فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -29 ( الفِتْنَةُ وَالهَرْطَقَةُ -6)

د. حامد بن أحمد الرفاعي

لقد تأكد لي على مدار سنين عديدة في ميادين الحوار.. أنَّ عدم تحرير معنى المصطلح وعدم تجليَّة دقة دلالاته .. يبقى الإشكاليَّة الكبرى والأساس في نشوء أزمات التفاهم بين المتحاورين في أي مسألة من مسائل الاهتمام المشترك.. وأنَّها تبقى المنبع المغذي لاضطراب المفاهيم بين أتباع الأديان والثقافات والفلسفات والسياسات.. بل وحتى بين أتباع الاتجاه الواحد من هذه التصنيفات وغيرها.. أجل إنَّ عدم تحرير معاني المصطلحات ودلالاتها يدفع المتحاورين لتناول مسائل الحوار في سياقات متعاكسة وربما متناقضة رغم الغايات والأهداف الحسنة والنبيلة لديهم.. وما ذاك إلا بسبب أنَّ كُلاً من المتحاورين ينطلق في تعامله مع موضوع الحور بما هو مستقر في ذهنه من فهم بشأن مصطلح مادة الحوار ودلالاته.. وهكذا يكون التناقض بينهم بسبب الاختلاف بين ما هو مستقر في الأذهان وبين ما هو في النوايا والوجدان.. مصدراً نكداً لاختلافات وصراعات في الغالب - وللأسف – ما تتحول إلى مصدرٍ للكراهية والبغضاء ..وربما إلى مصدرٍ لإشعال الحروب والدمار والهلاك حيث يخرج الجميع منها بالخسارة والندم .. وليبدؤوا معاً رحلة التَلاومُ والبحث عن الحكمة والتعقل لعلاج أثار حماقاتهم التي صنعتها فهومهم المضطربة تجاه مسألة ما.. ولكن بعد فوات الأوان وبعد خراب مالطا كما يُقال ..؟! أجل إنَّ مسألة تحرير المصطلحات وتجلية دلالاتها لأمر مهم وأساس في بناء التفاهم بين النَّاس في ميادين الحياة .. ويبقى أتباع الأديان والثقافات والفلسفات وأصحاب القرار السياسي في المجتمعات.. أولى النَّاس وأجدرهم في الاهتمام بمسائل تحرير المصطلحات وتحديد دقة دلالاتها .. والأجدر في التزام ذلك والعمل به .. وذلك لتجنيب المسيرة البشريَّة من كوارث الحروب والدمار والهلاك ..ولتنعم الأجيال من بعد بالعدل والأمن والسلام والتنميَّة الراشدة. يتبع بعون الله تعالى.

وسوم: العدد 805