"إبراهيم عوض" محامي الفكر الإسلامي

عندما فشلت الصهيونية العالمية في تحقيق أطماعها عسكرياً؛ استأجرت صحفاً وأبواقاً لتشويه الحقائق، وتزوير التاريخ، وقد استدعت نفراً مِن "الأعراب"؛ مِمَّن قبِلوا أداء هذا الدور الرخيص الذي امتعضَ عنه كثير من الغربيين الشرفاء!

وليست القدس وفلسطين سوى المعركة الظاهرة في هذا الصراع المحتدِم، فهناك حروب فكرية،  ومؤامرات علمية وثقافية تقود زمامها مراكز أبحاث، وتُحرّكها دوائر استخباراتية، ومعاهد وجامعات عالمية، ووسائل إعلام جهنّمية!

وقد تصدّى لهذا المخطط الخبيث نخبةٌ مِن العلماء والأدباء والمفكّرين، وكشفوا أبعاد هذه المؤامرة، وانبروا للردّ على تلك الأبواق المستأجَرة، في عصر استئجار العقول والأرحام!

لمْ ينزلق أُولوا الألباب، ولمْ ينخدعوا بالدعوات الكاذبة والشعارات البرّاقة: كالاشتراكية والعلمانية والحداثة والعولمة، وكامب ديفيد، وأُسلو، وحلّ الدولتيْن، والسلام الدافئ، وصفْقة القرن!

لمْ ينزلقوا، ولمْ ينخدعوا لأنهم يعرفون مصدر هذه الأفكار والتقاليع والموضات، ويعرفون حقيقة أصحابها ونواياهم السود، وتاريخهم الدموي، وكُتبهم الملوّثة!

هذا؛ وقد تألَّقَ في الحقبة الأخيرة الكاتبُ والمفكّر الدكتور (إبراهيم عوض)؛ الذي لبِسَ لامّته، واستلَّ سيفه، وانقضَّ على تجّار الكلام، وسماسرة التدليس، وتتبّع أخطائهم وخطاياهم في ميادين الفكر، وفضح انحرافاتهم النفسية والعقديّة حتى جعلهم عرايا أمام أنفسهم وأمام الرأي العام!

لقد أجهزَ "إبراهيم عوض" بمدفعيّتهِ الثقيلة في دكّ حصون المستشرقين، وتلامذتهم المراهنين على تمزيق أُمتهم، وتقديمها جثّة هامدة على مذبح الصليبية العالمية!

يقول إبراهيم عوض: "في هذه المرحلة البائسة من التاريخ يتعرض الإسلام لهجمةٍ رهيبةٍ تستهدف محو كل شىء يتعلق به أو بأهله، هجمةٍ تُسْتَخْدَم فيها كل الوسائل والخطط التى لم يحلم بها الشيطان نفسه، ويتم الكذب والتدليس علانية دون خجل أوْ حياء، إذْ المسلمون حكوماتٍ وشعوبًا هم الآن فى أسوأ حالاتهم وأوضاعهم، وهو ما يُغري الغرب بالاعتقاد بأنَّ هذه فرصة عظيمة لا تتكرر للعمل على تدمير هذا الدين والقضاء على أهله إن استطاع، أو على الأقل: العمل على تغيير هويتهم وانتمائهم، واجتيالهم عن معتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، مستخدماً فى ذلك، ضمن ما يستخدم، خَوَنة ومرتزقة يَسْهُل شراؤهم واقتيادهم من أنوفهم للقيام بمهمة "الكَبْش" الذى تُحَطَّم به أبواب القلاع والحصون، تلك المهمة التى ينهض بها هؤلاء الكِبَاش الأقذار المنحطّون بحماسة منقطعة النظير لنيْل رضى المستعمر المجرم الذى ظلَّ يذيق أُمتهم العذاب قرونًا ويسرقها ويقتّل رجالها ويعتدي على أعراض نسائها ويذبّحهم أيضا. وفى إطار هذه الهجمة المجرمة الشرسة ينبغى النظر إلى تلك الكتابات الهجينة"!            ومن هؤلاء الذين ردَّ عليهم الدكتور/ عوض- وفنّد مزاعمهم: المستشرق الفرنسي "شِرْلُوك هُولْمِز" الذي يزعم عدم وجود حقيقي للرسول مُحمَّد؟ بلْ ويقترح هذا المجنون بنَكْت شوارع المدينة المنورة؛ بُغية التأكد من وجود "الخندق" الذى يُصرّ بخبلٍ عقلىٍّ غريبٍ على أنه لم يكن له وجود، مِمَّا يعده برهاناً قاطعاً على أنَّ (مُحمَّداً) نفسه لم يكن له وجود!

