قصصُ العُروج(100)

بَصائرُ دعوية

 سلاحُ البَيِّنات:

إن البينات والبراهين هي من تستطيع فَكَّ التِصاق الكافرين بأديانهم الباطلة، أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: {لم يَكنِ الذين كفروا من أهل الكتاب والمُشركين مُنْفكّين حتى تأتيَهم البَيِّنة.}، فقد كان الكفار شديدي الالتصاق بأديانهم اليهودية والمسيحية والوثنية، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكابداته النفسية والعقلية وبمجاهداته لهم بالقرآن استطاع أن يُزعزع ثقتهم بأديانهم ويَزْرع فيهم البديل وهو هذا الدين العظيم، وينبغي أن يلفت هذا الأمر أنظار الدعاة في كل زمان ومكان إلى وجوب تسلّحهم بالبينا الظاهرة وتَذرّعهم بالبراهين العلمية، بحيث تُخْلي العقول من شوائب الشرك وتُخلّصها من ثقوب الشكوك، ثم تملأها بصفاء التوحيد وتحقنها بترياق اليقين.

التّذكير النافع:

ينبغي للداعية أن يبذل وُسْعه من أجل تحقيق النفع، وليس مجرد إسقاط الواجب، كما قال تعالى لأعظم رسله وصَفيّه من خَلْقه: {فذكِّرْ إنْ نفعت الذِّكرى}، فهو ليس أمراً مطلقاً أي قُمْ بالتذكير ما نفعت الذكرى في الناس، ولكن عندما يتكرر التذكير العديم الجدوى بلا حساب، فإنه يصير نوعاً من العبث، ويتطلب ذلك من الداعية أن يفقه الواقع وأن يتعرّف على نفسيات المدعوين وطبائعهم، بحيث لا يستهلك جهوده وطاقاته مع من لا يستحقون ولا يستجيبون، وإذا كرّر التذكير فيكون مع تغيير الأسلوب أو الوسيلة أو الظرف، بحيث يدخل من أبواب متفرّقة ويَسلك سبلاً متنوّعة، وإذا سلك ذلك كله بدون جدوى فيتوجب عليه الانتقال إلى غير هؤلاء بعد أن يكون قد أقام عليهم الحُجّة.

 تَغايُر التبشير والإنذار:

يقترن الخوف والرجاء في أغلب آيات القرآن الكريم، لكن التبشير يتقدّم غالباً على الإنذار عندما يدعو الإنسان غيره، ولهذا قال تعالى للداعية الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم: {نَبِّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم}، ويتقدم الخوف على الرجاء عندما يتعلق الأمر بالذات، ولذلك قال تعالى: {اعلموا أن الله شديدُ العقاب وأن الله غفور رحيم}، حيث ينبغي أن يتقدّم العلم بالخوف قبل العلم بالرجاء، ولكن عند دعوة الآخرين يتغير الترتيب، ولذلك وصف الله الأنبياء فقال: [مُبشِّرين ومُنذرين]، فقدّم التبشير على الإنذار، ولا يزال هذا الترتيب هو الأصل في أداء الدّعاة الوُعاة في كل زمان ومكان!

هدايةُ التّخَصُّص:

من عجائب العظمة القرآنية امتلاك النَّص الواحد لمعاني غير متناهية تلبي حاجات الناس في مختلف العصور والأماكن، مثل قوله تعالى: {الذي خلَق فسوَّى والذي قَدَّر فهَدَى}، وقوله تعالى على لسان موسى: {ربّي الذي أعطَى كلَّ شيْءٍ خَلْقَه ثم هَدَى}، حيث يدخل في ظلال كلمة هدى هداية كل إنسان إلى موهبة تجعل تَخَصُّصه فيها وتَعلّمه لها أمراً يسيراً وفاعلاً ويكون آية من آيات الله، فلو أخذنا مدينة سكانها مليون نسمة مثلاً، واتخذنا ما من شأنه اكتشاف مواهب أبنائها الحقيقية وتنميتها بالعلم وتسليحها بالخبرة؛ سنجد أن في هذا المليون ما يكفيهم من الأطباء والمهندسين وعلماء الشرع والوعاظ والميكانيكيين والتجار والسياسيين والفنانين والأدباء وكذا سائر المهن والتخصصات في مختلف حقول صناعة الحياة.

 بُورِك المُتدبِّرون

منتدى الفكر الإسلامي

وسوم: العدد 798