السوريون يكتشفون مؤرخ النظام.. وأقصر فيديو لـ”كفرنبل”

مؤرخ السلطان

نعت وزارة ثقافة النظام السوري “الباحث والمؤرخ والمترجم السوري الدكتور سهيل زكار، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 84 عاماً”. تحدث خبر لـ “سانا” عن “مسيرة عطاء امتدت إلى 6 عقود جمع فيها بين الأكاديمي والتطبيقي محققاً بصمة لا تجارى في البحث التاريخي متفرغاً للبحث والعلم والكتاب زاهداً بكل المناصب وكل الدعوات التي جاءته من جامعات أجنبية وعربية”، وأن الرجل “أثرى المكتبة العربية بأكثر من 350 مجلداً”، كما “أخرج كتابه الأشهر “الموسوعة الشامية في الحروب الصليبية” في 50 مجلداً، ودقّق تاريخياً عدداً من الأعمال الدرامية منها البحث عن صلاح الدين للمخرج نجدة أنزور ومسلسل هارون الرشيد”.

السوريون، غير المطمئنين إلى كل ما يصدر عن النظام، هرعوا إلى يوتيوب، وإذا به يغصّ بأحاديث للمؤرخ، الأكاديمي الذي تخرجت على يديه أجيال، إلى قناة “الكوثر” الدينية الشيعية، هي أقرب إلى شتائم طائفية يستحيل أن تصدر عن مؤرخ موضوعي.

من بين مقابلاته للقناة واحدة يتحدث فيها زكار عن مجتمع مكة، ومن بين ما قال “يبدو أن أبو سفيان كان يتاجر ويمارس البغاء، ويبدو أنه كان شبقاً، وقد أنجب من أكثر من واحدة من البغايا، والرجل الذي أباح لنفسه مثل هذه الأخلاق لن يبالي إذا كانت زوجته تخونه أو تمارس البغاء. ومن هذا الباب قيل إن معاوية لم يكن لأبي سفيان.. لذلك سهل على معاوية استلحاق زياد به، طالما هو ابن بغاء… ويجد الإنسان أن أبا سفيان ربما كان أباً لعمرو بن العاص، وربما كان أباً لطلحة بن عبيد الله، ولربما كان أباً لعدد كبير من الشخصيات”، ليصل إلى القول “عندما يقرأ الإنسان بعض الرسائل يجد أن كل بني أمية كانوا هم والإسلام لم يلتقيا قط”. زكار كان أساساً افتتح المقابلة بالحديث عن بني أمية “من باب التجارة دخل إلى الأسر القرشية مجموعات من التجار، هكذا نجد أن أمية الذي جُعل ابن عبد شمس، كان عبداً لعبد شمس، اشتراه رقيقاً ثم تبنّاه”.

لا يخفى أن لغة “المؤرخ” يغلب عليها التخمين، إن لم نقل “الشلف” في مطارح حساسة للغاية، لغة أقرب إلى الشتم منها إلى لغة البحث. وبالمناسبة، بدا أن مقدم البرنامج كان على حق وهو يخاطبه بــ “فضيلة الشيخ”، قبل أن يصححها إلى “فضيلة الدكتور”، فهي زلة لسان في مكانها، حيث الكلام يبدو صادراً عن شيخ طائفي لا عن مؤرخ أكاديمي.

أوصاف عديدة أطلقها السوريون المعارضون على المؤرخ الراحل، من مؤرخ السلطان، إلى مؤرخ النظام، ومدللّ النظام.. لكن الحكاية ليست هنا الآن، إذ لا بدّ من الركض إلى المكتبة لمعاينة ثلاثمئة وخمسين كتاباً، ما فعل بها المؤرخ، بالأحرى ما أفسد بها، إلى المسلسلات التي دققها، إلى موسوعته عن الحروب الصليبية، باختصار لا بدّ من معاينة ستة عقود من تاريخ السوريين وكيف عبثت بها براثن مؤرخي السلطان.

هكذا تكشف الأيام والسنون أن النظام لم يكن العسكر وأجهزة الأمن وأقبيته وحسب، إنه كذلك، وقبل كل شيء، مؤرخون وشعراء وسينمائيون ومطربون.

كفرنبل

أقصر فيديو يمكن مشاهدته لبلدة كفرنبل، البلدة السورية المعارضة للنظام، والذائعة الصيت، ستجده على موقع “سانا”، وكالة أنباء النظام السوري. 37 ثانية فقط، بعد احتلال البلدة من قبل قوات النظام، سنرى فيها لقطات عامة، أو ضيقة للغاية، والعارف والمتابع لمجريات ويوميات الثورة السورية سيعرف تماماً ما السر وراء ذلك.

ذلك أنه من المستحيل أن تجد شبراً في البلدة، بقية من جدار أو سقف أو حتى قبر يخلو من كتابة، أو رسم ضد النظام، فكفرنبل العنيدة مشهورة بلافتاتها ورسومها الذكية التي جالت مدناً في أنحاء مختلفة من العالم كمعارض تتحف الناظرين.

كذلك ستجد مراسلاً لـ “الإخبارية” السورية يفسر حرب أردوغان الأخيرة بسبب سيطرة النظام على البلدة التي اعتبرها “المعقل الأساسي للإخوان المسلمين”! لا يعرف المراسل كفرنبل صاحبة المبادرات المدنية المدهشة، صحف وإذاعات ولافتات، كما لا يعرف أن للبلدة مناكفاتها وجولاتها حتى مع الفصائل الإسلامية.

النظام لن يفهم كفرنبل أبداً. لا يريد أن يفهم كفرنبل أساساً.

وسوم: العدد 866