الإخوان المسلمون والأحزاب التركية

د. أشرف عبد الغفار

تحدث كثير من الإخوة عن أن حزب السعادة في تركيا يمثل الإخوان المسلمون وأنكرت أن أيا من الحزبين يمثل الإخوان و طلب مني بعض الكرام التوضيح لأن البعض يظن أن أربكان من الإخوان أو أردوغان أو كلاهما.

والحقيقة منذ الثمانينيات كنا نظن كما ظن الكثيريين أن أربكان رحمه الله هو مراقب عام الإخوان في تركيا وأن حزب الرفاه عضو في التنظيم العالمي كما كان يقال. 

لكن الحقيقة أن الأستاذ أربكان كان من الطريقة النقشبدية و هي جماعة صوفية متنورة تمثل أغلبية الإسلاميين وكان من جماعة إسكندر باشا ولهم مسجد في حي الفاتح بإسطنبول. 

و كان شيخه رحمه الله يدعى الشيخ محمد زاهد كوتكو 

و قد وجد في أربكان حب الإسلام و مقومات الزعامة، 

فطلب منه أن يعمل للإسلام من خلال إنشاء حزب سياسي. 

في ذلك الوقت كان أربكان برفيسورا في الهندسة الميكانيكية في ألمانيا و كانت له اختراعات عسكرية مبهرة، حتي عرضت عليه ألمانيا الجنسية الألمانية ولكنه استجاب لشيخه وترك ألمانيا وأسس حزبا سياسيا ذو مرجعية إسلامية خفية؛ 

و لكنه حزب سياسي بقواعد الأحزاب السياسية التركية، 

و لكن النية كانت العمل للإسلام. 

و للعلم، جل الإسلاميين في تركيا متأثرون بمدرسة الإمام البنا و الأستاذ سيد قطب الفكرية و لهما في القلوب مكانة عالية جدا،

حتي أن بديع الزمان سعيد النورسي راسل الإمام البنا رحمهم الله،.

و لكن الفرق هنا أن أحزاب أربكان كانت أحزابا سياسية بحتة، 

و لكن سرا ذات مرجعية إسلامية و لكن تبعا لنظام الأحزاب، وكانت النساء تشارك في القيادة وطبعا متبرجات وكان ممنوعا مجرد الحديث عن الإسلام 

و كان الإسلام يسمى بالرجعية أو الإرتجاع، 

حتي أن أربكان في خطبه كان يتحدث عن الإسلام بقوله النظام العادل، ومن يدعو صراحة لنظام إسلامي يسجن و من يتحدث عن عودة الخلافة و لو في معرض الحديث يعدم كما أٌعدم عدنان مندريس 

و يسجن كما سٌجن أربكان ورفاقه بسبب كلمات عابرة عن الإسلام.

ولذلك كان من رابع المستحيلات أن ينتظم الإسلاميين الأخفياء في تنظيمات، ولكن من درس في الخارج أو عاش في الخارج استطاع أن يلتحق بالحركات الإسلامية حيث يعيش.

كما ذكرت أن حزب السلامة والنظام ثم الرفاه ثم الفضيلة وأخيرا السعادة هي الأحزاب التي أسسها أربكان، وكلما أٌغلق حزب أسس الذي يليه. 

في مراحل النظام والسلامة لم يكن هناك أي نوع من التواصل المباشر بين القيادات 

ولكن فكر الإخوان كان منتشرا و بشدة، رسائل الإمام البنّا وكتبه مترجمة للتركية وظلال القرآن وكتب سيد قطب كلها كذلك، والاحتفال بذكري استشاهدهما علي الدوام.

مع حدوث الحرب الأفغانية بدأ التواصل وأصبح هناك تنسيق في المواقف وتطور الأمر و أسس ما يسمى بمجلس التنسيق الإسلامي بين الإخوان في كافة أنحاء العالم والجماعة الإسلامية في الهند وباكستان وحزب الرفاه التركي وامتداداته الشعبية 

وبناء علي ذلك أٌسس ما يسمي "مللي جٌرٌش" يجمع بين الإخوان والاتراك في أوروبا، وكانت قيادته للإخوان و ما لبس أن أصبح تنظيما تركيا خالصا في أوروبا وأمريكا. 

في الوقت الذي كان الإخوان في أوروبا قد أسسوا  اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، عمل مجلس التنسيق الإسلامي على توحيد المواقف ولكن الأمر كان صعبا أن تجمع بين جماعة إسلامية قد تكون السياسة أحد وسائلها وبين حزب سياسي ذو هوية إسلامية خفية.

وحينما وضعت أسس و أقسام لهذا التنسيق 

كنت مٌقررا لقسم التربية بالإخوان وفوجئنا أن الأتراك ليس عندهم وسائل التربية التي عندنا وليس عندهم مناهج تربوية وأن العلاقة علاقة عاطفية، ولذلك فشل هذا التنسيق بعد سنوات قليلة. 

ومن المهم أن أشير إلي نقطة هامة: 

أنه مع بداية التنسيق وضعت ضوابط تحرم على كل كيان العمل في ساحة الاخر 

أي لا تستطيع أن تعمل تنظيما إخوانيا لا في تركيا ولا الهند ولا باكستان.

وهنا ظهرت مشكلة أن بعض الأتراك درسوا أو عاشوا في بلاد فيها الإخوان فارتبطوا بهم -مثل البلاد العربية-. 

وكان لزاما بسبب هذا القرار أن يعود كل من ارتبط بتياره المحلي. 

وهنا انقسم الأتراك الذين التزموا بالإخوان خارج تركيا إلى ثلاثة أقسام.

قسم ترك الإخوان و انضم لأربكان 

وقسم توقف عن العمل التنظيمي تماما لأنه لم يجد أن الحزب جماعة.

وقسم قرر أن ينشئ تنظيما مشابها لتنظيم الإخوان دون الإرتباط بالتنظيم الأم. 

وكانوا هم الأغلبية وتفرقوا على أكثر من عشرين جماعة بنفس منهج الإخوان وإدارياته والأٌسر والكتائب والاشتراك والمنهج ولكن انقطاعهم عن الإخوان عطل مسايرة التطور ولا ندري أخير أٌريد بهم أم شر، وطبعا جلهم بكل كلهم ساروا مؤيدين لأردوغان في مسيرته.

وسوم: العدد 779