توزّع مراكز القوى الدولية، فرصة ذهبية، للقائد الذي يريد تحرير شعبه!

التقاء مصالح القوى الدولية النافذة ، حول أمر ما ، يجعل صاحب القرار، في هذا الأمر، في وضع حرج ! وهذا أمر طبيعي ؛ إذ تجمّع القوى في مجابهة دولة ما ، يشلّ قسماً كبيراً من قوّتها ، ويجعلها في موقف ضعيف ، ويدفعها ، أحياناً ، إلى التنازل عن بعض مصالحها ، لأحد الفرقاء ، لكسب تأييده ، أو حياده ! 

لقد وُضع المسلمون ، في مثل هذا الموقف ، في العهد النبويّ ، حين اجتمعت ضدّهم ، مجموعة كبيبرة من القبائل ، مؤازَرة لقريش ، في معركة الخندق ! ففاوض النبيّ بعض قادة القبائل ، لتتحييد سيوفهم ، مؤقّتاً ، مقابل  ثلث ثمار المدينة المنوّرة ! وحين شاور النبيّ قائدَي القبيلتين الكبيرتين ، في المدينة سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة .. لم يقبلا العرض ، وقالا ، ببساطة ، كنّا على الشرك ، ولاينال منّا هؤلاء الناس شيئاً ، إلاّ بثمنه ، أو يكون قِرى (طعام ضيف) ! أفنعطيهم ، اليوم ، ثلث مالنا ، بعد أن  أعزّنا الله بالإسلام ؟ والله لانعطيهم إلاّ السيف ! فأخبرهم النبيّ ، أنه رأى العرب ، قد رمتهم عن قوس واحدة ، فأحَبّ أن يصنع لهم شيئاً ، يخفف به سطوة عدوّهم ! وحين رأى عزيمتهم ، وإصرارهم على الدفاع ، عن  مدينتهم ودعوتهم ، صرف النظرعن الموضوع ، فاعتمد المسلمون على مالديهم من قوّة ، ومن قدرة على الثبات والمقاومة .. ونصرهم الله ! 

في العصر الحديث ، أجاد حافظ أسد لعبة التوازنات ، فاعتمد عليها ، في بقاء حكمه لسورية ، ثلاثين عاماً ! وكان رهانه الأوّل والأساسي ، وربّما الوحيد ، على إجماع القوى الدولية ، على رفض البديل الإسلامي ، الذي كان مطروحاً في الساحة ! فحتى القوى التي لاتقبل حافظ أسد، كانت مدفوعة إلى قبوله ، لأن بديله إسلامي ! وهكذا تمّ الإجماع الدولي، على قبوله ؛ إمّا عن رضى ، وإمّا على مضض ؛ بسبب البديل ، المرفوض من الجميع ! 

وأمّا ابنه ، الذي لايجيد  اللعب على التوازنات ، فقد أخضع سورية ، لاحتلالات عدّة ! 

والمثال البارز، اليوم ، هو ساسة تركيا ، اللذين أجادوا لعبة الموازنات ، وأجادوا اللعب ، فيها ؛ فلهم مصالح متشابكة : سياسية وعسكرية واقتصادية .. مع عدد كبير من الدول؛ ولاسيّما أمريكا وروسيا وأوروبّا ، وهم يناورون ، على ضوء مايعلمون ، من مصالح الدول ، وقواها في الساحة ! 

وسوم: العدد 910