للحق ما نصرنا ـ فانكسرنا

أحمد إبراهيم أحمد مرعوه

ربي ها هي الدُنيا ـ التي كُلما أَرَدْناهَا إصلاحاً أخفقنا، وكلما أردناها نعيماً وملكاً لا يبلىَ، أصبنا فقراً لا يفنَى لحقدِ حاقدٍ أعمى، وما قاومنا .. بل استسلمنا لمُر أصبنا، وتركنا المكانَ ومضينا، وفي قلوبنِا مُرٌ مَا ذَهَبَ به كُلِ الماءِ مهما ارتوينا، وقُلنا هذا نتيجةُ كتابٍ تركناهُ فما اهتدينا، فزادتْ الهُمومُ هماً لأننا لكَ عصينا، هكذا شيطانُ الإنسِ يدعوُننا، وكأننا بشيطانِ الجنِ ما اكتفينا!

ساءتْ أخلاقُنا إلا مَنْ رحمتْ ربي، وفسدتْ فِطرتنُا وماتتْ نخوتُنا فضاعتْ هيبتُنا، وللحقِ ما نصرنا فانكسرنا، وللدينِ تركنا فبالشيطانِ أُلحقنا، وصِرنا عَبيداً لا عِباداً . صِرنَا عبَيداً للشهواتِ والملذاتِ فَلمْ نَعدْ نَصلُح أنْ نكونَ للهِ عِباداً وعُباداً، وزادتْ قَسوتنُا للذينَ يرجونَ للهِ حساباً .. فزادتْ وحشِيتُنا وصِرنا وحوشاً ضاريةً نقتلُ ما لا يكونُ وفقَ هَوانا، ونقاتلُ اللهَ الذي بالمسلمينِ سمانا!

الرفقُ عبادَ اللهِ ـ وكُونُوا لإخوانِكم في الدينِ إِخوانا، فلا تكُونُوا كالأسدِ في البَرِيةِ جَوعانا، فمعظمُ الأسودِ تنابلةٌ، ووقتَ الجوعِ لا تفرقُ بَينَ لحمِ إِخوتِها ولحمِ إنسانٍ، فالجوعُ يقتلُ الجوعانَ "وما النفسُ بالنفسِ إلا لإنسانٍ" أقرها اللهُ لِيفرقَ بَينَ الإنسِ والحيوانِ، فهل أصبحتُم بنعمتهِ إخوانا!

بعضُ الناسِ للدينِ هَاجرُهُ ـ وكأنهُ الشيطانُ يناحرُهُ، ولعدوِ اللهِ ينُاصِرُه، وإنْ تَصارعَ الملحدُ مع أخيهِ يؤازرُه حتى إذاَ ما قتلهُ يُهنئُه، وإذا ُقُتلَ يذهبُ لجمعهِ يُشاطرُه!

التحررُ من الدينِ صار لَدَىَ البعضِ تحرراً من الرجعيةِ ـ صار تحرراً منَ التبعيةِ، ولا يظنُ أنهُ هَجرٌ للقيم والأخلاقِ، وموتُ للضمائرِ والذممِ، وعطبٌ أصابَ العزائمَ والهممِ، فماتتْ النفوسُ وأصبحتْ في عدادِ الرممِ، واستشرى الجهلُ واستعصتْ الكتابةُ بالنونِ والقلمِ، وخفَقتْ رايةُ المعرفةِ لرفعِ جَهلةِ العَلمِ!

