فاروق الإمام في كتابه الجديد

   الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه ، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد :

   فإنّ من حقّ هذه الثورة المباركة ، ثورة الشعب السوري المكافح دون حريته ، وعقيدته ، وأرضه ، وقيمه.. من حق هذه الثورة الرائدة الفريدة في نوعها .. من حقّها على أبنائها أن تستمر مهما علتْ وغلت التضحيات ، لأنها ثورة العرب والمسلمين في كل مكان ، وثورة المستضعفين في هذه الديار العربية المسلمة ، وثورة الفقراء والأحرار في كل مكان فيه أحرار أبرار، وفيه طغاة فاسدون مفسدون ، وفيه خونة ومجرمون وما أكثرهم ، ولذلك شبّت هذه الثورة من أجل استئصال أولئك الفجّار عامة ، والطائفيين منهم خاصة ، أولئك الذين طغوا وبغوا وفعلوا بالوطن الكريم ، أرضاً وشعباً ، مالم يفعله أوباش الناس وأوشابهم في سائر الأقطار.

   من حق هذه الثورة التي ظلمها أبناؤها ، بتقاعس بعضهم عن نصرتها ، وبجهل بعضهم الآخر، وبجشع آخرين ممن ارتبطوا بالخارج بشتى أشكاله ومعانيه ، فأثروا على حساب الثورة ، وتلوثوا بالمال الحرام ، وأغرقوا الثورة بدماء الشعب الحر، ومزقّوا المقاتلين شذر مذر، نزولاً عند أوامر الخارج المعادي لسورية البطولة والإقدام ..

   وبعضهم فقد البصيرة ، فأغفلوا الرصيد العربي والرصيد الإسلامي في العالم وهما ممتدان عبر الزمان والمكان.. أغفلوا مئات الملايين من أبناء العروبة والإسلام ، وناموا في أحضان أعدائها من الأعراب والمجوس، ومن الصهاينة والصليبيين وعملائهم في الداخل المنكوب ب(نخب) مثقوبة العقيدة والضمير، مختلّة الانتماء، مهزومة الهوية ، من شتّى الأعراق والملل..

   سورية الحبيبة قلب العروبة النابض منذ افتتحها بطل الأبطال الخالد : خالد بن الوليد ، وظهر الإسلام العظيم منذ رعاها حكيم الحكام ، معاوية بن أبي سفيان ، وسوف تبقى كذلك ، برغم الطائفيين الحاقدين على العروبة والإسلام ، ورؤوسهم من المجوس والصهاينة والروس الصليبيين.. وسوف يملأ الشطّار الأشرار الفراغ الذي كان على الحركة الإسلامية ، ورجال الحركة الوطنية الأحرار أن يملؤوه ، بما أوتوا من طاقات معطّلة لم يفعّلوها لأسباب غير مقنعة جعلتهم من الخوالف ، فالحياة لاتقبل الفراغ ، الذي إذا لم نملأه نحن ، ملأه غيرنا ، وبؤنا نحن بالضياع والخسران المبين ، والعياذ بالله تعالى ، وسورية الحبيبة أمانة في رقاب أبنائها ، وسوف يحاسبنا الله على تقصيرنا ، والتاريخ لن يرحمنا ، والأجيال الصاعدة لن يقنعها ماترى من ركود الثوار ، وسوف تحاسب المقصّرين والخوالف على تقاعسهم ، وعلى وعينا القاصر الذي جعلنا نتجافى عن المخلصين من أبناء الوطن الواحد ، ولا نعمل معهم لملء ذلك الفراغ الذي جاء من يملؤه من الأشرار، من إيران ، وذيولها في العراق ولبنان بل ومن باكستان وأفغانستان وسواهما ، تحت رايات خبيثة ماكرة شريرة مفضوحة ، جاؤوا ليهجّروا أهلها ، أو من نجا من أهلها من القتل ، فزاد المهجّرون عن نصف الشعب السوري ، ونيّف القتلى على المليون ونصف المليون من الشهداء ، والعالم (الديمقراطي الحر) يملأ الفرح جوانحه وهو يرى جرائم الطائفيين الأسديين وأعوانهم من المجوس والروس ، وياويلهم من أجيال الثأر التي تنشأ في قلب الكوارث والمآسي التي انزلها بأجدادهم وأهليهم وأوطانهم أولئك الفجّار أبناء الفجّار والعواهر القادمون من الخارج بكل معانيه..