كما ردَّ "إبراهيم عوض" رداً نارياً على اليهودييْن (باتريشيا كرونه، ومايكل كوك) وهما أستاذان بأكسفورد – أتيا بمزاعم مجهولة ومتناقضة، وأصرّا على الاستناد إليها، ونتيجةً لهذا نراهما ينفيان أن يكون "المسلمون" قد عُرِفوا بهذا الاسم قبل بناء قبّة بيت المقدس!! أوْ أن يكون للإسلام شخصية مستقلة، بلْ هو مجرد دين مسيحاني جاء ليبشِّر بقرب قدوم المسيح، كما يزعمان بأنَّ المسيح الذى أتى النبيّ(ع) للتبشير به هو عمر بن الخطاب ... إلى آخِر هذه الهلوسات المسعورة التى مكانها الوحيد هو مستشفى المجانين ومقالب القمامة!

يقول الدكتور/ عوض: لقد اعتمدوا على المصادر اليهودية، وكأنَّ اليهود أهل صدقٍ وأمانة ووفاء للحقيقة! فمنذ متى يصح الاعتماد على اليهود فى رواياتهم عن الإسلام، وهم الذين أثبتوا أنهم آخِر مَن يُعتمد عليهم  فى كتابة التاريخ، وهم الذين شوهوا صورة الأنبياء بالكتاب المقدّس.  وإلاَّ فكيف نُفسِّر الصور الشائهة التى رسموها للأنبياء فحوّلوهم إلى جماعة من الكذبة والزناة والقتلة والحقدة الحاسدين، ومروّجي عبادة الأصنام؟ بلْ لقد رسموا للهِ –سبحانه- صوراً لا تليق حتى بالبشر: فمِنْ استراحة من عناء الخلْق فى اليوم السابع! إلى المشي فى طرقات الجنة يبحث دون جدوى عن مكان اختفاء آدم منه! إلى اشتباكهِ فى مصارعة مع يعقوب طوال الليل! إلى حقده على بنى آدم، الذين خلقهم بنفسه ثمَّ غاظه أن يتكلموا كلهم بلغة واحدة؛ فبَلبلَ ألسنتهم تكديراً لهم وتعذيبا، إلى ندمهِ على أنه قد خلقهم أصلا ... إلخ!!!

