تفاصُح في غير محلّه ، أوصَل إلى محكمة الجزاء .. فإلى أين يوصل السلوك ، في غير محلّه ؟

مَنعول الوالدَين : دَعا لوالديه ، فضربَه ، فتَشاكيا في محكمة الجزاء ! 

قال العامل ، لربّ العمل : لقد عملت عندك ، بعشر ليرات ، وأنجزت عملي ، فأعطيتني نصف حقّي ، ووعدتني بالباقي .. فأين الباقي ؟ 

قال ربّ العمل : سيصلك حقّك ، بعد قليل ، يامَنعول الوالدين ! 

فهجم العامل ، على ربّ العمل ، وضربه ، فشجّ رأسه ، فتشاكيا في مخفر الشرطة ، ثمّ تمّ تحويلهما ، إلى محكمة الجزاء ! 

سأل القاضي العاملَ : لمَ ضربتَ الرجل ؟ 

قال العامل ، منفعلاً : لقد لعَن والديّ ، ياسيّدي ! 

سأل القاضي ربّ العمل : لمَ لعنتَ والدَيه ؟  

قال الرجل : لمْ ألعنهما ، ياسيّدي ، بل قلت له : يامَنعول الوالدين ، فحسبَني ألعَن والدَيه! 

قال العامل : ياسيّدي ، إنه يقصد لعنَ والديّ !  

قال القاضي : هل قال لك : ياملعون الوالدين ، أم يامنعول الوالدين؟ 

قال العامل : ياسيّدي ، أنا نسيت حقّي الباقي ، في ذمّته ، حين سمعت لعنَ والديّ ! 

قال ربّ العمل : ياسيّدي ، أنا مالعنت والديه ؛ بل وصفتهما ، بأنهما مَنعولان ، فإذا لم يكونا منعولين ، فهي دعوة لهما ، بأن يُنعلا ولا يظلاّ حافيَين .. فهل أنا مذنب في هذا ؟ وإذا كان هو لم يفهم كلامي ، فما ذنبي ، أنا ؟ 

قال القاضي : هل المهمّ أن يفهم ماتقصده في كلامك ، أم مايفهمه ، هو ، من كلامك ؟ 

قال العامل : ياسيّدي ، إذا كان لايقصد لعنَ والديّ ، فأنا أُسقِط حقّي عنه ، وأعتذر عن ضربه ، وأنا مستعدذ لتعويضه عن الضرب ، مالياً ، بما تقضي به محكمتكم الموقّرة ! 

قال ربّ العمل : وأنا ، ياسيّدي ، أُسقط حقّي عنه ، وأعلن أسفي ، على كلامي الذي قلته، وأدّى إلى سوء الفهم لديه ! 

ويبقى السؤال قائماً، هنا، وهو: هل الأفعال والأقوال السياسية ، التي يفهمها الناس ، عامّة، هي التي يُنظر إليها ، عند تقويمها في سياقاتها .. أم فهم الناس لها ، بصرف النظر، عن نيّات أصحابها ، وعن مقصودهم منها ؛ حتى لو استشهد بعضهم ، مُحقّين أو مبطلين ، بقول المتنبّي : 

 وكَمْ مِن عائِبٍ قولاً صحيحاً    وآفتُه مِن الفَهم السَقيمِ  

ولكنْ تأخذ الأذهانُ منه        على قَدرِ القَرائح والفُهومِ 

وسوم: العدد 911