أدب وسياسة، أحمد شوقي

أمير الشعراء ، شاعر القصر وشاعر الأمة وقضاياها ، 1868- 1932

من أصول مختلفة عربية وتركية وكردية وشركسية ويونانية ..

الغرض من تقديمه في رمضان وتحت هذا العنوان أن نكسر النمط الذي دأب عليه بعض الناس . أن الناس إما صالح مطلق وإما كافر أو فاجر مطلق . الثنائية المعتزلية التي ذهبت إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد بالنار ، وأنه لا يعد مؤمنا ولا مسلما وإنما في منزلة بين المنزلتين .

هذه البدعة الاعتقادية التي تسللت إلى فقه بعض ظاهرية هذا العصر ممن سموا أنفسهم بالسلفية فأساؤوا إلى عنوان السلفية والمضمون وقزموه في صيغ شكلية ولفظية ..

أحمد بيك شوقي ..

الإنسان الشاعر المسلم الذي بدأ حياته في الكتّاب يحفظ القرآن ، ثم دخل المدرسة الابتدائية ، ثم سافر إلى فرنسا يدرس القانون ولكنه درس الأدب وظل خدينا لدواوين شعر العرب..

أحمد شوقي الذي كان يعيش قضايا أمته الكبيرة ، قضايا الإسلام والمسلمين فيعبر عنها أجمل تعبير وأوفاه وأرقاه . ويعيش قضايا مجتمعه المصري المسلم فيقول فيها قولا واضحا أحيانا ومختلطا أخرى ..

أحمد شوقي إذا أردت أن تصنفه فستصنفه ، من غير تأل على الله ، بين قوسي قوله تعالى ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) والله لطيف بعباده ..

لن نجول كثيرا في حياة أحمد شوقي رحمه الله وإنما سنقف عند محطتين في حياته الشخصية المتداخلة مع موقفه الديني الذي يختلط به الضعف الإنساني بالتوهج الإيماني؛ فقد كان أحمد شوقي رحمه الله تعالى مع كل ما اضطرب في حياته : مدمن خمر . مولعا بها ، يصعب عليه مفارقتها . ولعل ذلك جزء من حياة القصور بما كان فيها من فساد وعفن ..ومع ذلك فقد كان أحمد شوقي غفر الله له عندما يدخل شهر رمضان يمتنع عن الخمر حرمة للشهر الفضيل ، وها هو بعد انتهاء الشهر المبارك ينشد:

رمضـان ولى هاتِها ياسـاقي     مشتاقةً تسعى إلى مشـتاقِ

ما كـان أكثرهُ علـى أُلافِها     وأقلُـهُ في طاعـة الخـلاقِ

الله غفار  الذنـوبِ جميعهـا     إن كان ثمَّ من الذنوب بواقي

في وقفة أخرى يذهب الخديوي عباس حلمي إلى الحج . ويدعو شاعره الأثير إلى مشاركته الرحلة فيعتذر الشاعر عن الرحلة . يعتذر عن أداء النسك المحبب لدى كل المسلمين . ثم لا يلبث أن يشعر بالإثم وبالغضاضة وبأكلة الضمير ..فلم يكن اعتذاره اعتذار جاحد !! ولم يكن اعتذاره اعتذار مستخف !! يذكر بعض النقاد أن الولع بالخمر هو الذي أقعد الشاعر عن أداء الفريضة وعن مصاحبة الخديوي..

وينظم أحمد شوقي في رحلة الخديوي قصيدة جميلة من اثنين وأربعين بيتا يضمنها قريبا من عشرة أبيات تذوب ألما وندما واعتذارا وابتهالا يعتذر فيها عن خطيئته وقصوره ...