   يتشكل الآن جيل عاصف ، ملؤه الإيمان ، والوعي والإرادة الصلبة ، والإدارة الحكيمة ، والمهارة، والتضحية ، والتربّص بالعدوّ الخارجي والعدوّ الداخلي الذي فعل ومازال يفعل بالشعب السوري مالاتمحوه الدهور، وانتظروا إنّا منتظرون ، فقد انكشف المستور، وظهر المخبوء الذي في الصدور، ولم يكن العمي يرونه ، ولا تصدقه مسامعهم التي ماكانت تعي ماتسمع عن أولئك الأشرار.

   هذه الثورة السورية الفريدة سوف تستمر بعون الله ، ويجب أن تستمر، مهما علت التضحيات ومهما غلتْ، وماينبغي أن تستمر على الشكل الذي هي فيه الآن.. من حيث القيادة ، والفصائلية المشرذمة ، والارتباطات الخارجية المشبوهة المفضوحة ، فهي كلها من أسباب تخلف الثورة وضياعها خلال عقد غالٍ مضى من الزمن، ولا ينبثق عن التخلف العقلي والعقدي والعلمي والإداري ، والأخلاقي ، إلا الضياع ، كالحال الذي هي فيه الآن..
   هذه ثورة السوريين كافة ، وما ينبغي لها أن تكون غير ذلك ، وثورة العرب كل العرب ، وثورة المسلمين كل المسلمين ، وثورة الأحرار والمستضعفين في كل مكان.. وهؤلاء هم البعد الاستراتيجي لثورة الشعب السوري هذه ، والرصيد الكبير الحي الذي غفل او تغافل عنه (القادة) فلم يحسبوا لهم أي حساب حتى لعبت الظنون بعقول أولئك الإخوة ، وعواطفهم، فصدّقوا أو صدّق بعضهم مايسمع من إعلام الأعداء الذين ذكرناهم، ذلك الإعلام الخبيث الخسيس الذي لايحسن غير الكذب والتضليل والتشويه ، و(قيادات) الثورة التي أرادوها يتيمة بتراء ، في غياب عن المهمّ ، وفي حضور وسعي حثيث وراء (المغانم) التافهة ، يقودها من يقودها من الأعداء ، والأموال والأسلحة التي كانت تتدفق عليهم ، والمناصب ، من ضمن أولئك الأعداء الشرسين.

   يارب.. عليك ب (أصدقاء) الشعب السوري الذين زادوا على مئة دولة ، وأما أعداؤه ، فالجيل الجديد الذي يتشكّل الآن ، كفيل بهم ، وسوف يهزمهم بعونك يا الله.

   وأما مؤلف هذا الكتاب ، فهو من الجنود المجهولين ، كما كان أبوه المجاهد الشيخ : أحمد الإمام يدعى (الشيخ المجهول) ، كما كان يطلق عليه العدو الفرنسي المحتل ، وكما كان يطلق عليه الثائرون على الاستعمار الفرنسي لقب : الشيخ المجهول..

   وقد كان الأستاذ فاروق سرّ أبيه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة- فانبرى يقارع المحتلّ الأسدي ببندقيته وقلمه معاً ، وكتب في فضح هذا المحتل الجبان مئات الصفحات ، نشرها في العديد من الصحف والمواقع ، وهو يسهم في هذا الكتاب الذي نشره مقالات في توعية الناس بهذا العدو الأسدي ، المجوسي ، الصليبي ، الصهيوني.. يسهم به في تشكيل الجيل الجديد الذي لا ولن يقبل الوصاية عليه من أحد ، كما لن يقبل بأشباه الرجال في صفوف الثائرين ، بله قيادتهم ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يعون ولا يعقلون. 

وسوم: العدد 924