أي تحالف عربي مع إسرائيل سقوط وطني وقومي وإسلامي وإنساني واستراتيجي

تتوالى الأخبار  من إسرائيل عن مخطط لإقامة تحالف عسكري بينها وبين بلاد الحرمين والإمارات والبحرين لمواجهة إيران التي تراها الدول الأربع عدوا مشتركا لها . ويعتبر الوصول إلى هذه الرؤية نجاحا إسرائيليا كبيرا مؤقتا ، وسقوطا كبيرا للدول الخليجية الثلاث . من ناحية إسرائيل ، يخرجها هذا التحالف من دائرة دولة معادية إلى دائرة دولة حليفة حتى وإن كان عداء الدول الثلاث لها ظاهريا فحسب ، والتعاون الخفي بين بلاد الحرمين وإسرائيل تحفظه وثائق كثيرة قبل وبعد قيام إسرائيل . أما سقوط الدول الثلاث فهو وطني وقومي وإسلامي وإنساني واستراتيجي . وطني ، لأن إسرائيل لن تأتي لها بالأمن الذي تتمناه ، وهي ، إسرائيل ، ذاتها تواجه مشكلات أمنية كثيرة معقدة ومصيرية ، ويلزمنا أن نحْذَر من أن يضللنا مظهرها العسكري القوي عن هذه الحقيقة التي من تبدياتها ما فيها من مشكلات داخلية دينية وعرقية وثقافية وفروق معيشية واسعة سكانها  يتحدث عنها الكتاب والساسة والعسكريون والأمنيون الإسرائيليون في الحين والآخر ، ويرونها القاضية في النهاية على وجودها أكثر من الأخطار الخارجية . وفي هذه الناحية يقول الكاتب الرصين الجريء آري شبيط في مقال حظي بنشر واسع في العالم العربي : " إن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة " . وتركيزها على الأخطار الخارجية التي تزعم تهديدها لوجودها ليس إلا أداة للتستر على الخطر البنيوي الداخلي ،وتوجيه أنظار وقلوب مستوطنيها إلى أخطار خارجية متوهمة مبالغ فيها لتوحيدهم وكتم تنافرهم . وسيحرك التحالف مع إسرائيل معارضة شعبية في الدول الخليجية الثلاث لها خطرها المستقبلي على أنظمتها حتى لو بدت هذه المعارضة مكبوتة عاجزة ، وبلاد الحرمين الأكثر عرضة لهذه المعارضة ،وهي موجودة الآن في الداخل وفي الخارج . ويتجسد السقوط القومي لهذه الدول الناجم عن التحالف مع إسرائيل في حتمية أن تنظر إليها الشعوب العربية نظرة عدائية ، وتراها  أنظمة غادرة بأمتها ، اختارت التحالف مع عدوها التاريخي ، ولهذه النظرة عواقبها العاجلة والآجلة سوءًا وخسرانا على هذه الأنظمة . وفي الناحية الإسلامية ، ستنظر الشعوب الإسلامية إلى هذه الدول بصفتها عاصية لروح الإسلام وقيمه إذ تتحالف مع كيان يعادي الإسلام عداء حقيقيا ، ويحتل القدس المدينة الإسلامية الثالثة في مراتب القداسة ، ويتحكم في المسجد الأقصى ،ويضطهد المصلين فيه ، ويحرم بعضهم من الصلاة ، ويخطط لهدمه لبناء هيكل يهودي في مكانه . أما إنسانيا ، فمن يتحالف مع كيان اغتصب أرض شعب آخر ، ويواصل حربه عليه قتلا وسجنا وتدمير بيوت ومزارع ومرافق حياة ومدارس ، واستيلاء على ما تبقى في يد هذا الشعب من الأرض في الضفة الغربية ،ومحاصرة جزء من هذا الشعب في غزة ؟! قوى كثيرة في العالم شعبية ورسمية تستنكر جرائم هذا الكيان ، وتتأهب محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للنظر في هذه الجرائم ، وفي هذا الجو من السخط عليه تتحالف معه هذه الدول الثلاث التي تُلزمها أواصرها الوثيقة بالشعب الفلسطيني أن تكون في طليعة الساخطين عليه ومقاطعيه إن لم يكن التصدي له ومجابهته لكونه خطرا مستقبليا مؤكدا عليها مثلما كان وما زال خطرا على الشعب الفلسطيني . واستراتيجيا ، ما كان من الحكمة البصيرة أن تتحالف  الدول الثلاث مع كيان طارىء عابر لمواجهة دولة تعد جزءا  راسخا من جغرافية المنطقة وتاريخها وثقافتها وبشرها ، داومت على دعوة الدول الثلاث إلى صدق التآلف وطيب الجوار . يقول الراحل هيكل : " أستطيع أن أغمض عيني ، ثم أفتحهما فأجد إيران ، وأستطيع أن أغمض عيني ، ثم أفتحهما فلا أجد إسرائيل " . والتفسير السوي لتحالف هذه الدول مع إسرائيل أنها تبحث عن أمن أنظمتها لا أمن شعوبها ، فأمن هذه الشعوب لا طريق مأمونا مضمونا إليه إلا أن يكون جزءا من الأمن العربي الإسلامي . ملايين من العرب والمسلمين سيهبون ذودا عن بلاد الحرمين إن نابها خطر باعتباره ذودا عن عقيدتهم ومقدساتهم لا ذودا عن حكم آل سعود ، وعلى هذا الحكم أن يتخيل هول قبح صورته في عيونهم وهو يتحالف مع إسرائيل التي لن يأتيه تحالفه معها بأي أمن حقيقي ، وكل مسعاه في هذا المنحى سينتهي بارتباطه معها في مصير واحد . وفي العرب والمسلمين الذين ربطوا مصيرهم بمصير الصليبيين  درس للأنظمة الخليجية الثلاث . انهزم الصليبيون وانهزم حلفاؤهم من العرب والمسلمين ، وخرجت الأمة منتصرة . وهذا ما سيحدث لإسرائيل ولكل من يتحالف معها من عرب ومسلمين اليوم . إنه درس التاريخ الذي يتكرر لاتساقه مع هوية الأمة ومنطق الأشياء . قلنا  دائما إن إسرائيل غيمة عابرة  في سماء المنطقة ، وكل من يحالفها يصبح عابرا مثلها . وهي لن تغير الشرق الأوسط مع من يتحالفون معها من العرب مثلما قال نتنياهو مزهوا مستبشرا لمحمد خاجه أول سفير إماراتي في تل أبيب . العابر لا يغير الثابت ولو تحالف مع بعض أهله .    

وسوم: العدد 919