شغف الغير بالقراءة

ظلّ العرب يدلِّلون على شغف غيرهم بالقراءة، بأمثلة من قبيل انهماك المتزاحمين في المواصلات العامة في بلدان أوروبية بمطالعة كتب محمولة في الجيوب. إنه مشهد أخّاذ في ظاهره الأفقي بالفعل؛ لكنه يرسم تساؤلات عدة في تشريحه العمودي. ألا يُحتمَل، مثلا، أن يكون فعل القراءة في هذا المقام انسلالا من نسق جامع في مقطورة متحركة على السكة، فيرتحل كلّ عبر نافذة كتابه إلى عالمه الخاص؟ أليس الوجه المحتجب بين دفّتي كتاب تعبيراً ضمنياً عن تمحوُر الفرد حول ذاته وشواغله وانكفائه عن محيطه ومن يَلونَه؟ ألا يبدو الانصراف إلى عوالم حوارية تستبطنها الرواياتُ المحمولة بالأيدي تعويضا مثاليا عن فتور التواصل اللفظي المباشر؟ 

وهل يسع القارئ في حواضر الشرق الانزواء إلى كتاب يحمله مع مواصلات بائسة وحياة صاخبة وضجيج المتحدثين من حوله؟ ألا يمثِّل فعل القراءة في المجال العام تعبيراً عن مساحة خصوصية فردية يقع احترامها؛ بخلاف مجتمعات يمنح الأفراد فيها أنفسهم حقّ اقتحام عالم أحدهم الخاص بالتلصص على اهتماماته وشواغله، وقد تندفع أسئلة فضولية لتعكير صفو القارئ؟ أما سؤال اللحظة فهو عن الهواتف الذكية وما أبقته من حالة كتب الجيب المفتوحة في المواصلات العامة الأوروبية؛ بعد أن باشرت المجتمعات خفض رؤوسها للأجهزة المحمولة.

وسوم: العدد 805