اذربيجان وأرمينيا ضحية سايكس بيكو

هناك تساؤلات كثيرة حول النزاع العسكري على اقليم قره باخ بين ارمينيا واذربيجان الى جانب تساؤلات حول مغزى إعلان أنقرة تأييدها لأذربيجان التي تزعم بان أراضي الاقليم من أراضيها بينما تدعم فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الامريكية ارمينيا أحقيتها بالإقليم بأنه جزء لا يتجزأ من أراضيها وأغلبية سكانه من الأرمن.

وأسباب الدعم الروسي لأرمينيا يعود لحنين موسكو بالعودة الى قوتها الاستعمارية من جديد. فأذربيجان وأرمينيا كانتا ضمن الاتحاد السوفييتي السابق ومنذ استقلالهما عن الحظيرة الروسية تعيش الدولتين في نزاع مستمر بينهما على اقليم قره باخ الذي يعتبر غنيا بالموارد الحيوية وخاصة طاقة النفط بتحريض خفي من موسكو التي تتطلع بفرض هيمتها من جديد على أرمينيا.

يشبه إقليم قره باخ بطبيعته اقليم شبه جزيرة القرم. فمن ناحية التضاريس الجغرافية فالإقليم لا يتبع لأحدى الدولتين المذكورتين بالرغم من وقوع أكثر مساحته بالأراضي الاذربيجانية. وسبب ادعاء ارمينيا ان الاقليم لها جراء أن الارمن أكثر سكان الاقليم الذين تدفقوا البه بعد اتفاقيات متعددة كان آخرها اتفاقية تمت في عاصمة بيلاروسيا مينسك عام 1994 اذ اعلنت اذربيجان استعدادها لقبول ادعاءات ارمينيا احقيتها بالإقليم وذلك حقنا للدماء. كان الاتحاد الاوروبي وفرنسا الوسيط الرئيسي للاتفاقيات لقاء علاقات اقتصادية قوية بين الاتحاد الاوروبي وأذربيجان.

لم يكن اقليم قره باخ واذربيجان تابعين لدولة الخلافة الاسلامية العثمانية، اذ كانا تحت سيطرة الدولة الصفوية التي كانت شوكة في اعين توسع دولة الخلافة العثمانية في وسط آسيا بالرغم من استطاعة العثمانيين الانتصار على الصفويين وسيطرتهم لمدة قصيرة على عاصمتهم الاولى التي كانت أصفهان وذلك عام 1590. واستعاد الصفويون اذربيجان التي هي منشأهم الاصلي. ومع صعود القيصرية الروسية في عهد بطرس الكبير الذي استطاع السيطرة على اذربيجان عام 1723 في حروب مع الصفويين الذين استعادوا مرة اخرى بلادهم عام 1736 بقيت اذربيجان حلم الروس لاستعادتها والسيطرة عليها بشكل تام مع استلام البلاشفة حكم روسيا وتوسعة نفوذهم بآسيا الوسطى، كما استطاعوا ضم ارمينيا الى حظيرتهم من خلال اتفاقيات سايكس بيكو.

بدأ النزاع بين أرمينيا واذربيجان على اقليم قره باخ بشكل حقيقي الى زمن بروز الطاغية جوزيف ستالين عام 1922 حيث مارس سياسة زرع العداء بين الاقليات العرقية. فهو قام بتهجير الاقلية الأرمنية التي كانت تعيش بمنطقة قره باخ الى داخل اذربيجان وإرغامهم على التأقلم مع الأذربيجانيين رغم ان الاقلية الارمنية في قره باخ كانت تريد العيش في ارمينيا، وقامت السلطات السوفيتية بعزل الاقلية الأذربيجانية في قره باخ عن العالم ولا سيما عن الشعب الاذربيجاني.

وقد استمر هذا الوضع الى بداية عهد ميخائيل غورباتشوف الذي قام بإصلاحات على البنية التحتية للاتحاد السوفييتي واعطاء الاقليات العرقية حقوقها وحصول أعضاء مجلس السوفييت الاعلى الحصول على موافقة المجلس انضمام قره باخ الى ارمينيا بالرغم من اعتراض اذربيجان وذلك عام 1988. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بدأت النزاعات السياسية بين اذربيجان وارمينيا حول قره باخ لتتطور الى نزاعات عسكرية.

وإذا عدنا الى الوثائق التاريخية فربما نستطيع الجزم بأن النزاع الارمني الاذربيجاني كان نتيجة اتفاقيات سايكس بيكو.

وعودة سريعة الى اتفاقيات سايكس بيكو التي تمت بين الدبلوماسيين الفرنسي فرانسوا جورج بيكو / 1870- 1951/ والبريطاني مارك سايكس / 1879- 1919/ تم توسعة هذه الاتفاقية لتشمل إيطاليا وروسيا. كان من المقرر أن تستقبل روسيا أرمينيا وأجزاء من كردستان وإيطاليا وبعض جزر بحر إيجة (دوديكانيز) ومنطقة نفوذ حول إزمير في جنوب غرب الأناضول. تم ختم الوجود الإيطالي في آسيا الصغرى وانقسام الدول العربية رسميًا في معاهدة سيفر عام 1920. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الخطط جراء مقاومة مصطفى أتاتورك الخطط سياسيا وعسكريا. فمن بين بنود اتفاقيات سايكس بيكو إعطاء أرمينيا لروسيا من اجل كسب القيصرية الروسية الى جانب فرنسا وبريطانيا وهيمنة روسيا ايضا على اذربيجان الغنية بالنفط. اتفاقيات سايكس بيكو تم الحديث عنها عام 1915 وتم اجراءات تغيير على بعض بنودها لتصبح سارية عام 1916، هذه الاتفاقية التي نصت على توزيع المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية التي من ضمنها ارمينيا الى جانب بلاد الشام والعراق والخليج وغيرها بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية ثم البلشفية التي هي وريثة القيصرية.

ولذلك فان الجواب على تساؤلات الكثيرين سبب دعم فرنسا وروسيا لأرمينيا بينما تدعم تركيا اذربيجان بنزاعهما، فروسيا تريد السيطرة على ارمينيا واذربيجان من جديد بينما تشعر فرنسا بعقدة الذنب لأنها وبريطانيا تركتا الشعب الارمني ضحية مجازر وتهجير تعرضوا لها جراء رفضهم بند اتفاقية سايكس بيكو التي تكمن اعطاء بلادهم للروس.

ويرى البعض ان سبب دعم تركيا لأذربيجان ليس لان اذربيجان جارة لتركيا، فأرمينيا أيضا ولكن على حسب اعتقاد بعض خبراء الشرق الاوسط لأن اللغة التركية هي لغة أكثر الأذربيجانيين بل لأن الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان لا يريد صراعا بين الدول القوية فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الامريكية على حدود بلاده فهذه الدول تريد الاذى بتركيا قبل كل شيء.

ونحن نرى ان السبيل الوحيد لإنهاء إراقة الدماء بين الاذربيجانيين والأرمن وعدم توسعة رقعة الحرب مساهمة الاوروبيين وخاصة الحكومة الالمانية التي ترأس حاليا الدورة النصف سنوية للاتحاد الاوروبي دعوة اذربيجان وارمينيا الى طاولة حوار جديدة تخرج باتفاقية شبيهة باتفاقية مينسك عام 1994. وأن يشارك بالمؤتمر تركيا وفرنسا وروسيا واستبعاد الإدارة الامريكية من المؤتمر.

وسوم: العدد 898