هذا؛ ويتعقّب "إبراهيم عوض" خصومه، ويُرهِقهم ويُزلزِلهم، ويتوعّدهم بهزيمةٍ نكراء! وقد استلّ قلمه، وتصدّى ل"أقباط المهجر"، الذين أطلقَ عليهم لقب "أوباش المهجر"! إذْ يقول: "لقد علمتُ بالمصادفة المحضة، أنَّ موقعاً من المواقع النجسة قد نشر فى صفحته الرئيسية شيئاً اسمه "القرآن الشعبى" مِن عمل أوباش المهجر يَسْخَرون به من القرآن .. والمسألة تتلخص فى أنَّ حثالة الأوباش من أعباط المهجر مِمَّن أُوتُوا نصيباً هائلاً من الفهاهة والبلاهة والسفاهة والسفالة والرذالة والجهالة قد جاؤوا بالنص القرآنى وأخذوا يعبثون بآياته مُغيّرينَ كلمات مثل "الله" و"الرحيم" و"الصراط" و"الرَّيْب" و"الرِّجْس" و"النكاح" بطول القرآن كله إلى "اللات" و"الرجيم" و"الطريق" و"الشك" و"الوساخة" على الترتيب، علاوة على اتْباعهم بعض الألفاظ القرآنية شرحاً عامياً لها على سبيل التهكُّم والسخرية، أوْ تعليقاً بذيئاً عليها؛ تصوّراً منهم أنَّ هذا مِن شأنه تدنيس كتاب الله. وقد ذهب ذهنى يقلب فى صفحات التاريخ عن المحاولات التى قام بها أوباش سابقون بُغيَة تحريف القرآن، فتذكرتُ ما صنعه اليهود فى ستينات القرن الماضى حين وزّعوا فى بعض البلدان الإفريقية المسلمة مصاحف بدّلوا فيها وحرّفوا، وتذكرتُ أيضاً ما تريده أمريكا من الدول العربية من إسقاط النصوص القرآنية التى تدعو المسلمين إلى الجهاد ذَوْدًا عن دينهم وكرامتهم وأوطانهم، وبذلك يخلو الجو للصليبيين والصهيونيين ليفعلوا ببلادنا وثرواتنا وحاضرنا ومستقبلنا ما يحلو لهم دون رقيبٍ أو حسيب. ثم تذكرتُ أيضاً كتاب "الفرقان الحق" الذى ظهر منذ أعوام خلتْ فى محاولةٍ دنيئة لتقليد القرآن الكريم، وكله سباب مقذع لله والرسول والمسلمين. وها نحن أولاء نشهد الآن محاولة أخرى لتحريف القرآن المجيد ... فما معنى هذا؟ إنَّ معناه أمران:

الأول: أنَّ أهل الكتاب قد مَرَدُوا على تحريف وحي السماء، فأضحى الأمر يجرى فى دمائهم كالأفيون والكوكايين والهيروين لا يستطيعون منه فكاكا، حتى إنهم لم يكتفوا بما اقترفوه فى حق كتبهم، بلْ مدوا أيديهم إلى القرآن ذاته يريدون تلويثه كما لوثوا كتابهم المقدس، ولكن هيهات.    والثانى: أنهم فى أمريكا والغرب قد فقدوا عقولهم وبلغوا من الوقاحة والبجاجة والرذالة والسفالة مبلغاً بعيداً جَرّاء كراهيتهم لهذا القرآن ورُعباً منه رغم أنَّ فى أيديهم من وسائل القوة والجبروت ما لم يكن يخطر على بال. وهذا دليل على ما يمثله القرآن لهؤلاء المجرمين مِن تحدٍّ يعلمون أنه تحدٍّ رهيب، وذلك رغم ضعف المسلمين فى هذا الطور من أطوار تاريخهم ..."!

وهكذا يمضي "إبراهيم عوض" مقاتلاً على كلّ الجبهات، أشبه بالفدائي الذي ارتدى الخوذة والدروع الواقية، وأثقلتْ كاهله البنادق والرشّاشات المثقلة بالذخيرة؛ والتي أقسمَ أن يُسدّدها في صدر أعداء الأمة وخصومها الحضاريين! وها هو ينتقل من معركة إلى معركةٍ أخرى دفاعاً عن حياض الأمة وتراثها؛ فيردَّ على ربيب الصهيونية "العفيف الأخضر" ويصفه بأحقر المُكذّبين والمدلسّين! ويستشهِد بكلامه القبيح حين يسخر من المقاومة الفلسطينية، حين يقول بلا حياء: "استشهاديو حماس، الذين غُسِلَتْ أدمغتهم، يُعطَى لكل واحد منهم واقي ذكري فولاذي يقيه من عواقب انفجار الحزام الناسف لينكح به الحوريات الموعودات!". يقول الدكتور/ عوض إنَّ هذا "الأفّاق" الذي ولاؤه للصهاينة واليهود؛ يسخَر من الفلسطينيين المظلومين الذين امتلخت القوى العالمية بلادهم وأعطتها اليهود ونكّلت بهم أيّما تنكيل وسدّت فى وجوههم كل أبواب الرحمة والأمل. فهذا الوغد يهاجمهم ويفترى عليهم الأضاليل، فى الوقت الذى يناصر فيه الصهاينةَ وينهش عِرْض كل من يمسهم، ويرى فيهم وفى ديانتهم الخير كله. أمَّا العرب والفلسطينيون والمسلمون فكل هؤلاء فى نظره: إرهابيون، لابدَّ من استئصالهم من على وجه الأرض!!

