وجه الإسلام الهندي 1-2

وجه الإسلام الهندي - ١  

وهذا المقال مرشح لمن يبحث عن موضوع ينال به الشهادة " العالمية "

وأعود إلى وجه الإسلام الهندي، وتسألني وهل للإسلام وجه عربي ووجه فارسي ووجه هندي ...

أليس الإسلام حقيقة كبرى مقررة من قبل رب العالمين ، وأقول نعم وكان لهذه الحقيقة تمثلاتها الجماعية والفردية . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم للتمثل الأرقى للحقيقة الإسلامية " كان خلقه القرآن" ثم نجد الصورة البكرية والعمرية والعثمانية ... نسخ طبق الأصل مع التمايز ..

ولقد كان لله حكمة بالغة في اختيار العرب بطبائعهم وتكوينهم ليكونوا الحامل الأكثر توازنا لحقيقة هذا الدين، دون أن يعني ذلك أن غيرهم غير قادر على المشاركة ، ويبقى حديث للعموم .

وتبقى عندنا نسخ من الإسلام كلها طبق الأصل ، وكلها تحمل ميزات وخصوصيات في بحبوحة الفروق بين الشقيق والشقيق تعبر عن نفسها وتنادي على الباحثين عنها .

وقد ذكرني بوجه الإسلام الهندي ونحن في أيام رمضان المبارك انه منذ أيام توفي المفكر والكاتب والداعية الهندي المعمر وحيد الدين خان ، توفي عن نحو مائة عام ؛ والذي لفت نظري أكثر أن بعض المهتمين بالثقافة الإسلامية نعوا الرجل واحتفوا بوفاته دون الانتباه إلى حقيقة ما يمثله في إطار المدرسة الفكرية الإسلامية الهندية.

لقد رسم ملامح وجه الإسلام الهندي لدينا هنا في الشرق العربي أربعة من قادة الفكر الإسلامي في الهند ، فقط لأنهم كانوا أكثر حضورا

الأول هو الشاعر والفيلسوف المسلم العملاق محمد إقبال. وظل محمد إقبال مع الأسف يحتل مكانته بين الخاصة ، لم يلتفت الكثيرون إلى كتابه " تجديد التفكير الديني" لا حظ معي تجديد التفكير، وليس تجديد الخطاب ، ولا ديوانه الأعرق في الفلسفة وفِي الدعوة إلى إعادة البناء الشخصية المسلمة " أسرار خودي - رموز بخودي " ديوان " الأسرار والرموز " أو أسرار إثبات الذات ورموز نفيها " الديوان الذي أراد منه إخراج الشخصية المسلمة من حالة السلبية الجبرية المتواكلة " الخشبة الطافية على سطح أمواج القدر " عودا بالمسلمين إلى الدعوة الكيلانية الأصيلة "دفع الأقدار بالأقدار" أو الدعوة العمرية "نفر من قدر الله الى قدر الله ". و ما تزال ريادة محمد إقبال الإصلاحية بعدُ ضبابية حتى في عقول وقلوب الكثيرين من الذين يدعون إليها. دواوينه الشعرية الجميلة والعظيمة والتي ترجمت معظمها إلى اللغة العربية وغيرها من لغات العالم ، ما تزال وقفا على الخاصة ، ولولا أن أم كلثوم غنت قصيدته أو مقاطع من قصيدته شكوى وجواب شكوى لما سمع الكثير من المثقفين باسم محمد إقبال رحمه الله تعالى ، فمن من مثقفي العصر اطلع على ما أو جزه أبو الحسن الندوي في كتابه "روائع إقبال " أو اطلع على ديوان محمد إقبال "بيام مشرق" " رسالة المشرق" الذي تفاعل فيه مع ديوان الشاعر الألماني العظيم " غوته " في الموضوع نفسه ، أو ديوانه "أرمغان حجاز " " هدايا الحجاز " يحمله لقومه في بلاد العجم .

لقد كان محمد إقبال رحمه الله تعالى الأقدر بين الإصلاحيين المسلمين المعاصرين منذ القرن التاسع عشر، على إدراك سر " الوهن" الذي تعيشه الأمة، وكان يقدم الحلول والوصفات الناجعة ، التي تستبطن العلل في أعماق النفس، ولكن وللأسف فإن دعواته شديدة التركيز والرقي لم تجد "الحامل" العملي على أرض الواقع فظلت رؤى فيلسوف يحلق بقومه في فضاءات لا يقدرون عليها...

