من نفحات شهر الهدى والفرقان

مدرسة تربوية إصلاحية

تربية النفس على فضائل الأعمال والأقوال ، وإصلاح مالها من عيوب اجتماعية وتصرفات غير إنسانية ، وإبعادها عن الأهواء ... غاية جليلة تسعى إلى تحقيقها شرائع السماء : ( ونهى النفس عن الهوى ) . ومبادرة النفس للأخذ بهذه المآثر من غير تلكؤ  ، واتخاذ المواقف الإيجابية التي تشير إلى طهارة فطرتها وصدق توجهها ، حيث تُرى آثارُهـا في سلوك صاحبها ، وهذه تزكية محمودة للنفس ، وهي تعيش أشواقها ونوازعها وأذواقها في هذا العالم المليء بالإغراءات والمنغصات ،  ناهيك عن وسوسة شياطين الجن والإنس ، وإلحاح رفاق السوء للانخراط في دوامة الضياع ومستنقعات الرذيلة .

الطعام والشراب حاجتنان لابد للإنسان من تناولهما في ليل أو نهار ، ولا يصبر عنهما ، بل  لايعيش بدونهما إن فُقِدَتا . ويصبر إذا منعه مانع عن تناولهما لبضع ساعات . وهنا يأتي الصوم الذي فرضه الله على الإنسان مربيا للنفس  ، ومرشدا لهـا إلى المنهج الأقوم في التربية ، وهنا يكتب له الفوز ، ويُكتب له الثواب  ، ولقد حبــا الله سبحانه وتعالى الإنسان بقدرات بدنية وعقلية ، وبمواهب ذاتية تقوم على مدارها شخصيته ، تتراءى له من خلالها خصائص ورؤى تسمو بسلوكه ، وترقى بمكانته ، ومَن فاتته هذه المكرمات فيصعب عليه أن يجد في حقول حياته الثمرات اليانعات الطيبات ، وحين يطلبها بعد فوات الأوان يكون كَمَن يحاول علق كوعه وليس بمستطيع .

وسائر العبادات التي فرضها الله عزَّ وجلَّ ، وأنواع السنن التي جاءتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجميع مدارس المنهج الإسلامي القويم بعلمائها ومفكريها ... تعمل على إنقاذ الإنسان من الضياع ، ومن وسوسة شياطين الإنس والجن ــ كما ذكرنا قبل قليل ــ  في دعوة خالصة لوجه الله ، يستكمل من خلالها الإنسان خطوات سعيه شطر مايرضي الخالق الحكيم ليجد سعادته في الدارين . وإذا ما أبصر الإنسان بوعيه وبحكمته وإيمانه حقائق الأمور ونواميس الكون ، فإنه ــ بلا ريب ــ سيردع نفسه الأمارة بالسوء ، ويبعد نوازعها عن بيئة  خوفه من العواقب ، ومن الحرمان من فضل الله في الدنيا والآخرة . بل يجد الإنسان المسلم ذكرا كان أم أنثى صغيرا أم كبيرا أن حالة من النشاط  تثيره لنيل رضوان الله ، وهو يصلي التراويح أو يقوم الليل ، أو ينفق في سبيل الله ،  وتشعره محاسنُه أنه أصبح قدوةً لآل بيته وجيرانه ومجتمعه ، وقد أصبح مواطنا صالحا بما حقق من المنافع لأبناء بلده في كل عمل أجاد أداءَه ، وأتمَّ بناءَه  ، وأخلص في إنجازه .

تتباهى المجتمعات العالمية بما يتميز به أبناؤُها من تخطيط وإبداع وعمل دؤوب ، وبما قدَّموا لمجتمعاتهم وللإنسانية من خدمات جليلة ، وتلك والله من مزايا الإنسان المسلم الذي علمه القرآن الكريم مالم يعلمه الآخرون من الناس ، وهداه نبيُّه صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بقيم رشيدة  ، يلج من خلالها إلى آفاق هذا الكون الفسيح ، وفي سور القرآن الكريم  من البراهين ما لا يُحصَى ، وبيئة الإعجاز العلمي في الإسلام تؤكد على ذلك ، فالإنسان المسلم هو صاحب الحيوية والبحث والنشاط ، ومدرسته الغنية بالآيات الربانية والأحاديث النبوية ، وبالتاريخ الحافل ، فعسى أن يعود أبناء الإسلام إلى منزلتهم العالية ، وعساهم يحققون : ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) .

وسوم: العدد 925