كما صوّبَ "إبراهيم عوض" سهامه نحو دعاة الحداثة وعبيد الشّعر الحر، أمثال عبد المعطي حجازي –أوْ عبد الذي يُعطي- فأرداهم صرعى، وكشف جهلهم بقواعد اللغة ومبادئ الأدب، وجهلهم بالشّعر والنثر معاً. فيصف ما يكتبه "حجازي" بهذيان لغوى، لا فكرة فيهِ ولا صورة ولا عاطفة ولا لغة، فلمْ يأتِ بشىء على الإطلاق ... فلا هو قدّم لنا لوحة كاملة، ولا هو أمدّنا بصور فاتنة، ولا هو أعطانا معنى مفهوما، ولا هو أحسن تناوُلَ ما تناوله، بلْ جاء بكلامٍ فاسدٍ مضطرب غامض، مستغلق على الفهم والذوق! فلا شىء يمكن أن يخرج به القارئ من هذه الثرثرة الفارغة التى يُسمّيها شِعراً، وما هي بشِعر ولا بشىء ينتمى إلى عالم المعنى والشعور.

مَن هوَ إبراهيم عوض؟

إنه الناقد والأكاديمي، والأديب الموسوعي الذي أمطر المكتبات بوابلٍ من الموسوعات والمؤلفات العجيبة، والدراسات النقدية الرصينة! وهو الكاتب الفذ الذي يأبَى التنكُّر لهويّته الثقافية، حتى أطلقَ على سيرته الذاتية: "مِن كُتّاب الشيخ مرسي إلى جامعة أكسفورد"!  

أوْ يمكن وصفه ب"مدفعيّة الفكر الإسلامي الثقيلة" التي تدكّ حصون المُرجفين!

فبمجرد أن تقرأ مقالاً واحداً له؛ يُخيّل إليكَ أنكَ أمام فدائي مشغول بحفر الخنادق وصُنع الخيام! أوْ أنك أمام قائد عسكري يخوض حرباً ضارية، مُستنفِراً جميع قوّاته، ومستخدماً فيها كافة الأسلحة! بلْ إنه يتعقّب خصومه في كل زاويةٍ يختبئونَ فيها، أوْ كل حجرٍ أوْ شجرة "غرقد" يختبئونَ وراءها ... ويأبى أن يخلع "لامّة الحرب" في حِلِّهِ وترحالهِ!

فالويْلُ كلّ الويْل لمن تعرّضَ لمدفعيّتهِ الثقيلة، وجيوشه الجرّارة!

ويا لِشقاء مَن سوّلتْ له نفسه مناطحة تلك الصخرة  الشمّاء! 

الخلاصة: أنه منذ أن أمسكَ "إبراهيم عوض" بالقلم؛ لمْ يتوقف يوماً واحداً في مباغتة الماركسيين والعلمانيين، ودكّ حصون الأدعياء و"المُرجفين"! وقد نجح في تعرية المستشرق "چيل كورتيو" الأستاذ بجامعة ليون الثالثة! كما ردّ على الصهيوني "سام شمعون"، وقام بتفكيك خطاب بابا الفايكان السابق "بينتكت السادس" ودحض مزاعمه عن الإسلام ونبيّه! وردّ على الدعيّ "سيد القمني"، وردّ على مخازي أدونيس وتناقضاته، وفنّد آراء المُدلِّس "نصر أبو زيد"، وأفحم الساقط الرقيع "شريف الشوباشي"، وكشفَ عن غباء "الغيطاني" و"القعيد" وجهالاتهم بالتاريخ واللغة، وردّ بقوة على رشاد خليفة، وتلميذه أحمد صبحي منصور، وإخوانهم في الرضاعة!!

الحقَّ الحقَّ أقول: إنَّ أُمّةً تُنجِب المُصلحين، والكُتّاب المجاهدين، أمثال "إبراهيم عوض" لهيَ أُمّة خليقة بالتمكين، وجديرة بالنصر ... ويقولونَ متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.

وسوم: العدد 879