لم يكن محمد إقبال رحمه الله تعالى هنديا بقدر ما كان عالميا، ولذا فإننا نعتقد أن ريشته لم تحظ بإضافة القليل من الرتوش إلى وجه الإسلام الهندي، لتبقى هذه الصورة وقفا على ثلاثة مفكرين مبدعين، مبدعون ولكن ..هم أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي ووحيد الدين خان وهذا ما سنتناوله في القسم الثاني من هذا المقال إن شاء الله.

وجه الإسلام الهندي : ٢-٤

ربما تربع على عرش التأثير في شرقنا العربي في القرن العشرين ثلاثة من المفكرين من شبه القارة الهندية ...

أبو الأعلى المودودي ، وأبو الحسن الندوي، ووحيد الدين خان ...

كل الملاحظات التي ستسجل على طرائق الرجال الثلاثة في هذا المقال ، لا تعني التقليل من قدرهم ، أو قلة توقيرهم واحترامهم ...

كان أبو الأعلى المودودي ١٩٠٣ - ١٩٧٩ أمير الجماعة الإسلامية في باكستان ، أكبر الثلاثة عمرا ..

والجماعة الإسلامية في الباكستان جماعة إسلامية في مناخ برلماني توازي على نحو ما طريقة جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، مع فارق في الظروف .

ردف الشيخ المودودي رحمه الله تعالى المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب الإسلامية، منها كتاب الحجاب والربا ونظرية الإسلام وهديه في السياسة والمصطلحات الأربعة في القرآن الكريم وتناول في الأخير تعريفات محددة لكلمات الإله والرب والدين والعبادة ..

في كل كتبه وفكره يبدو أبو الأعلى رحمه الله تعالى صارما عابسا شديدا، حتى يصل الأمر في كتابه " الحجاب " إلى الدعوة إلى احتجاب المرأة في بيتها ومن محارمها ...

تتمثل خطورة الصرامة التي تحلى بها أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى في أن كتبه ترجمت إلى العربية ، وشكلت رافدا أساسياً من الروافد الثقافية للجيل الذي ،أنتمي إليه ، بنظرة شديدة القداسة كنّا نستقبل كتب المودودي. وربما كان الأثر الأكثر عمقا تعريفاته للمصطلحات الأربعة ، وكذا بعض مقرراته في كتابه نظرية الإسلام وهديه ومن الناحية الاجتماعية كتابه الحجاب. نحن هنا لا نقوّم الصحة والخطأ بقدر ما نتحدث عن المنهج وعن الأثر . وموقع الشيخ المودودي رحمه الله تعالى في قمة هرم الجماعة الإسلامية لعقود طوال أعطاه مكانة وميزة متقدمة.

وإذا كان حسب قواعد المنبع والمصب كان المنتظر من العالم العربي ان يحتل موقع الأعلى اسموزيا لضخ الثقافة الإسلامية إلا ان المعادلة كانت لأسباب كثيرة معكوسة. كنّا في مصر والشام والعراق وجزيرة العرب مستقبلين للثقافة بكل أنواعها أكثر منا منتجين أو مصدرين !! ومن هنا فقد اكتسب السيد أبو الأعلى أيضا لقب "الإمام" وهكذا كنّا نلقبه ، وهذا ليس على سبيل الاعتراض

والمدخل الأكبر وغير المباشر للتأثير أن كتب السيد المودودي كانت موردا من موارد سيد قطب الفكرية ، فقد تمثلها الشهيد رحمه الله تعالى وأعاد إنتاجها أو التأكيد عليها في أكثر من موضع من كتبه وبالتالي فإن هذا التمثل " الهندي " للإسلام بالوجه الصارم للشيخ المودودي رحمه الله تعالى أصبح جزء من صورتنا المعاصرة ...صرامة امتدت إلى عقول وقلوب الكثيرين من جيلنا وممن يليهم.

إلى أي حد تجاوبت الصرامة الهندية المودودية مع روح الصرامة النجدية ؟! تذكروا قول الأقرع بن حابس لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتقبلون الأولاد ؟!!!!

الحدّية التي تمثلت في تعريفات المودودي لكلمات الرب والإله والدين والعبادة بطريقة كلامية حدية لعله لم يسبق إليها..

كل ذلك اختلط بثقافة جيل نجد شبابه اليوم يحاسبون أنفسهم على البسمة، ويعايرون التحية الذي ألقوها وإذا ردوها...

يقف أحدهم على منبره مقطبا جبينه عاقدا حاجبيه يقول للناس: وتبسمك في وجه أخيك صدقة .

وأصبحت كل لغتنا الاجتماعية والثقافية مشروطة بأن تقع في سياق " زيبقلية" منتجة حسب قواعد التعريفات الصارمة ..

ومقالنا القادم حول دور الإمام أبو الحسن الحسني الندوي وهو دور مختلف مؤتلف في الوقت نفسه ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 926