آلهة صامتة وتخادم متبادل بين السلطة والمرجعية

أهم خلاصة يمكن أن يخرج بها الباحث أو المراقب من خلال قراءة تاريخ المنطقة وما نشط فيها من حركات دينية، أو من خلال رصد الأحداث المستمرّة والتي عاشها العراق منذ احتلال عام 2003، وتعاني منها سوريا منذ سيطرة حافظ أسد على الحكم هناك عام 1966 ثم عام 1970، وما جرى في سوريا بعد انتفاضة عام 2011، وكذلك سطوة حزب الله في لبنان، ووصول الخميني للسلطة في إيران، والانقلاب الحوثي في اليمن، كل هذه الأحداث تؤكد أن الشيعة عندما يتسلمون الحكم في أي بلد وتتاح لهم فرصة الانفراد به والتحكم فيه، لا يخجلون من ممارسة كل أنواع الإبادة والتهجير والمجاهرة بمعتقداتهم وفرضها على الناس بالقوة وتسفيه معتقدات الآخر، ويصادرون ممتلكات السنّة وتحويلها إلى مصادر لقوة الشيعة ماليا واجتماعيا لفرض سيطرتهم الكاملة على التجارة وحركة السوق، ويهجرون السكان من بيوتهم ومدنهم ويحولونها بالتدريج إلى مدن شيعية مغلقة، بعد إقامة البنى التحتية لهذا التحول من افتتاح الحسينيات والحوزات العلمية والمدارس الشيعية وإقامة المظاهر الحسينية التي تقام في محرّم، وكذلك إحياء ذكرى وفاة الأئمة (المعصومين) وولادتهم، مستغلّين صمت المنظمات الدولية والدول التي كانت ترفع صوتها عاليا بالدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، لأن شيعة السلطة في العراق والجهات التي أشرنا إليها استطاعت توظيف فكرة أن الإرهاب الدولي هو إرهاب سني المنبت والمنشأ والتصدير، وكذلك الخطاب الخجول للسنة في دفاعهم عن مصيرهم وحياتهم وحقوقهم المشروعة التي نصّت عليها المواثيق والصكوك الدولية ابتداءً من ميثاق الأمم المتحدة وليس انتهاءً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وتأكيدا لهذه المعاناة علينا أن نراقب بدقة ما شهده العراق بعد الاحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق عام 2003، فمدن مثل جرف الصخر، ومدن محافظة ديالى، وكذلك مدينة الموصل التي عانت من الدمار الكامل وسقطت الأبنية فوق رؤوس ساكنيها بحيث أن تقارير دولية أشارت إلى عدد المتبقين تحت الانقاض يقربون من خمسين ألفا من المدنيين، وكذلك الحال في مدن أخرى في محافظة نينوى ولم تتوقف عجلة القضم عندها.

وهناك مخطّط قديم تعده حركة التشيّع لمدينة سامراء بدأت بتفريغ مركز المدينة من سكانها وإغلاق مراكزها التجارية والسياحية ومصالح مالية وتجارية بهدف ترحيلهم بعد أن تضيّق عليهم سبل العيش بكل ما تمتلك من قوّة مادية رسمية مسلحة، كل هذا يحصل والأصوات ترتفع بالشكوى من السنة على استحياء وخوفا من البطش، ولكن الشيعة بالمقابل يرفعون أصواتا أعلى بما يتوفر لديهم من دعم السلطة الحاكمة والمال المبذول تحت سيطرتها، وقنوات فضائية لا تعدّ ولا تحصى، بأن زمن الطائفية قد انتهى، وهذا ومن خلال قراءة الواقع لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن التشيّع قد أصبح أمرا محسومًا ولا يحق لسنّة العراق مجرّد الدفاع عن وجودهم لأنهم إن فعلوا ذلك فسيبدون وكأنهم محرضون على العنف والإرهاب، وبذلك ضمنت السلطة الحاكمة قمع الأصوات المتململة والتي تعاني من القهر ومن الارتفاع، ولهذا راح كثير من رجال الدين السنّة المتملقين والمنافقين يمدون المتسلطين في غيّهم ويفعل هؤلاء هذا خوفا وطمعا، كل هذا يحصل ولم يسمع أحد للإله الصامت "علي السيستاني" رأيا بما يحصل، أو هل عنده رأي أصلا؟ أم هو يعطي في الموضوع الواحد أحكاما شتى نابعة من التقيّة المقيتة طالما أن ما يحصل يتطابق مع هدفه الأسمى، بشرط ألا يذكر اسمه بشيء وطالما أنه يستقبل وفودا من السنّة تفوق في عددها ما يستقبل من الشيعة الضامنين لحقوقهم من دون تملق لأحد، فهل انتقلت معادلة التقيّة والرخص من التشيّع إلى التسنن؟ وهل هذا جائز في شرعتهم؟

