"يوسف الزريق" يترجل من على صهوة العطاء بعد أربعة عقودٍ من عمله بالكهرباء

في ليلةٍ متفردةٍ وأُمسية مُتقدة بالأنس والفرح، والومضات الوجدانية التي خرجت من قلوب رفاق دربه وإخوته وأحبابه وأولاده وشركاء دربه..

احتفل قسم التشغيل بدائرة العمليات في إدارة كهرباء الأحساء بالأستاذ يوسف بن محمد الزريق بمناسبة تقاعده عن العمل، وذلك بحضور مدير الدائرة المهندس عصام بن جاسم السعيد، ورئيس القسم الأستاذ أيوب بن أحمد الجميعة، وبعض الرؤساء القدامى، وكذلك من تسلم زمام القيادة سابقاً بالهفوف والقرى وغرفة الترحيل للأعمال الفنية والمتابعة اليومية..

حيث تلون الحفل بالمداخلات الحميمية والذكريات الوجدانية والصداقة الحضورية في دواخل كل من حضر لحفل تقاعده بعد رحلة عطاء طويلة تجاوزت الأربعة عقود.. 

مع شكري وتقديري لمن زودني من خلف الكواليس بسيرة حياة فارس حفلنا وشيخ وجودنا لهذا العرس البهيج، ولاسيما لعضيده الأستاذ جاسم بن محمد الزريق، والذي ألهب صرير اليراع للكتابة بهذا النسق المتوالي بعد اتصالٍ طويلٍ لتدوين مسيرة حبيب الجميع منذ الطفولة إلى الآن..

هي الأحساء بتمرها وعطائها وتاريخها ورجالها..

تهدهد الروح مع مصب الماء في جريانه، وتخيط الأرض مشلحاً بزري الذهب والفضة، لتسكب عطر الماضي جمالاً يتقاطر فوق تراثها..

فهلا حدثتنا يا هجر الحب والطيبة عن أولادك وأحفادك؟

فكل حبة رملٍ منك وِردٌّ وصلاة، وكل قطرة ماء خرجت من قلبك تسبيحةٌ ودعاء، وكل حبة تمرٍ سقطت أنطقت جبين الأرض ورأس السماء، وكل زرعٍ أنبتِّه قطافُ جنةٍ وعبق نقاء..

فدثريني بجلباب "قيصريتك" العبقة برائحة الهيل والزعفران، وزمليني بصوت ماء عيونك الهادر عذوبة في أعماق الوجدان..

فهناك عذوبة الكلمة، ورقة المعنى، وصفاء العشرة، وطيب المقام..

فباسقات الطرف من مدللات الحب الأزلي لترابك الطاهر، تلك هي التي ترسم لنا ملامح الماضي على وجه المستقبل..

هي الأحساء وكفى!

وما أولهني لاحتضان صدر "فريج الكوت من براحة الحويش لبراحة الوجاغ إلى براحة الخيل"..

فهل تتذكر يا يُوسُف بيتكم الأول عند بيت إمام مسجد الحارة الشيخ حسين الحليبي؟

أم أنستك ردهات الأيام موقع بيتكم الثاني عند منزل مبارك البيطار، وجيرانكم (العبيد الله، والبو رقة، والحسين، والصفرة، والريزان، والأفندي)؟

لقد تاقت الذاكرة على استنطاق اسمك وسمارة رسمك يا يُوسُف، فهل تتذكر سفرة الخوص الملونة؛ وازدحام الأيادي والأنفاس والمزاح المصاحب بوجود والدك (رحمه الله)؛ وأمك الخالة مريم الحميني؛ وإخوانك (جاسم، وإبراهيم، وعبد الرحمن وسعد)؛ وكذلك أخواتك (أم رائد الضمن، وأم عبد الله المحارف، وأم حماد الحماد، وأم نهار الحمادي، وأم محمد الحميني)؟

أم أنساك الزمن جمعة الأهل كل يوم أربعاء في منزلك خالك عبد العزيز الحميني؛ وتفنن الوالدة سلمها الله وحرسها بالصحة والعافية للطبخ بكل إجازة نهاية الأسبوع الخميس والجمعة الهريس أو الجريش أو المرقوق؟

إيه يا يُوسُف..

أخالك الآن تستعرض شريط ذكريات الأمس إلى مخيلة اليوم في داخلك كالسينما..

فهل تستحضر صديق طفولتك سلمان البيطار؛ وابن خالك المرحوم عبد الله الزريق؛ ونخل أبو علي السيف؛ وأشجاره الرمان (والترنج واللومي ومكينة العين أم سير والطقطقة أم الديزل)؟

نعم، جمال أغلب ا(لفرجان) بتراب أزقتها، وطين جدرانها، (ومرازيم) أمطارها..

