نقل إلى «مرسي» معلومات عن انقلاب يحاك ضده عبر أحد مسؤولي بلده، معتبرا ما يتم تداوله في هذا الشأن يفتقر إلى المعلومات الصحيحة.

وقال «علي» إنه بعد براءته من تهمة التستر على د. «هشام قنديل (رئيس الوزراء الأسبق) ومكوثي في سجن العقرب قرابة عام (ديسمبر/كانون الأول 2013 — نوفمبر/تشرين الثاني 2014) عدت إلى ممارسة حياتي الطبيعية ورعاية أسرتي، كما أعكف على إنجاز أعمال خاصة بي.

وعن رأيه في تجربة «مرسي» في الحكم، أضاف «أنه منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بدأنا مرحلة جديدة في تاريخ مصر تطلبت من الجميع بمن فيهم حزب الحرية والعدالة (المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين) خوض تجربة غير مسبوقة في العمل السياسي، وبالتالي كان من المحتم وقوع أخطاء لأنه لم يحدث أن كان هناك سابقة تداول سلطة حقيقي في مصر تستطيع الأحزاب فيها ملامسة الواقع عند طرح برامجها، وهو أهم الأمور عند تداول السلطة».

وتابع أن جميع الأحزاب كانت مستغرقة في الاهتمام بما ينبغي فعله، ولم يكن لديها إدراك لما يمكن فعله، ولارتفاع سقف طموح الجميع كان هناك صراع حقيقي طوال هذا العام لإثبات القدرة على الفعل، لكنه كان محكوما بالإمكانيات والواقع، وهو ما أثر على تقييم قطاع من المجتمع المصري للتجربة.

وعن كتابات الإعلاميين والسياسيين التي كانت تبرز الأخطاء وساعدت على الانقلاب، قال «ياسر علي» إن «الموضوعية تقتضي أن نقول إن الرئيس محمد مرسي حاول أن يمر بالسفينة قدر المستطاع وفق الإمكانيات المتاحة، وكان يملك همة شديدة جدا في هذا الإطار، لكن ما يمكن كان أقل مما ينبغي، ولا ينفي ذلك الوقوع في أخطاء كانت نتاجا طبيعيا لكونها تجربة أولى».

وتابع أن «الرئيس مرسي كسياسي وبرلماني سابق كان يملك رصيدا معقولا من التجربة يحتاج إلى صقل من خلال الزمن، وكان ككل البشر له إيجابياته وسلبياته، ولكنه لم يكن ذلك الدرويش الساذج الذي يراه البعض من خلال نقولات من هنا أو هناك، أو المتآمر كما يراه آخرون».

واعتبر أنه «كان رجلا وطنيا يعشق تراب مصر وكان حريصا على دولة مدنية وفق وثيقة الأزهر والتي كان يرى أنها أفضل ما تم بعد الثورة، ولكنها كانت في رأيه تحتاج إلى إجراءات ومسارات عمل حقيقي، كما كان حريصا على فكرة تداول السلطة إدراكا منه أن ذلك ما سينضج المجتمع السياسي المصري».

وأضاف أن «مرسي ظُلم ظلما بيّنا حتى من أقربين منه ممن ركزوا على ما ينبغي دون إدراك الممكنات، ومن يعمل على تشويه صورته بشكل متعمد فهو يدعم تبرير ما تم معه».

وقال «في بعض التعليقات والمقالات التي كتبت مؤخرا تغيب المعلومات الحقيقية نتيجة غياب معظم الذين صنعوا الأحداث في هذا التوقيت ومنهم الرئيس نفسه، فغيابهم يدفع البعض إلى أخذ معلومات من طرق غير صحيحة وبالتالي يكون انطباعات سطحية».

وعما تم تداوله بشأن قيام أحد الزعماء العرب بإرسال أحد كبار مسؤوليه إلى مصر للقاء «مرسي» في مارس/آذار 2013، والذي حمل له أخبارًا فيها تفاصيل عن انقلاب يدبر ضده، قال «هذا ليس صحيحا، وما يتم تداوله مبني على نقل شهادات غير دقيقة، فلم يُوفِد أي زعيم عربي أحدا إلى الرئيس مرسي في هذه الفترة، وإنما التقاه دبلوماسي عربي كان يقيم في القاهرة حينها، ونقل له تخوفاته وآخرين من أن يحل بمصر عشرية سوداء كما حدث في الجزائر».

وقال له بالنص «لتسمح لي سيادة الرئيس أن أنقل لك مخاوفي من مستقبل المسار الديمقراطي في مصر، وذلك لأسباب عدة منها قلق كثير من القوى الإقليمية نتيجة إصرار فخامتكم على عدم التواصل المباشر بالكيان الصهيوني وترك الاتصال للأجهزة الأمنية فقط».

«كما أطلعه (الدبلوماسي العربي) على ضرورة التراجع عن بعض قراراته التي اتخذها في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بشأن أحداث غزة ومنها إلغاء سحب السفير المصري من إسرائيل كونه أحدث توترا إقليميا جعل من القيادة في مصر غير مرحب بها، وهو ما يشكل ضغطا أيضا على المؤسسة العسكرية وربما يؤدي إلى ما هو أسوأ، وأشار عليه بضرورة تقليل الدعم السياسي للفلسطينيين في غزة والعودة به إلى الحد الأدنى في هذه المرحلة، لافتا إلى أن أطرافا إقليمية باتت ترى تناقضا في الرؤى بين بعض مؤسسات الدولة وبين مؤسسة الرئاسة في التعامل مع ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية.