وبرغمِ إنهم سَيرُونَا في المنحدرِ ـ أوهمونا أنهُ القدرُ، والقلوبُ تئنُ بجراحٍ ما مرتْ بقلبِ بشرٍ، وكلما طلبنا إِصلاحاً مما يُدعىَ بالعارفِ باللهِ ـ اختصر ـ وقالَ لنا: لا مجالَ لإصلاحِ مَا انكسرْ، وكلُ طريقٍ يؤدي إلى روما انحسرْ، وقاطعُ الطريقِ هناكَ ليسَ ببشرٍ، وفرَ الشيخُ العارفُ باللهِ هارباً، والراضخُ ما زالَ يأمرُنا باتباعِ الهوىَ، لأنَ الإمامَ انزوى في مخبأِ الهوى، ليُذَكِرَنا بأن اللهَ قال لنا: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴿٢﴾) [النجم:2]. ونحنُ نعلمُ ذَلِكَ جَيْدَاً .. يا بائعَ الهوى، لَكِنْ: أيُ صاحبِ تقصدُ يا أعورَ الدجلِ، وأنتْ تنبئُي بالأنبياءِ بعدَ النبيِ، أُخرجْ علينا أيُها الدجالُ في زمنِ الدجلِ ـ أهذِهِ ردةُ أمْ هوى؟

وعلى إثرِ ذلكَ استشرتْ بيننا ردةٌ في المجتمعِ، أصابتْ عقولَ الجُهلاءِ الذينَ ما قرءوا كتاباً، بل كُلِ ما عقلوهُ أَنَهُمْ: كانوا يرددونَ ما كانوا يسمعون، فأحياناً يَنقصونَ، وفي أحايينَ كثيرِةً كانوا يزيدون. ولأنَ رِدةٌ الجهلِ كانتْ وما زالتْ قاسيةً، صارَ البعضُ يمالئُ الجهلَ بتحالفهِ معَ الشياطينِ الكثيرةِ المُسماةِ "بالعلمانيةِ" تارةً، و بــ :"اللبراليةِ" تارةً أُخرى، وأشياءَ أٌخر مِنْ هذا القبيلِ وذاكَ الرعيلِ، ثم بعدَ ذلكَ يقولونَ: إننا معكُم .. إننا مُسلمون!

وبرغمِ أنَ هناكَ فرقٌ كبيرٌ بينَ المُسلمينَ المُسالمينَ ـ والمُسلمينَ المُسلِمينَ في كلِ شيءٍ ـ ونقولُ لكَ، قلُ ما شئتَ، كما تقولُ: "الراقصةُ المُسْلمةُ" تلِكَ الحيةُ الرقْطَاءُ التي لأحشائِها كاشفةُ مُسَلِمَةُ، والتي تَكشِفُكَ وهي تَجْذِبُكَ نحوها، فإذا ما تمتْ الرذيلةٌ لدغتكَ بسُمٍ حتماً هُوَ قاتلُكَ، وإذا ما قُتلتْ: نعاها الشيخُ الُمتراقصُ "بشهيدةِ الرقصِ" لأنها كانتْ لرزِقِها ترُاقصُ!

قُل كما تقولُ الفنانةُ المتبرجةُ صاحبةُ الأفلامِ التي قالوا عنها ـ الأفلامُ الممنوعةٌ من العرضِ على الشاشاتِ الصغيرةِ ـ أفلامُ الكبارِ فقطْ ـ تلكَ الأفلامُ التي ما كانوا يستطيعُونَ لها ترويجاً، إلا بعدما عجزتْ مقصىاتُ الرقابةِ عن الوصولِ إِليها، بسبب الكبارِ الذينَ كانوا يريدوُنَ مُسايرةَ الدولِ، التي كانتْ ومازالتْ تُخَطِطُ لغزوِ عقولِناَ ـ لمحوِ أخلاقِنا ـ  لمحوِ هُويتِنا برغمِ وجودِ المشايخِ مُنذُ زَمَنٍ بعيدٍ ـ أَياَمَ كانَ عبدُ اللهِ بنِ المباركِ ـ ومِنْ بعدهِ الشبيهُ في المُسَمَى لا المُحتوىَ (حُسْنِي مُبَارَكْ) وبرغمِ أَنَ المشَايخَ  يَصْلِحُونَ لكُلِ زمانٍ ومكانٍ ـ كانوا ومازالوا لا يُصْلِحُونَ اعوجاجاً ـ ولا يُرشدونَ شباباَ!