ومن أجل تيسير سبل التشيّع اعتمدت حركاته السياسية وأحزاب سلطة الحكم، نشر الرذيلة عن طريق الترويج لتعاطي المخدرات وزواج المتعة، وعند تسلمهم الحكم يظهرون على حقيقتهم كقوة غاشمة ظالمة لا تمت إلى شرع الله بصلةٍ، على الرغم من أنهم أكثر الناس والمنظمات حديثا عن الإسلام والمظلومية التي لحقت بهم عبر التاريخ، ولكن هذا الجبروت في حقيقته يخفي نفسا خنوعًا خاضعة للأقوى، ويمكن للاستدلال على ما نقول من استذكار فيلم لأحد احتفالات شاه إيران في قصره عندما يستقبل وفودا للسلام عليه وعلى زوجته الامبراطورة فرح، إذ يتقدم المعممون ذوو العمائم السوداء وينزلون على يدها ويقبّلونها، حصل هذا على الرغم من أن شاه إيران كان يقدم نفسه مدافعا عن التشيّع.

فالتقية مرض فتك بأخلاق رجال الدين الشيعة، وجبلتهم على النفاق وإظهار ما لا يبطنون، وتربى الشيعة على أخلاق التبعية العمياء (للمومن) أي رجل الدين في كل أمر يعن له، فلا يستطيع اتخاذ قرار حر من دون الرجعة إلى ولي الأمر، أي المعمم الذي يتبعه، ولكن علينا هنا أن نشخص حالة في غاية الأهمية وهي أن رجال السلطة يضخون الكثير من القدسية على شخصية المرجع أو المراجع، لتوفير مظلة الحماية المتبادلة، وهنا تحضرني صور لمقابلات بعض رموز سلطة الاحتلال الإيراني مع علي خامنئي وهم يقبّلون يده اليسرى وبذلٍ فاضح، في حين أنهم يستردون قليلا من كرامتهم المهدورة على عتبة الولي الفقيه بمجرد عودتهم إلى بغداد، فيراهم المراقب وقد انتقلوا من أرانب جبانة إلى وحوش كاسرة عندما يخطبون ويهددون العراقيين، أو يخاطبون عناصر ميليشياتهم وسط هتافات التابعين الأذلاء الذين يتنمرون على المدنيين.

وعلى هذا نستطيع أن نجزم أن التشيّع لا يصلح للحكم في أي مجتمع من المجتمعات لأن المسؤول الحكومي ومهما علت درجته الوظيفية لا يستطيع البتّ بقرار سياسي أو اقتصادي ما لم يرجع إلى مرجعه الديني استنادا إلى التخادم المتبادل، ويأخذ منه الحكم (الشرعي) وهذه هي المفسدة الكبرى في نظام الحكم الشيعي، ونستطيع أن نتلمس عجز الحكام الشيعة عن الحكم لوحدهم، ولهذا نراهم يتراكضون للحصول على (مرجع) يسند لهم شرعيتهم في السلطة، على الرغم من أن السلطة في واقعها هي التي تعطي نظام الحكم قوته المادية الحقيقية، ويبدو أن التعطش الموروث للسلطة الذي يعاني منه الشيعة منذ أربعة عشر قرنا جعلتهم شغوفين بها من دون امتلاك أدواتها الحقيقية.

وسوم: العدد 815