السوريون من صحاري ليبيا إلى شواهق أذربيجان

يبدو أنّ الأقدار قد شاءت للسوريين أن يخرجوا من طور المحلّية لينخرطوا في الأجندات الإقليمية، وغير بعيد مادامت أوراق الملف السوريّ مفتوحة، أن يصبحوا حتى من ضمن الأجندات العالمية.

فبعد أن كان غاية سعيهم أن يسقطوا نظام بلدهم، ويقيموا على أنقاضه نظامًا آخر يلبي طموحاتهم في الحرية والحكم الرشيد؛ إذا بهم يجدون أنفسهم جزءًا من تحالفات لم تكن في حسبانهم.

لربما كان ذلك بسبب غياب الحسّ السياسيّ المؤطر في مبتدأ تحرّكهم في آذار/ 2011، الذي غلبتْ عليه العفوية والشعبويّة، في وقت انزوت فيه الأحزاب والجهات السياسية بانتظار ركوب الأمواج، حينما تعلو ويستقرّ حال السفينة.

وبذلك فإنّ كثيرًا من الخطوات التي أقدموا عليها، كانت بحاجة إلى الرصيد التراكمي لدهاقنة السياسيين، الذين آثر جلُّهم أن يجلس في صفوف المتفرجين، وهم يرونهم في تخبطهم وتعثّر خطواتهم.

يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ الأمر لا يعدو أن يكون نوعًا من الاصطفاف لكلا طرفي الأزمة السورية، فكما أنّ هناك مقاتلين قد حزموا حقائبهم استجابة للراعي التركي، وصاروا جزءًا من المعادلة في النزاع الليبيّ، ومن بعد في النزاع الأذريّ؛ فإنّ هناك نظراء لهم من بني جلدتهم قد حزموا هم أيضًا حقائبهم نزولاً عند رغبة الراعي الروسيّ، وحلّوا ضيوفًا على الشرق الليبيّ، ثم على أشقائهم الأرمنيين، وبعضٌ منهم لا صلة عرقية له بتاتًا بالأرمن، وإنّما حملوا على الأمر حملاً، بضغط من أمراء الفيلق الخامس، الذي أشهروا عليهم سوط الراتب الشهريّ.

قد يُغتفر لمن ذهب من فصائل المعارضة إلى تلكما الساحتين، إذ جلّهم مدفوع بعوامل آيديولوجية وإثنية، فطائفة منهم قد انخرطت في الملف الليبيّ ثأرًا من التدخل الروسيّ، الذي أمال الكفة لصالح النظام منذ تدخّله في أيلول/ 2015، تمامًا كما كانت الحال مع أقرانهم العرب الذين نهضوا إلى أفغاستان رغبة في هزيمة السوفييت، وطائفة أخرى كان للبعد الإثني دورٌ كبير في مناصرة إخوانهم الأذرييين، كونهم من المكون التركمانيّ السوريّ، ولايخلو أن يكون القليل منهم أراد أن يبرهن على صدق انتمائه الجديد بعد حصوله على الجنسية التركية الاستثنائية.

ذات مرة كنت في نقاش مع أحد الذين سافروا إلى ليبيا، للانضمام إلى قوات الوفاق، فأكّد لي أنّه لو اقتضى الأمر أن يكون كلّ يوم في بلد لإزعاج الروس وإلحاق الضرر بهم فلن يتوانى، فهو قد نكب وشُرِّد من بلدته وناله ما نال عموم السوريين المعارضين بسبب التدخل الروسي في سورية، ولطالما أنّهم قد صاروا هدفًا مشروعًا له، فهو لن يتوانى عن النيل منهم ولو في المريخ ـ على حدّ قوله ـ.

أمّا أولئك الذين يفخرون أنّهم إلى جانب إخوتهم الأذريين الأتراك، على الرغم من الخلاف المذهبي، فهم يرون أنّ المذهب ليس عائقًا أمامهم، فهم على سبيل المثال لم يقاتلوا الإيرانيين نتيجة الخلاف المذهبيّ، مثلما لم يواجهوا النظام بسبب البعد الطائفيّ، وإنّما بسبب المنطلقات السياسية مع النظام، وبسبب التدخّل الإيرانيّ في سورية وانحيازه إلى النظام.

وهم يرون في أذربيجان بعدًا قوميًا لهم، مضافًا إليه البعد الدينيّ، الذي نتج عن الفتوحات الإسلامية المبكرة في عصر الخليفة عمر بن الخطاب لأذربيجان، حتى قبل فتوحات المغرب والأندلس بنصف قرن.

فلقد كانت أقاليم ومناطق أذربيجان وأرمينية من جملة البلدان التي خطط المسلمون للدخول إليها، بعد فتوحات العراق وفارس الناجحة في البويب والجسر والسقاطية، وكانت أعظمها القادسية ثم نهاوند، على يد القادة من الصحابة الأجلاء، كخالد بن الوليد وأبي عبيد الثقفي والمثنى بن حارثة وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم-، وتمكّنهم من بناء القواعد الحضرية والعسكرية فيها كما فعلوا في الكوفة والبصرة وغيرهما من بلاد العراق التي كانت تحت الهيمنة الفارسية.

وهم ينظرون إلى أنّ أذربيجان حينذاك كانت أشمل وأوسع من جمهورية أذربيجان الحالية، فقد كانت إقليمًا واسعًا، يضم محافظات أذربيجان في شمال إيران وجمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينية ومناطق أقصى شرق تركيا حتى بحيرة فان، وهم لن يتاونوا عن السعيّ لنصرة إخوانهم الأذريين لبسط هيمنتهم عليها مجددًا، فضلاً على مناطق ناغورني كارباخ.

وسوم: العدد 902