قصصُ العُروج(١٤٨)

دواهي اليهود

 النّكوثُ سبب النكوص:

إن نكث العهود يتسبب في النكوص على الأعقاب وفي الارتداد على الأدبار، ولاشتهار بني اسرائيل بنقض العهود ونكث المواثيق، فقد استمروا في النكوص على الأعقاب، حتى كتب الله عليهم التيه أربعين سنة في عصرهم الذهبي، عندما كان موسى وهارون بين أظهرهم، وكان موسى قد قال لهم: {يا قومي ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} [المائدة: ٢١].

وبسبب هذا النكوص على الأعقاب؛ تعاقبت عليهم الخسائر والنكبات، وظلوا أمة صغيرة الحجم ضعيفة القوة رغم عراقتهم التأريخية، واستمروا قرابة ألفي سنة بلا دولة، ولا عمل لمتدينيهم سوى الوقوف أمام ما سموه بـ(حائط المبكَى)، وهو حائط البُراق، يبكون حالهم التعيس ويندبون حظهم العاثر، وينتظرون مهديهم المُخلِّص!

 مَذلّة المفترين:

إن الذين يفترون على الله الكذب، سواء عن طريق التأويل الباطل أو الانتحال المزيف، إنما يُعرضون أنفسهم لعقوبتين خطيرتين من الله وهما: الغضب عليهم، وإلحاق الذل بهم، وهذا ماحدث لبني اسرائيل عندما افتروا على الله العجل، قال تعالى:  {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} [الأعراف: ١٥٢]. ونلاحظ كيف ختم الله الآية بقوله: {وكذلك نجزي المُفتَرين}؛ من أجل أن لا يظن ظانٌ بأن الأمر خاص ببني إسرائيل، فهو سنة ماضية في حق كل من مارسوا الافتراء على الله بأي صورة من الصور، وما الغضب الإلهي الذي يتعرض له مسلمو زماننا إلا ثمرة مرة لاتخاذهم عجولاً من البشر وأصناماً من لحم ودم!

 الغُلوّ في الأسباب:

اشتهر اليهود بالأخذ بالأسباب قديماً وحديثاً، لكنهم غالوا في التعامل معها لدرجة أنهم ينظرون إليها كأنها تملك لهم جلب النفع أو دفع الضر بذاتها.

ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه قوله تعالى عن بني النظير: {وظنوا أنهم مانعتُهم حصونُهم من الله}، ويتضح غلوهم في الاعتقاد بحماية الحصون لهم، وذلك من خلال:

- تقديم الخبر "مانعتُهم" على المبتدأ  "حصونهم"!

- ظنهم أنها ستمنعهم من الله ذاته وليس من محمد فقط!

 القتل الحسي والمعنوي:

التكذيب قتل معنوي والقتل تكذيبٌ حسي، ولقد قرن الله بين هاتين الجريمتين اللتين مارسهما بنو اسرائيل، فقال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون}[البقرة: ٨٧]، ونلاحظ أن هذين المولودين المشؤومين إنما خرجا من رحم الاستكبار، ويؤكد النص القرآني أن هذا الجرم طبيعة ثابتة في بني إسرائيل، نستنتج ذلك من كلمة {أفكلما}، ومن حوادث التأريخ التي تؤكد هذه الحقيقة بما لا يدع أي مجال للجدل!

بُورِك المُتدبِّرون

منتدى الفكر الإسلامي

وسوم: العدد 881