إصرار على دعم الثورة السورية

السبب الآخر الذي ذكره الدبلوماسي العربي هو إصرار «مرسي» على دعم الثورة السورية ورؤيته المبنية على أن الرباعية المكونة من تركيا وإيران والسعودية ومصر هي السبيل لحل الأزمة السورية، وهو ما لا يرضي أطرافا إقليمية تملك رؤية مخالفة لترتيب أوضاع الإقليم خاصة وأن الربيع العربي كان قد بدأ يحاصر بعض هذه القوى.

وبسؤاله عما إذا كانت التحذيرات قد غيرت من مواقف «مرسي تجاه هذه القضايا، قال «لا، لم يحدث، حيث ظل متمسكا بموقفه الرافض للتواصل المباشر مع الكيان الصهيوني، كما ظل متمسكا بدعم الثورة السورية ورؤيته لدور الرباعية».

وعن رؤية «مرسي» للعلاقة مع المؤسسة العسكرية فترة حكمه، قال إن «مرسي» كان يرى أن مصر تحتاج إلى إعادة هندسة العلاقات المدنية العسكرية من أول يوم، فقد كان هناك توجس منذ البداية لدى الجميع من تشويه المشهد الديمقراطي الذي حصل في ثورة يناير، فالمخاوف لدى كل الأطراف كانت موجودة واستمرت، وبالتالي فالحديث عن أن مرسي قد تفاجأ بما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 هو كلام ساذج يفتقر إلى الإنصاف.

واعتبر «علي» أن التحسس الشديد في التعامل بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة كان موجودا من أول يوم، وما حدث من قرارات صادمة (إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وغيرها) في أغسطس/آب 2012 كانت تشير إلى ذلك، ولا يخفى أن قطاعات من المجتمع المصري كانت تتوقع حينها حدوث انقلاب، فجاءت قرارات مرسي لتحول دون ذلك.

إلا أنه حين وصلنا إلى يونيو/حزيران 2013 كانت قطاعات كبيرة من المجتمع المصري -ونتيجة لأسباب كثيرة- بدأت تشعر بخوف حقيقي، لكن ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 هو نتاج أزمة إقليمية أكثر منها مشاكل اقتصادية وسياسية داخلية، وسببها ما أشار إليه حوار الدبلوماسي عن ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية وملف دعم الثورة السورية وترتيب الإقليم وفق الرباعية، بحد قوله.

وتابع «لم يكن هناك ما يحول دون ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 إلا وجود مجتمع قادر على حماية اختياره، لكن تأثر المجتمع المصري بالحملات الإعلامية والتي أربكت المشهد السياسي حال دون حماية التجربة الديمقراطية وأدى إلى وأدها في سنتها الأولى».

اختيار السيسي

وعن اختيار «عبد الفتاح السيسي» وزيرا للدفاع، قال إن «اختياره كان بناء على قواعد وظيفية، وكان قرار د. مرسي وحده ولم يتدخل فيه أحد، وكان مبنيا على تغيير الدماء في المؤسسة العسكرية لكن من داخلها».

وأضاف «كان الاختيار حينها مبنيا على قناعة لدى مرسي أنه لا يوجد أحد في المؤسسة العسكرية يضمر شرا للتجربة الديمقراطية في مصر، ورغم إدراكه لحقيقة وجود خلاف في الرؤى إلا أنه كان يرى أنه ليس من مفردات المؤسسة العسكرية الاعتداء على التجربة الديمقراطية».

وبخصوص تفاعل مؤسسة الرئاسة مع مؤشرات الانقلاب وأنها لم تكن على المستوى المطلوب، قال «علي حين أرادت مؤسسة الرئاسة التركية أن تتحرك لمواجهة محاولة الانقلاب الأخيرة، وبرغم كل الخبرة والإمكانيات وعمق التجربة، هل استطاع أن يمنع حركة الجيش أو يناور أو يغير؟ الشعب والمجتمع من كانت له الكلمة، فكيف نلوم الرئيس على تحرك المؤسسة العسكرية».

وعن المسؤول عما كان يروجه بعض قيادات الإخوان عن وجود توافق مع الجيش وانتفاء أي تخوفات منه، قال «الرئاسة كانت بعيدة تماما عن الاتصال بالإخوان كنخب في الجماعة والحزب، ولم يكن هناك اتصال يسمح بنقل رؤية الرئاسة وآرائها رغم كل ما كان يقال عن أن مكتب الإرشاد هو من يحكم، مرسي كان مستقلا إلى حد حدوث خلاف مع الإخوان في بعض القرارات التي اتخذتها الرئاسة.

وبسؤاله إذا كان قرار الإخوان خوض تجربة الرئاسة لم يكن في محله، قال «لم نكن في 31 مارس/آذار 2012 في تمام الجاهزية لتولي المسؤولية، وأنا أقول ذلك بعد سنة من التفكير العميق والمراجعة في سجن العقرب، لم نكن جاهزين لملفات كثيرة ومنها ملف العلاقات الإقليمية، لكن لا يعني ذلك ظلم الرئيس مرسي واتهامه بالقصور، فقد تحمل المسؤولية بمنتهى الشرف والأمانة وكان حريصا على كل مؤسسات الدولة، ولآخر لحظة كان يريد ألا يدخل الجيش في صدام مع أي من قطاعات المجتمع المصري، كان يفكر بنبل، ومن الإجحاف اعتبار ذلك سذاجة فهو كان واعيا من أول لحظة لما كان سيحدث، واجتهد في عدم الوصول إليه».

وسوم: العدد 679