استراتيجية هتلر بين الإعلام والدفاع!

مريم ياسين الحمادي

دراسة التاريخ فيها الكثير عن الحاضر والمستقبل، لذا نلقي الضوء على تجربة تختلط بين الأهداف النبيلة والفعل والأثر الخطر، قائد ملهم لكنه أراق الدماء، تمكن من قيادة جيوش عظيمة تقف خلفه وتؤمن به. وأوجز بعض الأقوال المشهورة «يمكن لأي شخص التعامل مع النصر، ولكن فقط الأقوياء يمكن أن يتحملوا الهزيمة»، «القوة لا تكمن في الدفاع ولكن في الهجوم»، «مشروعات واضعي المناهج والأفكار قلّما تتحقّق نظريّاتهم، وقلّما تطبّق بحذافيرها، لأنّ العقل البشري يمكنه أن يُدرك الحقائق، ويحدّد الأهداف تحديداً واضحاً، أمّا التنفيذ فإنه يصطدم بالواقع».

لتتعرف على كيفية، تحقيق هتلر رؤيته، شرح في كتابه، توجهاته، وخوفه على أمته، من الخطر، فقد لفت انتباهه التغيرات في بلاده بفعل اليهود، فأدرك ما يقومون به من أعمال لنشر أفكار خطيرة، تسمم المجتمع وتقتل حيويته، وحددها في كتابه «كفاحي» بأنها الدعارة، والفساد، والرقيق، وتغلغلهم في جميع الميادين، ووجد أن تسع أعشار الكتب والمؤلفات والمسرحيات والفنون، ركزت على أهدافهم، لذا استخدموا النقد، للإعلاء من أعمالهم في نقد الأعمال، حيث هيمنوا عليها.

ويرى هتلر أن الأخطاء السياسية التي حدثت بسبب نصائح مفكرين عديمي الإخلاص لوطنهم وخونة سوقوا للأفكار الواهية، تسببت في ضعف ألمانيا، في محاولة لسيطرة اليهود عليها. كما لفت انتباه هتلر مقدرة الماركسية والاشتراكية على استخدام الدعاية كأداة تنوير أو خداع! ووجد كيف أنهم لم يهتموا بها وأثرها على الشعب! فقد لاحظ عدم وجود دعايات منظمة، فلم يركزوا على شعبهم لتعزيز النضال، ورفع الروح المعنوية، ووضح أن الدعاية يجب أن توجه للعوام، أما المثقفون فيجب أن توجه لهم الأسباب؛ لذا فرّق بين الوصول لقلوب الشعب، أو الوصول لعقله، حسب الفئة.

يذكر هتلر في كتابه، كيف كان يتواصل العدو مع الشعب، قبل التواصل الاجتماعي! كانوا يرسلون رسائل، ترميها الطائرات، وخلال قراءتها، وجد هتلر أسلوب نشر الشائعات حول المجاعات المتوقعة وطول الحرب، وضرورة اللجوء للسلام لعدم مقدرتهم على خوض الحروب. وكانوا يعتمدون في نشراتهم أن الشعب يريد السلم، إلا أن القيصر لا يريد ذلك، لذا فالسلم لن يتحقق إلا بإزالة القيصر.

قوبلت هذه النشرات بالسخرية، لكن مع الوقت أسهمت في إضعاف الروح المعنوية، للجنود، على مبدأ جوزيف جوبلز مهندس الدعاية النازية وأدولف هتلر: «اكذب، اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، لذا شجع حرية الصحافة، إلا أنه وجد أنها قد تكون سبباً للفساد، بسبب التضليل.

أفكار هتلر كانت معادية للبغاء، وركز على أهمية الزواج المبكر، وحفظ النوع، ودعا لتوفير حياة اجتماعية كريمة للشعب، ركز على التعليم والتربية البدنية، والعلوم والرياضيات، والتعليم الاختياري للغات. ونتيجة لخوفه على القيم الألمانية، قرر أن يقاوم المسرح، والفن والسينما والصحافة، للمحافظة على القومية. حيث رأى أن الفكر اليهودي في ذلك الوقت، أدى إلى تقليل قيمة التراث الألماني، وضعف الإنتاج الفكري، لذا عزز فكرته حول العرق، وهي التطرف والتعصب الذي قاده للخطورة.

هتلر طرح استراتيجياته، مثل توقيت إرسال الرسالة، والوقت الأفضل لاستقبالها للجمهور. برر استيلاءه الدول على أخرى عندما عجز وطنه واختنق بمن فيه، وفي كل الأحوال كان لهتلر فكر، ومناقشة توجهاته فيها الكثير من الخفايا، ولكن الأكيد أنه عرف كيفية التعامل مع النفس البشرية، ووضع تكتيكاته، وهي الأساليب التي كررتها الدول في الألفيات الجديدة، فأصبح التاريخ يعيد نفسه.

وسوم: العدد 865