إحالة الشعب المصري إلى النيابة العامة!

طلعت إدارة «الهيئة الوطنية للانتخابات» في مصر ببدعة قد تكون غير مسبوقة عالميا وذلك بإحالتها جميع الناخبين الذين تخلفوا عن التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت في 11 و12 آب/أغسطس الجاري إلى النيابة العامّة «لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم»!

أعدت «الهيئة» كشوفا بأسماء الناخبين الذين، كما قال رئيسها رئيس محكمة النقض المستشار لاشين إبراهيم، «تقاعسوا عن أداء واجبهم الوطني»، والمفارقة الكبرى أن عدد هؤلاء «المتقاعسين» بلغ قرابة 54 مليونا من أصل 63 مليونا هو عدد «المقيّدين» بجداول الانتخابات المصرية.

اعتمد لاشين مادة من قانون «مباشرة الحقوق السياسية» الصادر عام 2014 تعاقب من يتخلف بغرامة مالية تعادل 500 جنيه مصري، وإذا تم استدعاء الـ54 مليون مصريّ (ما يعادل 85٪ من عدد الناخبين و55٪ من عدد سكان مصر كلهم بمن فيهم الأطفال والمراهقون) وغرّموا جميعا فإن الجباية العامّة منهم ستجمع ما يقارب 26 مليارا و990 مليون جنيه!

سبق للهيئة أن حاولت تطبيق هذه المادة المثيرة للجدل عام 2014 لكن النيابة العامة حفظت القضية حينها، ولا نعلم إن كان استخدامها مجددا هو نوع من الإرهاب المعنوي للمصريين، أم أن هناك «جهات سيادية» قرّرت معاقبة الشعب المصريّ برمّته على هذه الفضيحة الانتخابية الفصيحة.

هناك خبر يمكن أن يُفهم منه أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعتبر ضعف المشاركة بالانتخابات إهانة شخصية لشرعيته، فقد صدر في الجريدة الرسمية أمس الخميس قرار منه بفصل عضوين في النيابة العامة من وظيفتيهما، هما محمد ناصر عنتر فرهود، وأحمد رضا أبو العينين إسماعيل رخا، وذلك بناء على قانون يجيز توقيع عقوبة الفصل «في حالة إخلالهم بواجباتهم الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمصلحة اقتصادية للدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة»، ويبدو أن «تقاعس» مجمل الناخبين المصريين عن المشاركة في انتخابات لا معنى لها أدى إلى إضرار جسيم بمصلحة الدولة، أو للإضرار بـ«أحد الأشخاص الاعتبارية العامة» الذي أصدر قرارا بفصل الموظفين.

المصريون تعاملوا مع الموضوع بسخريتهم الشديدة المعهودة، وتصدر وسم «هتقول _ إيه _ قصاد ـ النيابة» قائمة الهاشتاغ الأكثر تداولا في مصر خلال ساعات بعد إعلان خبر ما يمكن أن نسميه «قرار إحالة الشعب المصري إلى النيابة العامة»، وتكاثرت التعليقات الناقدة للقرار والشارحة لأسبابه الحقيقية، كما فعلت إحدى الناشطات بالقول: «كده كده النتائج بتتزور يبقى إيه لازمة التعب والمشوار والزحمة»، وتساءلت: «الحكومة زعلانة من الشعب ليه إحنا سيبناكم تنجحوا وتسقطوا براحتكم»، فيما أشار المستشار عدلي حسين، رئيس محكمة الاستئناف، ومحافظ المنوفية الأسبق إلى أن رقم المصريين المحالين للنيابة «يستحق التسجيل بموسوعة غينيس الدولية».

أحد التفسيرات لهذه الخطوة الغرائبية أن المقصود منها بث الرعب في قلوب المصريين، ونسبة كبرى منهم من متوسطي الدخل أو الفقراء، بحيث يضطرون للمشاركة في انتخابات مجلس النواب التي ستجري بعد قرابة شهر حتى لا يتكرر المشهد الهزيل لانتخابات مجلس الشيوخ.

يتنافى القرار مع المادة 65 من الدستور المصري والتي تقرر أن حرية الفكر والرأي مكفولة، كما يتنافى مع تقليد سياسي عالمي راسخ ومع حقوق الإنسان الأساسية، وخصوصا حين تكون الانتخابات شكليّة وفي نظم دكتاتورية تحاول اختراع شرعيّة ورقية، ولكن ماذا يفعل المصريون بـ«خياطي القوانين»، و«الشخصيات الاعتبارية العامة»؟.

وسوم: العدد 892