فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. و هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -17 ( الشورى - 2)

د. حامد بن أحمد الرفاعي

حسب اطلاعي لم تترك لنا السير وكتب التراث بعامة أثراً ما عن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا عن أمراء المسلمين الراشدين من بعده رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بشأن تقنين مبدأ الشورى .. وهكذا بقي ولاة أمر المسلمين يتشاورون ويتناصحون مع رعاياهم بدون نظام مرسوم أو آليات وضوابط محددة .. والأثر المؤكد هو ما جاء به ووضعه الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - أثناء تأسيس كيان المملكة العربيَّة السعوديَّة.. حيث جمع أهل الرياض وطلب منهم التشاور ليختاروا من يشاءون من أبناء العائلة بدلاً منه ليكون ملكاً رسميَّة وألحقها بنظام الحكم وأسس لها مجلساً في مكة المكرمة .. وكان كل ذلك يتم بالتشاور والتعيين والاصطفاء من بين أبناء الرعيَّة الموثقين عند مجتمعهم.. وفي لقاء حوار مطول مع نائب وزير خارجية أمريكا الأسبق وبحضور السفير الأمريكي الأسبق في السعوديَّة يرافقهم وفد أمريكي كبير سألني ونحن نتحاور حول فعاليات مجلس الشورى السعودي قائلاً : أما آن لكم أن تتحولوا من منهجيَّة التعيين إلى منهجيَّة الانتخابات في اختيار أعضاء مجلس الشورى ..؟ ثم اردف يتساءل أم أنَّ الانتخابات مسألة محضورة في الإسلام ..؟ قلت بكل تأكيد الانتخابات أمر مباح بل محمود ومرغوب ومعمول به في الإسلام .. فالرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مارس ذلك يوم بيعة العقبة الثانيَّة مع أهل يثرب(المدينة المنورة فيما بعد) فقال لهم صلى الله عليه وسلم أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ( أي انتخبوا منكم ) ليكونوا على قومهم بما فيهم , فأخرجوا له اثني عشر نقيباً.. فقال: ولكن مفكري المسلمين لا يذكرون ذلك بل يكتمونه لِمَ ..؟ قلت : هذا من الخطأ الشائع إن لم يكن من الحماقات الشائعة وقد قال ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - في سياق استنكاره لمثل هذا الخطأ : "الإسلامُ مَحجوبٌ بأهله ".ثم قلت: ولكن كما ذكرت لك قبل قليل أما آن الأوان لأن تعيدوا أنتم النظر بشأن العبثيَّة المخجلة بمنهجيَّة الانتخابات التي تتبعونه ..؟ قال : لقد تفهمت وجهة نظركم بشأن الانتخابات المتبعة عندنا وكما وعدتكم سأنقلها وأدعمها فهي جديرة بالتأمل.. ولكن هل لديكم بديلٌ وتصورٌ أرقى وأحكم مما نحن نعليه ينفعنا وينفعكم ..؟ يتبع بعون الله تعالى.

وسوم: العدد 803