فهل تتذكر عمة والدتك الحاجة "عايشة السقوفي"؛ لحفظها وتدريسها القرآن الكريم آنذاك (بالمطوع)؟

أم أن حلاوة حلقوم بقالة الأستاذ إبراهيم الفصيل أنستك شراء الخبز من "مخبز الفرن"؛ الذي يقع بجوار بيت الكبش ومسجد العبد اللطيف ومنزل الشيخ فاروق البو بكر الآن؟

ها قد كبرت يا يُوسُف بخبرتك، وتصاغرت بين ابتسامة أولادك، ودغدغت أحفادك..

فهل تدون لنا سيرتك ومسيرتك على مقاعد مدرسة الفتح الابتدائية؛ والمعهد العلمي؛ والثانوية الصناعية؛ وأساتذتك ساعتها: حمد الحيدر، وأبو طارق الجغيمان، وأبو عصام الملا، وحسين الحليبي، وفهد العبد الواحد، وعبد الرحمن النصيف، والمرحوم إبراهيم بو جليع؛ وعبد العزيز الرويشد، وعلي اليوسف، وناصر الطلب، وحسين الشواف، "ولا تمشي على الدرب اليضحكك.. أمشي على درب اليبكيك" لمعلم الرياضة العراقي مؤيد عبد الرزاق؟

أجزم حقاً أن ذاكرتك مرت أمام أعيننا، وكل واحدٍ منا الآن يشاهد مرآة ذكرياته من نواظرك وآثارك..

فكم واحدٍ ساعدته من بين أفراد أسرتك يا يُوسُف؛ رغم صغر سنك وأيام دراستك بداية المرحلة المتوسطة..

ساعة ما اشتغلت في عيادة الدكتور محمود المقيد بعمارة السبيعي المجاورة لسوق القصابية والمدرسة الأميرية؟

وماذا تقول لنا الآن في أبن خالتك إبراهيم السقوفي؛ ساعة ما عملت معه في دكانه بعمارة المحبوب بداية الشارع الملكي بالهفوف؛ والقريب من فندق الروضة لبيعه للأجهزة الكهربائية المستوردة من دولة الكويت؟

أجل، ها قد مررت سريعاً على حلقات حياتك وذكرياتك منذ الطفولة إلى مرحلة الشباب..

فهل تتذكر من (نعت لك) شريكة حياتك ومراحل الخطوبة؟

وكذلك زواجك سنة 1408 هجرية في صالة الحضيري؛ ونسابتك من عائلة السرهيد؛ ودندنتك الدائمة على أوتار أغنيتك المحببة "السمر والبيض"؟

وكذلك سبوح عرسك في نخل الفصيل؛ وكشختك حينها في سيارة الكابرس الأبيض؛ وزركشة الزينة القديمة على (المراية والصطابات)؟

إلى أن حط بنا المقام على خاتمة عملك وعطائك بين خشونة المفاتيح، وزيوت االمحولات، وأسلاك (الجنابر)، وخروج (الفيادر)، وتهشم العوازل، وارتخاء (الشدادات)، وانقطاع (الفيوزات) بين القرى والهجر..

وكذلك (التغريزات) ما بين الأعمدة المتساقطة والمبتورة والمناطق المحظورة.. وأيضاً (القفشات والضحكات) ما بين جميع الأحبة بقسم التشغيل والدوائر الأخرى في طويلة والقارة، والسالمية والطرف، والمانعية والمنصورة، والزايدية وغويبة، وعجايب ومشروع حجز الرمال..

لذا الذكر الطيب عنوان كل جميل فيحق للقسم توثيق الدليل..

فقد كنت وما زلت تزرع فينا وفيهم الرياحين دون هوادةٍ بالنصيحة والأخوة والأبوة والابتسامة الظاهرة على محياك..

لن أزيد في عمرك العامر بالصحة وأطناب الدعاء آمين يا رب العالمين..

فهذه حقيقتك بين شغاف قلوبنا وأوراد وجودنا لطيبك ونصيبك..

وكذلك لأنجالك محمد وأحم وإبراهيم وفيصل وفهد وأيضاً لبناتك (وفقهم الله)..

حتى ضممتنا وأشعرتهم بحس المسؤولية واتخاذ القرار تجاه أي معضلة في العمل والبيت والأسرة لروحك اللطيفة والشفيفة بالإيثار..

إمضاء وتوقيع

أحبابك وأطيابك وبخورك في قسم التشغيل بدائرة العمليات بإدارة كهرباء الأحساء..

وسوم: العدد 914