(وقالوا:لو كنا نسمع أو نعقل)

كثير من الناس في هذه الدنيا يشعر في قرارة نفسه بخطئه، ولا يعترف به ، وتراه يجحد جميلة غيره ،ويتعاظم في غيِّ نفسه ،( ولسان حاله: عنزة ولو طارت) .

وقد تكون انتخاباتٌ ،وغيرُه أولى بالترشح منه،لأنهم أقدر منه وأوعى وأذكى، لكنه ينافسهم بطرق ملتوية ليزيحهم ،ويأخذ مكانهم ،فهو بالمنفعة أولى منهم!ولعله يشترى ضمائر الضعفاء والمتنفّعين أو يقهر الفقراء والمساكين ويضغط بشتى الوسائل على الناس ليحقق هدفه بالطرق كلها، ويدّعي في كل ما يفعل أنه على صواب،

قد يطمس على الحق ويغتال أهله، ويسحق مخالفيه لأنه – بزعمه-المنزّه من كل نقيصة أو عيب -وهو العيب نفسه والنقيصةُ ذاتها-ويدّعي أنه يسمع ويعقل،وأنه الذكاء عينُه والفهم كلُّهُ.

رأينا كثيراً من هؤلاء لا يرون إلا أنفسهم ومصالحهم ، يسعون لها بكل الأساليب الملتوية دون أن ترِفَّ لهم عينٌ، أو يشعروا بتأنيبٍ لعيب صنعوه، فالعيب بعيد عنهم!.

هؤلاء يحيَونَ في زحمة مفاسد الحياة ،فلا يسمعون النصيحة ، فهي لمن يحتاجها، ولا يُقِرّون بالزلل، فهو بعيدٌ عنهم! ما طلعت الشمس ولا غربت على أنصح منهم ولا أعقل منهم!.

هؤلاء حين يُلقون في نار يوم القيامة فيسمعون شهيقها وهي تفور، وتزفر زفرتها الرهيبة غضباً منهم وغيظاً تكاد تتفجر من غيظها،ثمّ تحرقهم، فتجعلهم رماداً ثم يعودون كما كانوا مرات ومرات يعترفون بذنوبهم ويقولون: (لو كنا نسمع أو نعقل)..أجل يعترفون.

في هذه الحالة يندمون حيث لا ينفع الندم، ويقرون بذنوبهم حيث لا مفرّ من العقوبة،

ويصوِّر التابعي مجاهد رحمه الله حالهم المخيفة فيقول:تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير. ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: تغلي بهم غليانَ المرجل من شدة لهب النار المنبثق عن غضبها الشديد منهم.هذا هو العذاب المادي.

أما العذاب المعنوي فيتجلى في الحوار بين هؤلاء المنبوذين المعذبين وبين ملائكة العذاب،

(كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها) – على وجه التقريع والتوبيخ والاحتقار- (ألم يأتكم نذير؟                                                قالوا) - والواقع المرير يحكمهم- (بلى قد جاءنا نذير، فكذبنا)- الدعاة والمصلحين فقتلنا بعضهم وسجنّا بعضهم، واذقناهم الذل والهوان ، وتلذذنا بإيذائهم - (وقلنا ما نزل الله من شيء). وهذا شأن المكذبين وديدنهم.

وقد كانوا يخاطبون الرسل والانبياء مستهزئين(إن أنتم إلا في ضلال كبير)فالمصلحون في عرف المجرمين ضالون ومفترون وبعيدون عن الواقع، إذ يدعون إلى الأخلاق والمُثُل القديمة التي تخطتها الحياة الحديثة الراقية ،وعفا عليها الزمن!!

(وقالوا لو كنا نسمع) للأنبياء والرسل والمصلحين (أو نعقل) الهدى الذي جاءوا به (ما كنا في أصحاب السعير). تعبير يُجَلّي ألمَهُمُ العميقَ لحالهم الزّريّ (فاعترفوا بذنبهم) – اعتراف من لا يملك إلا أن يعترف-

فكان جواب ملائكة العذاب: سحقاً لهم وعذاباً وهلاكاً وبعداً عن رحمة الله.

حوار مخيف بين أهل النار وبين زبانية العذاب الأقوياء لا ينجو من بطشهم إلا (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب سليم)

وسوم: العدد 892