فهو يرى نفسه مستصعبا وعثاء السفر حتى لو سخرت له ناقة صالح ويتمنى أن يجد وسيلة تنقله إلى المناسك

ويا رب لو  سخرت ناقة صالح     لعبدك ما كانت من السلسات

ويا رب هل سـيارة أو مطارة     فيدنـو بعيد البيـد والفلوات

ثم يستحضر ما يسميها هفواته وذنوبه ويتساءل هل يستقيم الحج مع المعاصي ؟ ! وكأني بأحمد شوقي يرى أن من شروط الحج التوبة المطلقة بعده ، ولما كان لا يجد في نفسه الكفاءة لذلك ..فهو يمعتذر عن الحج حتى تتحصل له العزيمة على التوبة النصوح

ويا رب هل تغني عن العبد حجة     وفي العمر ما فيه من الهفوات

ثم يبدأ بذكر منهجه في السلوك الشخصي . من كف الأذى عن الناس ، وطيب السريرة ورادة الخير لكل الخير وتوزيع المحبة عليهم

وتشهد ما آذيت نفسا ولم أضر     ولم أبغ في جهري ولا خطراتي

ولا غلبتني شـقوة أو سـعادة     علـى حكمـة آتيتـني وأناة

و لا جال إلا الخير بين سرائري     لـدى سـدة  خيرية الرغبات

ولا بت إلا كابن مريم مشـفقا     على حسدي مسـتغفرا لعداتي

ولا حملـت نفس هوى لبلادها     كنفسـي في فعلي و في نفثاتي

ثم بعد أن يعدد خلاله والتزامه الأخلاقي ينفي أن يكون يمن على الله بهذا الالتزام والتقى الشخصي .. ويذكر التزامه بالزكاة والصدقة التي يعجز عنها الكثير من النساك

وإني ولا من عليـك بطاعـة     أجل وأغلي في الفروض زكاتي

 أبلغ فيها وهي عـدل ورحمة     ويتركها النسـاك في الخلوات

ويعود إلى مولاه طالبا الصفح

وأنت ولي العفـو فامـح بناصع     من الصفح ما سودت من صفحاتي

ومن تضحـك  الدنيا إليه فيغترر     يمت كقتيـل الغيـد بالبسـمات

ثم يلتفت الشاعر إلى رحلة مليكه فيذكره إذا زار قبر محمد رسول الله أن يناشده مناشدة حرى عن حال أمته من المسلمين ..

من أجمل أبيات النجوى لسيدنا رسول الله ...قل من قرأها ولم تفض عيناه ..

وركـب كإقبال الزمان محجـل     كريم الحواشـي كابر الخطـوات

يسـير بأرض أخرجت خيـر أمة    وتحت سـماء الوحي والسورات

يفيض عليها اليمـن في غدواتـه    ويضفي عليها  الأمن في الروحات

إذا زرت  يـا مـولاي قبر محمد     وقبلت مثوى الأعظـم العطرات

وفاضـت مع الدمع العيون مهابة     لأحمـد بين  السـتر والحجرات

وأشـرق نـور تحـت كل ثنية    وضاع أريج تحـت كل حصـاة

لمظهـر ديـن  الله فوق تنوفـة    وباني صـروح المجـد فوق فـلاة

فقل لرسـول الله ياخير مرسـل     أبثك ما تـدري من الحسـرات

شعوبك في شرق البلاد وغربهـا     كأصحاب كهف في عميق سبات

بأيمانهم نـوران  ذكـر وسـنة     فما بالهـم في حالـك الظلمات

وذلك ماضي مجدهم وفخارهـم     فمـا ضرهـم لو يعمـلون لآتي

وهذا زمـان أرضـه وسـماؤه     مجـال  لمقـدام كبيـر حيـاة

مشى فيه قوم في السماء وأنشؤوا     بـوارج في  الأبـراج ممتنعـات

فقـل رب وفـق للعظائـم أمتي    وزين لهـا الأفعـال والعزمـات

إذا كنت من أهل السنة والجماعة فعليك أن تؤمن أن مرتكبي الكبائر من المرجويين لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ..

ودع ما يقول الغلاة والمتطرفون اللهم اغفر وارحم وتجاوز.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 824