الفَتْــــــــحُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الفَتْحُ تَعْبيرٌ قُرآنِيٌّ عَظِيمٌ جَاءَ لِيُجِلَّ وَيُعَظِمَّ مِنْ شَأنِ انْتِصَارِ إرَادَةِ العَقْلِ وَالتَّعَقُلِّ ,وَالتَفَاهُمِ وَالتَعَايُشِ ,وَالأمْنِ وَالسْلَامِ.. علَى إرَادَةِ الغَبَاءِ وَالرْعُونَةِ, وَالعِنَادِ وَالتَّدَابُرِ ,وَالحَرْبِ وَالهَلَاكِ.. في الطَريقِ مِنْ المَدينَةِ المُنَّورَةِ إلى مَكَةَ المُكرَّمة في عُمْرَةِ الحُدَيبيَّةِ ,عَثَرت نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ..فَقَالَ الصْحَابَةُ رَضي اللهُ تَعَالى عَنْهُم: خَلأَتْ القَصْواءُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا واللهِ مَا خَلأتْ ومَا هُو لَها بِخُلقٍ ..ولَكِن حَبَسَها حَابِسُ الفِيلِ..! مِنْ اقْتِحَامِ مَكَةَ المُكَرَّمة وانْتِهَاكِ حُرْمَتِها, وَتَدْنِيسِ قُدْسِيَّتِها, وَسَفْكِ دِمِاءِ النَّاس, إشارةٌ منه صلى الله عليه وسلم : إلى أنَّ هَذِه الزِيَارَة المُبَاركَة إنْ تَمَت عِنْوةً عَنْ قُريشٍ فَسَتَكون سبَبًا لإثَارةِ حَرْبٍ تُنْتِجُ أثَاراً شَبِيهَةٌ بِآثارِ غَزْوَةِ الفيل لو تمت.. لذا قَالَ  صلى الله عليه وسلم: " يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ ..!". ثُمَّ قالَ  صلى الله عليه وسلم ِ: " وَالله لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحِمِ إلّا أَعْطَيْتهمْ إيّاهَا". وصَدَقَ صلى الله عليه وسلم بِمَا وَعدَ فَكَان صُلْحُ الحُدِيبيَّةِ ..الذي وَصَفهُ رَبُّ النَّاسِ تَبَارَكتَ أسْمَاؤه بِالفَتْحِ المُبِينِ في قَولِه تَعالى:" إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا " أجلْ: إنَّ حَقْنَ دِمَاءِ النَّاسِ وَصَونَ حُرْمَةِ الْكَعْبَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.. وَانْتِصَارَ إرَادَةِ الحِكْمَةِ والتَفَاهُمِ, وَالأمْنِ وَالسْلَامِ علَى إرَادَةِ الطَيْشِ وَالعِنَادِ وَالحُروبِ والهَلَاكِ وَالدَمارِ .. لَهُو فَتْحٌ مُبينٌ جَلِيلٌ عَظيمٌ .. يَحْملُ الخَيْرَ العَميمَ ,ويَنثرُ بين يَديِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَائِرَ المَغْفِرةِ وَالرَحْمَةِ وَالهِدَايَةِ وَالرُشْدِ والنّصْرِ المؤزرِ ..إنَّه نَهْجٌ رَبَّانيٌّ قُدسيٌّ جَدِيرٌ بِتَحقيقِ نِظَامٍ بَشَريٍّ حَضَاريٍّ آمِنٍ رَاشِدٍ.

وسوم: العدد 876