ومعَ ذلكَ لا نقولُ عن بعضِ المشايِخ ـ إِلا أنهُم المشايخُ، لكنَهُم "مشايُخ الفَتَهِ" لا الفَتَوَى ـ وَهُمْ أَيضاً مُسلمُونَ، وهذا لأننا لا نجدُ لهم اسماً آخرَ في "قاموسِ التَعَارُفِ" وإِنْ كُنتَ حَتماً مُسَمْيِهِمْ فسميهُم المتساهلوُنَ المُضَيِعُونَ لدينِهِم نَظيرَ ما كانوا يتسولونَ ـ ابتداءً من المناصبِ حتى أقلَ المكاسبِ!

قُل كما يقول المسلمُ "صاحبُ الخمارةِ"، أو "صاحبُ بيتِ الدعارةِ" الذي يتاجرُ في الأعراضِ لِمَنْ ضَلَ وهَوَىَ إلى وادٍ سحيقٍ انزَوَى فيهِ المارقُ الفاجرُ وكأنهُ دواءُ الهَوَىَ، ومازالَ يَهْوَى الإعراضَ عن كُلِ الَحلاَلِ المُبَاحِ ـ الذي لا يحتاجُ إلى كُلِ هذا الجريِ والنُبَاحِ!

وهؤلاءِ أيضاً يطعمُونَ الطعامَ ـ لكنهُ معَ الخمورِ والفجورِ، وأمورٌ كثيرةٌ كانتْ سِتْراً مستوراً أصبحتْ هي اللحمُ للفَمِ المسعُورِ، والبحرِ المسجورِ، والخُلقِ المهجورِ في مكانٍ عفنٍ يسترُه عِطرُ البخورِ!

ألمْ يقلْ عَنْهُمْ شيخُ الدَجَلِ أنهُم مُسلمُون ـ وحَسِبَهُمْ العامةُ مُسلمُينَ ومُسالمينَ!

قُلْ كما يقُولُ المشايُخ المتنطعُون المتشدقُون المتفيهقُون، الذينَ يضعُون الأمُورَ في غيرِ مَوْاضِعَهَا حِينَمَا يريدوُنَ التفافاً على الحقِ، وفي زعمِهِمْ أَننا لهُم راضُخونَ كما يَرْضَخُونَ، هؤلاءِ يظُنُهمْ العامةُ مُسلمُينَ برغمِ أَنَهُم مُتَأسْلِمُونْ!    

تكلموا في كُلِ شَيءٍ أَيُهَا المُتكلمُونَ ـ لَكِنْ لا تُخَادِعُوا ولا تَخْدَعُوا، لأَنَ الناسَ أَكثرُ مِنْكمُ فهماً لِمَا تُرَوْجُونْ، ومنهم مَنْ لا يستطيعُونَ فَضحَ أمرِكُم مخافةَ السجونِ خاصةً بعدمَا سَارَ على نَهْجِكُم المُغَفَلُونْ!

بِضَاعَتِكمُ رخيصةً أَيُها الأَفاقُونْ، تلاعبتُمْ بِكُلِ شيءٍ حتى أَصَبْتُموا في دِينَنَا، وظننتُم أَنَكُم بِكُلِ شيءٍ عَالمِونَ، صَمْمَتُمْ وشَاركتُم في تهريبِ أَموالنِا، سرقتمُونا ونهبتمُونا حتى أفلستمُونا، ومَنْ حُوكِمَ مِنْكمُ ناَلَ البراءةَ لِعَدَمِ اكتمالِ نِصَابِ السَرِقَةِ، لأَنَ النصابَ لديكُم يُقَدَرُ بمئاتِ الملايينِ التي كانتْ تُقَسَمُ مخافةَ الإبلاغِ فلا رُكُوبَ للطائرةِ ولا اِقلاعَ!

وسوم: العدد 890