ما أنْصفنَاك ..!

د. حامد بن أحمد الرفاعي

رأى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يَتَفَقَّدُ أحوالَ النّاسَ في اسواقِ المدينةِ المنوَّرةِ شيخًا يهودياً كبيرًا يسأل الناس الصدقة فقال له: "من أنت يا شيخ..؟" فقال: أنا شيخٌ كبيرٌ أسأل الجزية والنفقة .. فقال له عمر:" ما أنصفناك يا شيخ..!" أخذنا منك الجزية شاباً ثم ضيعناك شيخًا..!" وأخذ بيده إلى بيته وأطَعَمهُ ممَّا يأكُلُ .. ثم أرسل إلى خازن بيت المال وقال له: "أفرض لهذا وأمثاله من بيت المال ما يغنيه ويغني عياله..!" أجل..! إنه ميثاق المواطنة العادلة الذي ارسى قيمه ميثاق المدينة المنورة بقيادة رسول الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..الذي ساوى بين الناس على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم ..فكان بحق أول ميثاق وعقد اجتماعي عادل في الأرض.. أما الجزيَّة.. فقد كانت عرفاً عسكرياً دولياً معمولاً به بين المجتمعات ..عمل به اليونانيون والرومان واليهود والنصارى وغيرهم من أقوام الأرض.. وأخذ به الإسلام وعدَّله بما ينصف الناس.. فأعفى من الجزيَّة النساء والصبيان والمساكين والفقراء والرهبان وذوي العاهات وغير المحاربين.. وأسقط الجزية عندما يعجز المسلمون عن حماية البلاد وتأمين الأمن للناس.. مثلما أسقطها عن كل محارب يرجع عن محاربة المسلمين والاعتداء على بلادهم.. وللعلم فمبدأ الجزية لا يزال يعمل بها في النظام العالمي القائم تحت مسميات أخرى .. وما حالة اليابان مع أمريكا إلا دليل واضح على ذلك .. فاليابان اليوم تدفع لأمريكا مليارات الدولارات ضريبة لميثاق الصلح الذي أبرم بينهما بعد الحرب العالمية الثانية

وسوم: العدد 798