الأجر مدفوع من زمان وبسخاء

وقف الأستاذ الجامعي التركي مخاطباً زملاءه باللغة العربية أثناء دعوة عشاء أقامها لهم بقوله: نحن الأتراك نحب الفلسطينيين ونعتبر ذلك واجباً مقدساً علينا، فهم من الأرض المباركة، كما أنهم لم يخونوا الدولة العثمانية بل آووا من بقي من الجنود الأتراك في فلسطين...

قال كلمته وبكى وأبكى الحاضرين معه.

يقول الأستاذ: حين سمح لنا بزيارة القدس المحتلة منذ ثلاثين سنة، قررنا أنا وستة من زملائي - وكان ثلاثة منا يتقنون اللغة العربية - زيارتها، وعندما نزلنا بمطار تل أبيب "يافا المحتلة"، بحثنا عن سائق فلسطيني كوننا قررنا مسبقاً أن لا نتعامل مع اليهود إلا في حالات الضرورة القصوى،

وقع نظرنا على سائق تجاوز الستين من عمره، كان وجهه يشع سماحة ونوراً، فاتفقنا على أن يكون سائقنا في تلك الرحلة.

سلمنا عليه وعرفنا منه أنه مقدسي المولد والنشأة، سألناه عن إيجار السيارة فقال: الطيبون لايختلفوا، فاستحييت من سؤاله مرة أخرى، وسار بنا إلى أن وصلنا المسجد الأقصى وصلينا به، كان رجلاً مثقفاً واعياً متفائلاً لا يتذمر من شيء، وعند المغرب وصلنا إلى الفندق فساعدنا بإنزال أمتعتنا، وقبل مغادرته سألناه عن الأجرة فأجابنا إجابة لم تكن بالحسبان، عجزت مقدرتي باللغة العربية عن فهمها، قال: الأجر مدفوع من زمان وبسخاء!

من الذي دفع؟ وبأي زمن؟ وما قصد بكلمة بسخاء؟

سألت زملائي: هل فهمتم معنى قوله؟ قالوا: فهمنا أن الأجر مدفوع مسبقاً لكن من الذي دفع ومتى وكيف ما فهمناها، فسألته:

ياعم من الذي دفع الأجرة وبسخاء؟

فانفجر باكياً وقال: السلطان عبدالحميد والدولة العثمانية، والله ما رأينا خيراً بعدكم.

فانفجرنا بالبكاء وانتحبنا وبكى لبكائنا كل من كان ببهو الفندق وأمسكنا به وأجلسناه معنا.

قلنا له: لقد قبلنا دفع السلطان عبدالحميد والدولة العثمانية اليوم، وأما غداً فسندفع إن شاء الله ونريدك أن تأتينا كل يوم الساعة السابعة صباحاً فتتناول طعام الإفطار معنا وتبقى معنا حتى أذان المغرب لنتعرف على الأرض المباركة.

صلينا العشاء وذهب كل منا إلى غرفته فما عرف النوم إلينا سبيلاً حتى الصباح حسرة ولوعة على مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، داعين الله أن يفرج عنه قريباً ويخلصه من دنس المحتل.

سألنا صاحب الفندق عن إيجار السيارة وكنا ندفعها له يومياً ونكرمه بصعوبة (لعزة نفسه) بزيادة عنها كأتعاب دليل سياحي.

عرفنا فيما بعد أن ذلك السائق مدرس لغة عربية متقاعد، واستمرت صلتنا به حتى بعد عودتنا إلى اسطنبول ، فكنا نوصي أصدقاءنا المسافرين إلى القدس بالتعامل معه،وبقيت علاقتنا به إلى أن توفاه الله عليه رحمة الله ، واستمرت علاقتنا بعد ذلك ببعض أبنائه.

اللهم اجمع شملنا وشمل أمتنا بالعزة والكرامة وأعنا على ذلك.

اللهم عليك باليهود المحتلين الغاصبين

اللهم فرج عن اهلنا بفلسطين وكن لهم عونا ونصيرا

حافظوا على من محبته لنا خالصة لله ولا تجعلوا العصبيات والقوميات والنزعات العلمانية تفضلكم عما تسعى اليه الصهيونية والماسونية

وسوم: العدد 909