أخلاقيِّةُ التزامِ المَواثِيقِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يتحدثُ النَّاسُ اليوم ومن قبل عن أهميِّةِ وقُدسيَّةِ احترامِ المواثيقِ في الحياةِ .. وكُلُّهم يَعتقِدُ أنَّ المواثيقَ أساسُ التعامُلِ الآمنِ في المجتمعاتِ ..والمسلمون يقولون:(العَقدُ شريعةُ المُتعاقدين) والقرآنُ الكريمُ يُعلِّمُ النًّاسَ أنَّ التعاقُدَ ضمانٌ لثلاثةِ أمور: العدلُ، وصحةُ الشهادةِ، وصرفُ الشكِ باليقينِ لقوله تعالى: " وَلاَ تَسْأَمُوَاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىَ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشّهَادَةِ وَأَدْنَىَ أَلاّ تَرْتَابُوَاْ" والعربُ تقولُ:(الرجلُ عندَ كلمتِه).ولكنَّ الأمرَ المُهم والأهمُّ هو الوفاءُ بالعقودِ ..فما قيمةُ العقدِ بغيرِ وفاءٍ ..؟ لذا ركزَّ الإسلامُ على الوفاء بالعقودِ لقوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" وجعل الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الوفاء بالعقود من شروطِ الإيمانِ بالله تعالى لقولِه صلى الله عليه وسلم : " لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَه " فالالتزامَ والإخلاصَ والجديِّةَ بأداءِ العهود.. يبقى المعيارَ العملي لصدقِ الإيمانِ بالله تعالى: " لا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَه "..وقدَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بشأنِ تأكيد أهميَّة الوفاءِ بالعهدِ موقفين لا نظيرَ لهما الأول: يوم أنَّ حرَّرَ ابو جندل نفسهَ من سجون مكة ووصل إلى الحديبية .. فطالبَ مُفاوضُ قُريشٍ سهيل بن عمر(والد أبي جندل) مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم أن يرده التزاماً بالعهد ..فصرخَ أبو جندل: يا معشرَ المسلمين أَتَرُدُّونَنِي إلى المُشركين يَفتنونَني في ديني ..؟! فقالَ له إمام احترام المواثيق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :" يَا أَبَا جَنْدَلٍ .. اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ .. إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا .. فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا.. وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ " والثاني :عندما وصل ابو بصير إلى المدينة وقد حرَّرَ نفسه من قريش.. فأرسلت قُريشٌ تطلبُ ردَّه التزاماً بعهدِ الحديبية.. فاستجاب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التزاماً بالعهد.. فقالَ: أبو بصير: يا رسولَ اللهِ أترُدني إلى المشركين يَفتُنونَي في ديني ..؟ فقالَ له مثلَ ما قالَ لأبي جندل. وبعدُ.. أليست البشريِّةُ اليومَ بأمسِّ الحاجةِ لمثل هذا الوفاءِ الصادق الحازمِ الأشمِّ العملاقِ في التزامِ العهودِ ..؟

وسوم: العدد 799